كل حكومة استلمت قيادة العراق، دأبت ان تجعل من شبكة الاعلام جنديا في رقعة الشطرنج السياسي، الحكومة تعلم انه ليس باستطاعتها ان تحول الجندي الى وزير في النهاية لعدم وجود لاعب ماهر يستطيع الوصول به الى اخر خط هجوم، شبكة الاعلام ورثت وزارة الاعلام القديمة، وربما كانت الضحية الاكبر التي تحملت نزق السياسيين الذين انتقلوا من الخنادق والبنادق والفنادق وهم يوقعون صكوك تنازلهم عن العراق في لندن خارج عراقنا وتجديد بيعه لهم في مؤتمر الناصرية .
السياسة تريد من الاعلام العراقي ان يمارس نفس الدور الذي مارسه السابقون، ” كلما دخلت امة لعنت اختها”،في زمن الدكتور اياد علاوي اقتصرت النشرات على اخباره، وفي زمن د ابراهيم الجعفري مُنع بث نشاطات اياد علاوي، وفي زمن المالكي مُنعت اخبار علاوي والجعفري، وفي زمن د حيدر العبادي، منع الجميع سواه، كانت الشبكة تُقاد من المكتب الاعلامي لرئيس الوزراء حصرا( على الرغم من ان الشبكة تخضع لرقابة البرلمان العراقي!!!)،وليس هناك من سلطة تفوق سلطته عليها،هكذا تنازلت الشبكة عن خصوصيتها وكأنها تمارس ستربتيز سياسي، ولايمكن سوى لرئيس الحكومة ان يستر عريها… إذا انتبه لها!!!.
في زمن حبيب الصدر، كان عدد موظفي الشبكة يناهز ال ٣ الاف موظف، بينهم ٤٠٠ مهندس تبريد( في زمن لاكهرباء فيه!!)، وكل مدير عام يأتي يعين مالايقل عن ٧٥٠-١٠٠٠ موظف جديد كل مؤهلاته انه( يقرأ ويكتب!)، الى ان ناهز عدد الموظفين الى مايقارب ٥٠٠٠ موظف مابين ملاك وعقد واجور، بينما بلغ عدد كادر قناة الجزيرة ٢٥٠ موظفا فقط!!،توقفت شبكة صحيفة الصباح عند خطوات محمدعبدالجبار الشبوط التحديثية، ومجلة الشبكة عند حسين درويش العادلي، وتلفزيون العراقية عند وجوه قديمة، بعضها غادر، وبعضها مازال يمارس الظهور.
كنت مديرا لتحرير مجلة الشبكة في اعدادها المائة الاولى، كنا بحاجة الى سكرتير تحرير، وصادف ان قدموا لي مجاهد ابو الهيل، فقدمته الى رئيس التحرير،شاعرا ومؤدبا، يقضي اوقاته بالتدخين قرب ماكينة كتابة اسمها وجيه عباس،بعض اعداد المجلة الاولى كنت اكتب مالايقل عن ٢٥ صفحة وحدي، وكان ينظر ولايتحرك، ذهبت الى رئيس التحرير فقلت له ارسل بطلب الاخ مجاهد، فحضر ، قال له العادلي؛ استاذ وجيه طلب حضورك ليتكلم امام هيئة التحرير، فقلت له؛ سيد مجاهد انت لاتعمل، فقال؛ انت ماخذ الشغل كله، قلت له ان باستطاعتي كتابة المجلة باكملها اذا جلستم، خذ العمل من يدي وقل لي ان هذا عملي…
من يومها دخل مجاهد الى تعب الصحافة، وشكرني على موقفي معه.
تناوب على ادارة شبكة الاعلام حبيب الصدر وحسن الموسوي ود عبدالكريم السوداني ومحمد الشبوط، ود علي الشلاه ،الى ان وصل سكرتير تحرير مجلة الشبكة الى منصب المدير العام.
