نجاح محمد علي
لم تمنع الأحداث الكثيرة التي تراكمت في إيران خلال الأسبوع الأول من الربيع والاحتفال بعيد النوروز، من استمرار الجدل السياسي ومحاولات خصوم الرئيس حسن روحاني إسقاطه بحجة فشله في الوفاء بوعوده الانتخابية.
خصوم الرئيس من التيار الأصولي، وأطراف متشددة أخرى، وحتى جماعات إصلاحية، دعت إلى عزله بإسقاط البرلمان كفاءته السياسية، وشنت عليه هجوماً عنيفاً متذرعة بغيابه في الساعات والأيام الأولى من وقوع السيول التي جرفت عدة مدن وأوقعت عدداً من القتلى والجرحى، بالرغم من أن روحاني كان يتابع عمليات الإغاثة قبل أن ينتقل إلى الميدان ليواجه بسيل من الانتقادات المباشرة من المواطنين الغاضبين الذين تأثروا بالسيل الهائل من التغريدات على تويتر وما نقلته وسائل الإعلام الإيرانية عن «غياب» الرئيس.
وإذ نجح روحاني إلى حد ما في استيعاب غضبة المتضررين من السيول متعهداً بتعويضهم وإعادة بناء مساكنهم، فقد استمر الجدل بين الفرقاء حول انضمام إيران إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة المعروفة بـ»باليرمو» والتي تعد واحدة من أهم بنود مجموعة العمل الماليFATF. وحذر رئيس البنك المركزي عبد الناصر همتي، أعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام، من مغبة عدم التصويت على مجموعة العمل المالي FATFخلال اجتماعهم الأخير. وقال عبر حسابه على انستغرام، إن «توصيات هيئة مكافحة غسل الأموال – وهي فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية – تشكل جزءا لا يتجزأ من المعايير المصرفية الدولية، وبالتالي فهي ضرورية للعلاقات المالية مع العالم الخارجي».
وهذا الملف بات يشغل بال الحكومة ويعرقل مفاوضاتها مع الأوروبيين (وحتى مع روسيا والصين) لتفعيل قناة مالية للالتفاف على العقوبات الأمريكية.
من النجف إلى قم
وتردد أن وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي زار مدينة قم والتقى كبار مراجع الدين، سعى إلى كسب دعمها للحكومة خصوصاً بعد زيارة روحاني إلى العراق التي وصفها ظريف بالناجحة جداً.
وتعمد ظريف أن تكون لقاءاته بالمراجع خلف أبواب مغلقة، إلا أن ما تم تسريبه في بعض وسائل الإعلام الإيرانية يشير إلى حصوله على تأييد لافت من كبار المراجع في قم خصوصاً وأنه نقل لهم دعم المرجع الأعلى في النجف السيستاني لروحاني ولجهوده في حل المسائل العالقة من قرار مجلس الأمن الدولي 598 الذي أوقف في آب/أغسطس 1988 الحرب بين العراق وإيران ولَم يضع حداً للخلافات المستعصية التي تعيق التوصل إلى معاهدة سلام بين البلدين.
وقال إن روحاني نجح في إقناع الجانب العراقي بتنفيذ اتفاقية الجزائر لعام 1975 بالنسبة لشط العرب، إذ أعلن الطرفان عزمهما الجاد (لأول مرة منذ توقف الحرب) على تنفيذ اتفاقية الحدود وحسن الجوار بين العراق وإيران المؤرخة في 13 حزيران/يونيو 1975 والبروتوكولات والاتفاقات الملحقة بها، بحسن نية وبدقة، ولذا قرر الطرفان البدء بعمليات مشتركة لتنظيف وكري شط العرب بهدف إعادة قناة الملاحة الرئيسية «التالوك» في أسرع وقت.
عودة الابن الضال
ويثير السعي إلى تنفيذ هذا الجزء من الاتفاقية ارتياحاً كبيراً في إيران يمكن أن يوازي خسارتها في الاتفاق النووي وتحميل الحكومة مسؤولية الفشل فيها في وقت دخل الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد على الخط مبشراً بعودته مجدداً لخوض السباق الانتخابي عام 2021 وهو يقوم بجولات في المدن وأجريت معه مقابلة مطولة مع صحيفة «آرمان» اتهم فيها الرئيس بالكذب وممارسة الخداع وأنه فرط بأموال ومصالح إيران عندما أبرم اتفاقاً نووياً من دون ضمانات نقضه بجرة قلم الرئيس الأمريكي ترامب.
وغمز عبر الصحيفة بعدم قدرة الرئيس روحاني على إلغاء قرارات قيل إنه اتخذها عندما كان رئيساً للمجلس الأعلى للأمن القومي، ومنها منع الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي من الظهور في وسائل الإعلام وفرض الإقامة الجبرية على الزعيمين المعترضين الإصلاحيين مير حسين موسوي (وزوجته زهراء رهنورد) ومهدي كروبي، وقال ساخراً: «إذا كنت أنا من اتخذ تلك القرارات كرئيس للمجلس الأعلى للأمن القومي فلماذا لا يبادر السيد روحاني إلى إلغائها وهو الرئيس لهذا المجلس؟».
وزار ظريف قم لأنه يدرك جيداً أهمية الدور الذي تضطلع به المرجعيات الدينية في دعم العملية السياسية في إيران وأنها في الأساس غير مرتاحة لأحمدي نجاد وتصفه بالولد الضال ولا ترغب بعودته مجدداً إلى الساحة السياسية بعد أن ظهر معارضاً لتوجيهاتها ولنظرية ولاية الفقيه وهو يصر مرة أخرى في مقابلته الأخيرة، على الدفاع عن موقفه في إقالة وزير الاستخبارات في حكومته حيدر مصلحي مخالفاً بذلك أوامر المرشد سيد علي خامنئي عندما قال إنه أقاله لأنه كان يعتقل الصحافيين، وهذا غمزٌ أيضاً من قناة المرشد، وقيل في هذا السياق إن ظريف أقنع مراجع قم أن زيارة روحاني للعراق والاتفاقيات التي نجمت عنها إنجاز تأريخي عجزت كل الحكومات السابقة ومنها حكومة نجاد عن تحقيقه، ما يفتح الطريق أمام تحقيق إنجازات أخرى.
وبدا ظريف وكأنه يبشر بخلافة روحاني وأنه (ربما) سيخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، عندما قال بعد زيارته قم إن المراجع الذين التقاهم أيدوا إقامة علاقات إيجابية بين إيران وجميع الدول في العالم ما عدا إسرائيل وأمريكا، وهو أيضاً ما أشار له المرشد الأعلى الذي قال إن الأوروبيين انسحبوا فعليا من الاتفاق النووي، فيما وصف الآلية التجارية التي أنشأتها الدول الأوروبية لاستمرار التجارة مع إيران في ظل العقوبات الأمريكية بـ «النكتة المريرة». مستدركاً: «أنا لا أملي على المسؤولين ما يجب أن يفعلوه، ولكن يجب عليهم أن يحذروا من أن يتم خداعهم».