الدول نوعان مهما تعددت اشكالها

    بقلم  محمد عبد الجبار الشبوط

    تتألف الدولة من ثلاثة مكونات هي: الارض، الشعب، الحكم.

    هذا توصيف محايد للدولة، لا يعطيها اية صفة، غير كونها “دولة”، بالتعريف المدرسي المتداول في كتب العلوم السياسية والقانون الدستوري.

    لكن الدول تنقسم بعد ذلك الى نوعين لا ثالث لهما، وهما: الدولة الحضارية، والدولة غير الحضارية (=المتخلفة).

    وهذا توصيف قيمي.

    والملاك في هذا التصنيف هو: المركب الحضاري والقيم الحافة او المصاحبة له.

    وبالتالي فان الدولة الحضارية تتألف من اربعة مكونات هي: الارض والشعب والحكومة والمركب الحضاري.

    يتالف المركب الحضاري من خمسة عناصر يجمع بينها النظام القيمي. 

    وعناصر المركب الحضاري هي: الانسان والارض والزمن والعلم والعمل.

    ويجمع بين هذه العناصر منظومة قيم حضارية عليا مثل: حقوق الانسان، العدالة، الحرية، المساواة، اعمار الارض، المواطنة، الديمقراطية، المؤسساتية، التفكير العلمي، انسنة الدين، الحفاظ على الثروات، استثمار الزمن، التعاون، التسامح، التطوع، التشاور، تهذيب الخطاب، وغير ذلك. 

    وهذان العنوانان: الدولة الحضارية والدولة المتخلفة ليسا كوجهي عملة، انما هما طرفا سلم، فهناك الطرف الاعلى الذي يمثل درجة عالية جدا من التطور والحضارة، وهناك الطرف الاسفل الذي يمثل درجة “عالية” من التخلف والنكوص. وبينهما درجات كثيرة. 

    ولهذا نجد في عالم اليوم دولا كثيرة بدرجات مختلفة من “الحضارية”، ودولا اخرى كثيرة بدرجات مختلفة من التخلف.

    وحين تريد ان تقيم دولة حضارية، فانك لا تشتري ارضا ولا تستورد شعبا، انما تربي انسانا، وتبني مجتمعا، وتشكل حكما على اساس القيم الحضارية الحافة بالمركب الحضاري.

    توجد الدولة الحضارية في الانسان الحضاري وعقليته وسلوكه وعلاقاته ومواقفه ولغته وطريقة تعامله مع الاشياء.

    توجد الدولة الحضارية في المجتمع حسن التنظيم، المسالم، المتصالح مع نفسه ومع الاخرين، المتعايش، المنتج.

    و توجد الدولة في المؤسسات الحاكمة، العادلة، تشريعا وتنفيذا ورقابة ومعارضة.

    يمكن ان تتطور الدولة فتصبح دولة حضارية، فيزدهر فيها الانتاج، وتطيب في ظلها الحياة، وتتحقق فيها السعادة والامن والرفاهية والتقدم العلمي والتكنولوجي.

    ويمكن ان تنتكس الدولة فتصبح دولة متخلفة يسود فيها الظلم والاستبداد والاستحواذ على الثروة والسلطة من قبل اقلية، مقابل اكثرية مسحوقة، محرومة، مستلبة.

    والدولة بنوعيها ظاهرة بشرية، بمعنى انها من صنع البشر. والبشر قادرون على اقامة دولة حضارية، وقادرون على اقامة دولة متخلفة. الامر يعتمد على وعيهم وثقافتهم وشجاعتهم و مثابرتهم وحرصهم على الخير العام.

    وبعد مرور الاف السنين على ظهور الدولة في التاريخ الانساني الطويل، اصبح بامكان الانسان ان يشخص علامات ومؤشرات ومظاهر الدولة الحضارية الحديثة، خاصة بعد ان تقاربت القيم وتكاد تتوحد، ليصبح مفهوم الدولة الحضارية الحديثة مفهوما انسانيا عاما مشتركا  يتفق على خطوطه الرئيسية اغلب الناس.

    واغلب الناس يتمنون ان يكونوا مواطنين في دولة تنطبق عليها مؤشرات الدولة الحضارية الحديثة، 

    وبعضهم يسعى فعلا الى تحقيق ذلك في اوطانهم كما فعلوا في سنغافورة ورواندا، وقبلهما في دول كثيرة في اوروبا واسيا واستراليا وغيرها من القارات. ومن لم يستطع، نراه يسعى الى  الهجرة  من مناطق الدول المتخلفة الى مناطق الدول الحضارية. 

    وتؤثر عوامل عديدة في نتائج هذا السعي، نجاحا او فشلا. ولعلماء الاجتماع والسياسة والحضارة اراء ونظريات في تفسير الفشل والنجاح. لكن المهم ان نعرف انه مهما كانت التفسيرات والنظريات والعوامل والاسباب فان النجاح او الفشل ليسا قدرا مكتوبا على جبين الشعوب والبلدان، فما التاريخ سوى صفحات بيضاء يكتب عليها الانسان قصص نجاحه او فشله.

    “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ”.

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة