تؤدي مجموعة من الدبلوماسيين الأوروبيين العاملين في العراق أدوار “وساطة” بين بعض فصائل الحشد الشعبي والولايات المتحدة الأمريكية، الطرفين اللذين تربط بينهما علاقة متوترة، خاصةً بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران وإعادة فرض عقوبات عليها.
تَعتبر فصائل الحشد الشعبي أمريكا دولة “محتلة”، وتعتبر واشنطن الحشد جزءاً من “منظومة الدفاع الإيرانية”، ولذلك، فإن العلاقة بينهما في أحسن أحوالها متشنجة. ورغم أنهما وقفا خلال السنوات الماضية في نفس الخندق، أثناء الحرب ضد تنظيم داعش، داخل العراق، إلا أن كلاً منهما بقي يجسّ نبض الآخر ويتوجّس منه
ويكمن دور “الوسطاء” في التواصل مع قيادات الفصائل العسكرية الشيعية، عبر زيارات رسمية وأخرى غير رسمية. وأكثر مَن يقوم بهذا الدور سفيرا فرنسا وبعثة الاتحاد الأوروبي إلى العراق، بالإضافة إلى مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة.
“تقريب وجهات النظر”
واستهدفت زيارات “الوسطاء”، خلال الأشهر الستة الماضية، الفصائل المقرّبة من إيران، مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وحركة النجباء، لكن طروحاتهم لم تلقَ ترحيباً من هذه الأطراف.
ويستثمر أو “يستغل” بعض الدبلوماسيين الأوروبيين ومبعوث الأمم المتحدة للعراق اللقاءات التي تجمعهم بقادة فصائل شيعية من خلال السعي إلى تقريب وجهات النظر بينهم وبين واشنطن، لكن مصادر تقول لرصيف22 إن “الوساطات لم تلقَ ترحيباً من قبل تلك الفصائل”.
وبرغم تمكّن “الوسطاء” من الوصول إلى معظم الفصائل المستهدفة والحديث معها، إلا أنهم لم يجلسوا مع كتائب حزب الله العراق التي رفضت منذ البداية أي لقاء يتطرق إلى هذا الملف.
يقول كبير الباحثين في الصندوق الوطني للديموقراطية رحمن الجبوري: “من مصلحة الطرفين أن تكون بينهما قنوات تواصل لتبيان وجهات النظر، بحيث تكون لديهما معلومات مباشرة ودقيقة بدلاً من الاتكال على الخطوط المتعرجة وبدلاً من أن تصلهما المعطيات من أطراف ثالثة”.
ويضيف: “يجب أن يكون هناك فهم وتفاهم بينهما لإزالة أي توتر مستقبلي قد يحدث”، ويتابع: “زيارات السفراء إلى تلك الفصائل تأتي لجس النبض ومعرفة ردود الفعل”.
في تصريح صحافي، قال الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي إن جماعته “رفضت وساطات للتواصل مع واشنطن”، وهذا ما يصفه الخبير في شؤون الجماعات المسلحة، وعضو مركز النهرين الحكومي للدراسات الاستراتيجية، هشام الهاشمي بأنه “رفض مسبق للحوار”.
ويضيف الهاشمي لرصيف22: “يلعب السفيران البريطاني والكندي أدواراً فعالة في محاولة تقريب وجهات النظر، وهناك اجتماعات دورية مع بعض الفصائل ويتم اقتراح مشاريع عليهم مثل دمج الحشد الشعبي بالمؤسسة العسكرية وتدريب كوادره الأكاديمية وبناء مؤسساته السياسية”.
ويشير إلى أن “واشنطن تواجه رفضاً من تلك الفصائل التي لا تقبل بالحوار معها”.
“لا نستطيع الضغط عليهم”
كانت اللقاءات التي جمعت مستشار الأمن الوطني ورئيس هيئة الحشد الشعبي السابق فالح الفياض مع بعض سفراء الاتحاد الأوروبي تتطرق لملف العلاقة بين واشنطن والفصائل التي “ترفض” الحوار معها، ولم يكن رد الفياض حاسماً بل دبلوماسياً: “هذه سياستهم لا نستطيع الضغط عليهم”.
يقول مصدر يعمل في كواليس النشاط السياسي الأمريكي في العراق لرصيف22 إن “الاتصالات مستمرة وإنْ كانت غير مباشرة، وبعض الفصائل تريد إرسال رسائل إيجابية لواشنطن لحذف اسمها من قوائم الإرهاب التي أعدّتها وتعدّها الآن”.
