أفضى المسار «التسووي» الذي بدأ مع انتخاب محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان، إلى ولادة حكومة تعكس نتائج تلك التسوية وإفرازاتها. وعلى رغم أن التشكيلة وُلدت ناقصة بفعل الحسابات الداخلية المرتبطة بـ«التيار الصدري» وأسباب أخرى، إلا أن الكتل المُمثّلة لمعظم مَن لم يُمنحوا الثقة مطمئنة إلى أنهم سيُمرّرون لاحقاً، بعدما تمّ تجاوز العقبة الأكبر عبر إفشال المسعى السعودي لعرقلة التأليف والإعلان.
ساعات معدودة فصلت بين أداء عادل عبد المهدي اليمين الدستورية، وتسلّمه سدّة رئاسة الوزراء من سلفه حيدر العبادي. ساعات معدودة أيضاً فصلت بين المراسم البروتوكولية وترؤسه الجلسة الاعتيادية الأولى التي بدا لافتاً أنها انعقدت خارج المنطقة الخضراء، وناقشت منهجية اجتماعات المجلس، وتنظيم عمله المستقبلي على صعيد الوزارات، «وفق الرؤية الجديدة لتقديم أفضل الخدمات للمواطنين»، بحسب ما جاء في البيان الصادر عن مكتب الرئيس.
وعلى رغم أن عبد المهدي قدّم تشكيلة شبه مكتملة، إلا أن البرلمان منح ثقته لـ14 وزيراً فقط (3 «سائرون»، 1 «الحكمة»، 5 «الفتح»، 3 «سُنّة البناء»، 1 «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، و1 «الاتحاد الوطني الكردستاني»). مُرّرت «الكابينة» بشقّ الأنفس، بعدما هدّدت كتل عدّة بفرط نصاب الجلسة. نتيجة «مُرضية» تفيد مصادر مطلعة «الأخبار» بأنها جاءت بفعل دفع إيراني حثيث نحو تمرير الاستحقاق بأي شكل، وبأقل الخسائر الممكنة، بهدف إخراج عبد المهدي من دائرة الضغوط المحلية والإقليمية، خصوصاً منها السعودية الآتية عبر الوسائل الإعلامية والأوساط الدبلوماسية في بغداد.
يتمسّك «الفتح» بترشيح الفياض لوزارة الداخلية «وفاءً» لخياراته السياسية
انطلاقاً من ذلك، تبدو حكومة عبد المهدي التي ولدت ناقصة وكأنها نتاج مخاضين، خارجي وداخلي. يتعلّق الأول بمفرزات «التسوية» التي جاءت بالرؤساء الثلاثة، أما الثاني فيتصل باللعبة السياسية الداخلية. على الخط الأول، بدت إيران معنية بتحصين التسوية التي كانت لها الكلمة العليا في هندستها، وذلك بهدف ملء الفراغ الحكومي، وهو ما لا تعترض عليه واشنطن أيضاً. إذ إن «من مصلحة قاسم سليماني وبريت ماكغورك أن يُمنح عبد المهدي الثقة، ويُطلق عجلة العمل الحكومي»، وفق ما يقول مصدر حكومي لـ«الأخبار». أما «المغتاظ» من هذا المشهد، فتؤكد مصادر مطلعة على مسار التكليف والتأليف أنه ليس إلا «السعودية، التي فشلت في صناعة ائتلاف عراقي يخالف هذا التوجّه أو يعرقله»، مشيرةً في حديثها إلى «الأخبار» إلى أن «الرياض خسرت كتل المكوّن السُنّي مع توجّه الأخيرة إلى تحالف البناء (هادي العامري ـــ نوري المالكي)». وتضيف المصادر أن «مجسّاتنا التمست نوعاً من هجوم سعودي قد يعرقل التشكيل»، جازمة أن «التمرير الحكومي كان الحل الأنسب والأسرع، والرد السياسي المبطن، من دون الدخول في سجالات قد تعمق الشرخ».
