لن تشهد الجلسة البرلمانية المقررة اليوم تصويتاً على مرشحي الحقائب الوزارية الشاغرة. هذا ما اجتمعت على تأكيده معطيات الساعات الماضية، التي أنبأت بأن «منح الثقة» بات مؤجلاً حتى إشعار آخر. وفيما يتمسّك كلا المعسكرين بموقفَيهما، يبدوان متّجهين إلى إعادة ترتيب أوراقهما استعداداً لمواجهة يريان أنها واقعة في نهاية المطاف. لكن ما بين الفريقين، ثمة مساعي «توفيق» مرتقبة، قد تفلح في إيجاد تسوية تمنع «معركة كسر العظم»، وتنتشل عادل عبد المهدي من حرجه.
حتى إشعار آخر، أُرجئ التصويت على الحقائب الثمانية الشاغرة في حكومة عادل عبد المهدي. بعدما كان مقرّراً أن تنعقد جلسة منح الثقة، والتي أُجّلت أول من أمس، ظهر اليوم، جاء الفشل في تحقيق تفاهم على الوزارات الخلافية، ومعه عدم الرغبة في تكرار سيناريو الفوضى التي اجتاحت البرلمان الثلاثاء، ليحسما قرار التأجيل من دون موعد جديد. تأجيل يبدو أن ضحيته الأولى هي صورة رئيس الوزراء، العاجز إلى الآن عن إتمام «كابينته» الوزارية، وتقريب وجهات النظر بين الكتل المتناحرة، لا سيما في ما يتصل بعقدتَي وزارة الداخلية (فالح الفياض)، ووزارة الدفاع (فيصل الجربا).
أولى إشارات التأجيل حملها إعلان عبد المهدي امتناعه عن المشاركة في الجلسة التي كانت مقرّرة اليوم، والتي لا تزال قائمة بحسب مصادر في «تحالف الفتح»، لكنها «لن تشهد تصويتاً على أي حقيبة». أما مصادر «الإصلاح» فتربط التصويت بحلّ عقد الحقائب الأمنية، التي ترى أن «التمسّك بالمرشحين الحاليين لها يعني الإبقاء على حكومة عبد المهدي بشكلها الحالي». وما بين الطرفين، تبدو أي مواجهة برلمانية محتملة بين الطرفين من نوع «كسر العظم»، خصوصاً أن الخطاب السياسي بلغ سقفاً «لم يعد بالإمكان التراجع عنه».
نفت مصادر «الفتح» الحديث عن نية العامري استبدال الفياض
وتحسّباً لتلك المواجهة، يتجه التحالفان نحو إعادة ترتيب أوراقهما، وهو ما بدأ به «الإصلاح» بالفعل، بانعقاد «هيئته العامة» برئاسة عمار الحكيم، وبحضور معظم قياداته. وإذ دعا البيان الصادر عن الاجتماع إلى «ضرورة استكمال الكابينة الحكومية، وتقديم وزراء أكفاء، والالتزام بالسياقات الدستورية والديموقراطية»، بدا لافتاً تشديده على ضرورة «بلورة موقف موحّد من تحالف الإصلاح والإعمار لحوار وطني مع تحالف البناء والكتل الكردستانية»، إضافة إلى «التحرك تجاه الكتل السياسية والنواب لإقناعهم بضرورة العودة إلى السياقات الدستورية والقانونية في تمرير القضايا العالقة». وهو ما فُسّر على أنه إشارة إلى نية «الإصلاح» العمل على استمالة نواب «البناء» غير المقتنعين بترشيح الفياض، ومن ثم التوجه إلى التصويت السري. ودعا البيان، أيضاً، إلى الاستجابة لمطالب المتظاهرين في البصرة، وإيلاء نينوى رعايةً خاصة مع تنفيذ القرارات الخاصة بهما، إلى جانب «إعطاء الوقت المناسب لتقييم عمل الحكومة الحالية، ومدى التزامها ببرنامجها، وتقديم الخدمات، وتنفيذ البرامج التنموية المنتظرة». وفي هذا السياق، تشير مصادر «الإصلاح» إلى أن التوجه الحالي هو دعم عبد المهدي، بمعزل عن الموقف من توزير الفياض والجربا، «وقد عبرنا عن ذلك بموافقتنا على تمرير الوزراء الستة الآخرين».
وبينما تتجه الأنظار إلى مساعٍ قد تُبذل في الساعات المقبلة من قِبَل قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، من أجل تقريب وجهات النظر بين الكتل، تتمسّك كتلة «سائرون» (المدعومة من زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر) بموقفها. وهو ما أعلن عنه النائب سلام الشمري، بالقول: «إننا لم نُفشل جلسة الثلاثاء، وإنما عبرنا عن رفض استيزار شخصيات متحزّبة وغير مستقلة، حاولت جهات معينة فرضها»، مكرراً دعم كتلته «أي شخصية مستقلة مهنية من أبناء المؤسسة الأمنية والعسكرية القادرة على إدارة الوزارتين الأمنيتين بلا ضغوط وإملاءات». موقف يصبّ في الاتجاه نفسه لإبداء الصدر رغبته في توزير أحد القادة العسكريين المتقاعدين، «المساهمين في محاربة الإرهاب»، وذلك «عرفاناً لجهودهم وتقديراً لها»، وفق ما يقول مصدر من داخل «التيار».
في المقابل، وفي وقت سرت إشاعات عن نية زعيم «الفتح»، هادي العامري، استبدال الفياض قريباً، نفت مصادر الأول ذلك «نفياً قاطعاً»، في حين أكد مقربون من الفياض أن «قرار ترشيحه محسوم، ولم يعد بالإمكان التراجع عنه». وهو ما أشار إليه أيضاً النائب عن «الفتح»، عامر الفايز، قائلاً إن «قرار استبدال الفياض لا يعود للفتح، وإنما لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي نفسه»، لأن الأخير هو من «رشح الفياض، والفتح داعم للفياض، لقناعته بإمكاناته ومؤهلاته لإدارة ملف وزارة الداخلية». على خط مواز، انعقد، مساء أمس، اجتماع ضمّ رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي، ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، لـ«تدارس مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والتشريعية، وبالأخص مسألة إكمال تشكيل الحكومة ضمن السياقات الدستورية والقانونية».