بعدما ساد خلال الأيام الماضية تفاؤل بإمكانية نجاح عادل عبد المهدي في تمرير ما بقي من تشكيلته الحكومية، عادت عقد الوزارات الأمنية لتتصدّر المشهد في ظلّ تمسك كل طرف بوجهة نظره. عقد من شأنها تصعيب طريق عبد المهدي الذي يواجه تحديات على مستويات مختلفة، ليست الأزمات البيئية المتلاحقة أقلّها
بعد أزمة ارتفاع ملوحة مياه الشرب في المحافظات الجنوبية، والتي لمّا تجد بعد سبيلها إلى الحلّ، تلوح في الأفق أزمة بيئية/ صحية جديدة في المحافظات ذاتها، لا تقلّ خطورة عن سابقاتها. صور صاعقة انتشرت أمس، مُنبِئة بكارثة جديدة، وواضعةً أمام رئيس الوزراء عادل عبد المهدي تحدّياً إضافياً، بالإضافة إلى التحدّيات التي ورثها من الحكومات السابقة. وكالات أنباء وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تداولت، خلال الساعات الماضية، صور نفوق كميات ضخمة من أسماك الأنهار والبحيرات في محافظات بابل، وواسط، والديوانية، لأسباب لا تزال مجهولة، في ظلّ مخاوف من امتداد الظاهرة إلى مناطق أخرى من البلاد.
وقال الناطق باسم وزارة الزراعة، حميد النايف، إن «نفوق الأسماك بهذه الأعداد الهائلة سببه مرض مشخّص في العراق منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهو التعفّن البكتيري، وما فاقم الأزمة قلّة الواردات المائية، ووجود أقفاص غير مرخصة»، مشيراً في تصريحات صحافية إلى أن «الأقفاص الموجودة حالياً لا يشرف عليها أطباء بيطريون، والأعداد الكبيرة في داخلها تؤدي إلى نفوق الأسماك، وإعاقة عملية تنفسّها». وأوضح الناطق أن «المربّين باعتبارهم غير مجازين لا يفحصون الأعلاف قبل وضعها في الأحواض»، لافتاً إلى أن «الأعلاف تُستورد عن طريق مصادر غير رسمية، وهذه مشكلة حقيقية نواجهها».
لا تزال «سائرون» على رفضها تولّي «غير المستقلين» الوزارات الأمنية
وفيما سارع وزير الزراعة، صالح الحسني، إلى التوجيه بـ«تشكيل غرفة عمليات برئاسته، من أجل الوقوف على هذه الحالة المرضية وتطويقها والحدّ من انتشارها ضمن مناطق الإصابة، من خلال عدة إجراءات بيطرية ووقائية»، وفق بيان صادر عن مكتبه، تفاوتت تعليقات القوى السياسية على الظاهرة وتفسيراتهم في شأنها كلّ من منظوره الخاص. إذ اعتبر زعيم «ائتلاف الوطنية»، إياد علاوي، أن «مأساة كبرى تطاول الثروة السمكية وتهدّد بكارثة بيئية خطيرة، ولا بد من تشخيص الخلل، ومحاسبة المقصر»، داعياً إلى «طمأنة المواطن بتفسيرات مقنعة عن سبب نفوق ملايين الأسماك، وغياب دور الجهات الرقابية، فضلاً عن الشروع بمعالجات سريعة تكفل عدم تكرار تلك الكارثة مستقبلاً». أما النائب فائق الشيخ علي، فرأى أن «كارثة نفوق الأسماك تمّت بفعل فاعل»، مضيفاً أن مردّها «ليس مرضاً ثمانينياً كما تبرّر وزارات حكومية، بل هو تدمير تمّ بفعل فاعل، باستخدام مواد كيماوية، والغاية منه تجويع تقوم به دول تريد إذلالنا». بدوره، رأى رئيس كتلة «دولة القانون»، خلف عبد الصمد، في استمرار نفوق الأسماك في المشاريع المنتشرة في بعض المناطق «سابقة خطيرة تستلزم تحرّكاً عاجلاً من الجهات المعنية، للتحقيق بالأمر»، معرباً عن مخاوفه «من وجود أيادٍ خفية، تحاول استهداف الاقتصاد العراقي الذي حقّق تقدماً ملحوظاً، من حيث رفد السوق المحلية بالأسماك».
ويأتي بروز هذه الأزمات البيئية المستجدّة في وقت يواجه عبد المهدي عقبات في طريق استكمال «كابينته» الوزارية، التي يُفترض أن يقدّم ما بقي شاغراً منها إلى البرلمان في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري. حتى الآن، العقد الرئيسة لا تزال على حالها، خصوصاً أن الاتصالات في شأنها بين القوى السياسية لم تثمر عن أي تقدم. كتلة «سائرون»، المدعومة من «التيار الصدري»، ترفض تولّي «غير المستقلين» الوزارات السيادية المتبقية (الداخلية، الدفاع)، علماً أن المرشح لوزارة الداخلية فالح الفياض بات محور تجاذب بينها وبين كتلة «الفتح» بزعامة هادي العامري. وفيما أكدت مصادر الفياض أن الرجل أتمّ استعداداته لتسنّم الوزارة، دعا القيادي في «سائرون» النائب رائد فهمي إلى «إبعاد الطائفيين والوجوه القديمة عن الوزارات الأمنية، التي لا بد أن تُسلَّم لعناصر مهنية بحكم أنها وزارات أمنية، بعيداً عن الاصطفافات السياسية والحزبية»، لافتاً إلى أنه «ما من تأكيدات على حسم ملف الوزارات الشاغرة كلها، إنما بعضها».