ويضيف: “نصحتُهم بضرورة أن يبدأوا العمل مثل مقتدى الصدر ويثبتوا أنهم سيتحوّلون إلى مؤسسة سياسية ويتخلون عن السلاح، أو في أضعف الإيمان أن يرسلوا رسائل اطمئنان بأن الحشد الشعبي هو حشد محلي وليس عابراً للحدود”.
وعن طبيعة الجهات الأمريكية التي يتم التواصل معها يشير المصدر: “العمل يتم على المستويين الدبلوماسي والأمني”.
تؤدي مجموعة من الدبلوماسيين الأوروبيين العاملين في العراق أدوار “وساطة” بين بعض فصائل الحشد الشعبي والولايات المتحدة الأمريكية، الطرفين اللذين تربط بينهما علاقة متوترة، خاصةً بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران
تَعتبر فصائل الحشد الشعبي أمريكا دولة “محتلة”، وتعتبر واشنطن الحشد جزءاً من “منظومة الدفاع الإيرانية”، ولذلك، فإن العلاقة بينهما في أحسن أحوالها متشنجة. من هنا يعمل بعض الدبلوماسيين الأوروبيين على تقريب وجهات النظر بين الطرفين
وتستهدف واشنطن في لوائح الإرهاب والقوانين التي تحضّر لها كل من عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله وحركة النجباء، وهي الفصائل الأوثق علاقة مع طهران والمتهمة بـ”عدم الالتزام” بأوامر القائد العام للقوات المسلحة العراقية.
أبرز الأطراف التي تعتمد عليها واشنطن في لعب دور الوسيط هي البعثة السياسية للأمم المتحدة، وبشكل خاص يتم الاعتماد على يان كوبيتش، مبعوث الأمين العام للعراق، والذي يُجري لقاءات مستمرة مع بعض قادة تلك الفصائل.
يعتمد كوبيتش على الرصد المقدم له من قبل الدائرة السياسية في البعثة الأممية، ويحاول قراءة تصريحات ومواقف تلك الفصائل تجاه واشنطن، وإذا ما رأى أية رسالة إيجابية، يبدأ بالعمل على فهمها بشكل مباشر من خلال التواصل مع قادة في تلك الفصائل.
بالإضافة إلى يان كوبيتش، يبرز دور السفير الفرنسي الحالي في بغداد بورنو أبويير في تلك الوساطات، فهو يجري زيارات مستمرة لقادة الحشد الشعبي.
“التواصل المباشر أفضل”
يقول القيادي في الحشد الشعبي يزن الجبوري لرصيف22: “شخصياً، ألتقي بالبريطانيين والأمريكيين والأوروبيين، لكن بعض فصائل الحشد لديها مشاكل مع أمريكا، وأنا باعتقادي من الضروري أن تكون هناك قنوات تواصل بين الطرفين لتوضيح بعض التفاصيل”.
ويتفق الجبوري مع ما ذهب إليه هشام الهاشمي حول عدم رغبة الفصائل الشيعية بالتواصل مع واشنطن، ويقول: “فصائل المقاومة الإسلامية لا تُريد التعاطي مع الولايات المتحدة الأمريكية”.
ويرى السفير العراقي السابق في واشنطن لقمان الفيلي أن وجود طرف ثالث بين الحشد وواشنطن ليس إيجابياً، ويشجع على أن يكون التواصل بينهما بشكل مباشر.
ويقول الفيلي : “أي تقارب سيكون تكتيكياً وليس استراتيجياً، وهذا يعني أنه قد لا يستمر طويلاً وسيعتمد على قوة وحزم تنفيذ الحصار الأمريكي على إيران والذي يعني شمل الجغرافيا العراقية ضمن منطقة الحرب البادرة”.
ويبدو أن اللقاءات والزيارات التي يقوم بها هؤلاء “الوسطاء” لم تأتِ بنتيجة نهائية تقرّب هذه الفصائل من واشنطن أو تجعلها تخفف من حدة اللهجة ضدها.
ورغم أنهما قاتلا في نفس الخندق ضد داعش، ولم يؤدِّ التقارب الجغرافي الذي كان بين قواتهما إلى أية مشاكل عسكرية، إلا أن هذا لا يعني أنهما تحولا إلى “صديقين”.
بيد أن اتفاقاً غير موقّع (اتفاق جنتلمان) بين الطرفين يقضي بعدم التجاوز على الآخر، وهذا ما أشار إليه الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي الذي قال في تصريح صحافي: “نحن لم نستهدف القوات الأمريكية منذ عام 2011 وحتى الآن، رغم أنها كانت قريبة منّا في بعض المناطق أثناء المعارك”.