على المستوى الداخلي، تُطرح تساؤلات حول سبب منح الثقة لوزراء من دون آخرين، علماً أن من أُجلّ منحهم الثقة هم وزراء الداخلية والثقافة والتعليم العالي من «المكوّن الشيعي»، والدفاع والتخطيط والتربية من «المكوّن السني»، والعدل من «الأقلّيات». الحُجّة الوحيدة المعلنة أن المجلس النيابي يحتاج إلى مزيد من الوقت لقراءة السير الذاتية للمرشّحين والتدقيق فيها، إضافة إلى تدقيق آخر في سير هؤلاء على مستوى «النزاهة». لكن مصادر متعددة من داخل «تحالف البناء» تورد أسباباً أخرى، مفنّدة إياها لـ«الأخبار» على الشكل التالي:
1- حقيبة الدفاع (فيصل الجربا): تمّ التشكيك في كون شاغلها «بعثيّاً» سابقاً.
2-حقيبة التخطيط (إياد السامرائي): طُلب تأجيل منحه «الثقة» باعتباره «مُجرّباً»، ولا يمكن أن يُعاد تجريبه (كان رئيساً للبرلمان ما بين 2009 و2010).
3- حقيبتا التربية (صبا الطائي)، والعدل (أسماء صادق): حاجة حقيقية إلى دراسة ملفاتهما وسيرتيهما الذاتية.
4- حقيبتا الثقافة (حسن الربيعي)، والتعليم العالي (قصي سهيل): تقول المصادر هنا إن كتلة «سائرون» امتعضت من ترشيحهما، على اعتبار أنهما من قادة «التيار الصدري» سابقاً. فالأول كان رئيساً لـ«الكتلة الصدرية» (2006-2010)، والثاني نائباً أول لرئيس البرلمان ونائباً لرئيس «الكتلة الصدرية» (2010- 2014). وعليه، فإن ثمة حساسية لدى زعيم «التيار» مقتدى الصدر إزاءهما، خصوصاً أنهما انتقلا لاحقاً إلى صفوف «عصائب أهل الحق» (قيس الخزعلي) و«ائتلاف دولة القانون» (نوري المالكي)، أي ألدّ خصوم الصدر، الأمر الذي وضعته مصادر «البناء» في سياق «المناكفة السياسية»، معتبرة أن «الصدر لا يحبّذ أن يكبر أحد خارج عباءته السياسية».
5- حقيبة الداخلية (فالح الفيّاض): تمّت عرقلة منحه الثقة من قِبَل «سائرون» وحلفائه، علماً أن «تحالف البناء» أصرّ (ولا يزال) على أن يتمّ توزيره، «وفاءً لخياراته السياسية في إفشال محاولة الانقلاب على التوافق، وذلك حينما أراد حيدر العبادي تشكيل الكتلة الأكبر، والمضيّ في مشروع يحاكي الرغبة السعودية ــــ الأميركية في المنطقة» بحسب ما يقول مصدر في تحالف «الفتح» لـ«الأخبار». ويضيف المصدر أن خروج الفياض ونواب آخرين معه «شكّل صفعة كبيرة لهذا المشروع»، فـ«أعاد خلط الأوراق، ومنع مشروعاً أسود من القيام في العراق»، متابعاً أن «خطوته يجب إيفاؤها بتوزيره».
ويؤكد المصدر نفسه أن «الفتح لن يتخلى عن الفياض إطلاقاً، والأمر الذي جرى هدفه تمرير الحكومة فقط»، مضيفاً أن الرجل «سيُمنح الثقة في الجلسة المقبلة (6 تشرين الثاني المقبل)»، في حين تقول مصادر «العصائب» إن «الربيعي سيمرّ أيضاً، أما سهيل فمصيره ما زال ضبابياً»، غير أن مصادر أخرى في «الفتح» تؤكد أن «الأسماء الأخرى ستمرّ بمعظمها، والمهم حالياً الاستفادة من الوقت، ومحاولة ترتيب البيت الداخلي قبيل إطلاق العجلة الحكومية».