هيئة أمناء شبكة الاعلام أسست على عرف سياسي محاصصاتي منذ تشكلها، لم ادخل اليها الا لشرب القهوة، لكنها كانت تدير الشبكة بسلطتها الرقابية والحزبية معا، وجوه كثيرة مرت على غرفها المزكومة بالتحزب، شخصيا لم انظر الى البعض منهم الا كما انظر الى صيادي جوائز، مشكلتنا في الاعلام العراقي ان البعض ممن تربع في هيئة الامناء لم يكن لديهم تاريخ يذكر في الاعلام العراقي سوى البعض الذين كانوا من الوجوه المعروفة شعريا وفنيا واعلاميا، اتذكر قولا للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد حين قال لي؛ اضرَّنا وزير الثقافة الشاعر شفيق الكمالي لانه حمل كل امراض الثقافة، وفرحنا حين جاء عالم نووري ليكون وزيرا للثقافة لانه لايحمل ايّا من هذه الاعراض… وهذا بالضبط ماتعرّض اليه مجاهد ابو الهيل.
لست مدافعا عن مجاهد ابو الهيل، ولست مهاجما لهيئة الامناء التي اقالته اليوم، بينهما ماصنع الحدّاد، كانت المحاكم هي الفيصل في اعادة الاخوة الامناء الى الواجهة( والجميع محترم)،نحن نعيش في جوء مملوء بامراض اجتماعية نخرت بنية شبكة الاعلام، والثارات تورث كما يورث المال، احد النواب في لجنة النزاهة وجه كتابا الى الشبكة، ورئيسة لجنة الثقافة دعمت موقف الامناء، والبرلمان العراقي لايُمكن ان يُختصر بنائب عن لجنة النزاهة ورئيسة لجنة الثقافة فقط، هيئة الامناء لم يُصوَّت عليهم من قبل الدورة الثالثة ولا الرابعة، امر دبر بليل كما يقولون، ضحيته الاولى والاخيرة هي شبكة الاعلام العراقي التي انشغلت بمشاكل كبارها وتركت الفضاء للام بي سي وغيرها بعد ان لحق الفن والثقافة الغبن الكبير.
ان تكون مديرا عاما لشبكة الاعلام العراقي فانك ستكون هدفا لكل خطأ املائي يظهر على شاشاتها التي تكاثرت في زمن مجاهد ابو الهيل، لكن كثرة النوافذ لم تشفع له بطي سجل الكراهية الذي يملأ الشبكة حتى الان، ويقينا ان الكل يتغافل عن التطور الذي حصل هذا العام وكأن الشبكة بقت على ما كانت عليه.
اشهد ان الشبكة تحررت من قبضة السلطة في عهد مجاهد وانا احد الشهود قبل ايّام ، تكلمت بحدة وقسوة في العراقية، وكان يكفي بعضها في كل الازمنة ان يمنع بث الحلقة ويُلغى البرنامج.
شخصيا حاولت كثيرا ( ولم اكتب ايا منها) في ايجاد حل لسيف الخياط ورامي اللامي واحمد عبدالسادة وعباس علي باهض وغيرهم،لكن الامر كان بحاجة الى درجات وظيفية لم تكن متوفرة قبل اقرار الموازنة الذي تأخر كثيرا مما ادى الى استفحال ظاهرة مواقع التواصل الاجتماعية التي أججت النار في موقد الشبكة حتى احرقتها.
ان تكون مديرا عاما لادباء مهمين مشكلة كبيرة تضعك امام مسؤولية ادارية، اسماء تاخذ رواتب ولاتعمل شيئا، نرجسيات منتفخة تطالب مجاهد ابو الهيل ان يكونوا رؤساء تحرير لمجلة الشبكة في يوم تشييع الحبيب المرحوم جمعة الحلفي، واسماء تطالبه برفع رواتبها حين سماعهم بقرب اقالته من ادارة الشبكة.
التاريخ يمرض كما يمرض الانسان، وشبكة الاعلام تمر الان بأزمة صحية حادة، وعلى الجميع ان يقف مع شبكة الاعلام للمساهمة في علاجها، ليس من الممكن التغاضي عما تمر به الشبكة من مناكفات هدفها الاول كرسي حلاقة يجلس عليه اي كان لسنوات، بينما تفرغ الشاشة من برامجها التي تحمل لوگو “العراقية”.
مجلس النواب بحاجة الى وقفة جادة لحل مشكلة تسلط رئاسة الحكومات على شبكة الاعلام، واتوقع ان ماحدث اليوم سيلقي بظلاله على القادم من التصويتات التي ستعصف برموز الشبكة/