دول الخليج والسباق نحو الحلف الشيعي

    ما عاد الشيعة كفارا، ولا عادت الحكومة العراقية فارسية، ولم تعد سوريا أسيرة لإيران، كل هذه الشعارات رفعت من القاموس الإعلامي الخليجي بمعسكريه القطري من جهة والسعودي من جهة أخرى، فالدول التي اتفقت في فترة ما على العداء ضد العراق تتسابق اليوم على كسب وده مع جارته سوريا.

    قطر التي أصيبت بصعقة الحصار السعودي الاماراتي انتبهت لأهمية العراق، ودوره في احداث التوازنات الإقليمية، فبادرت الى فتح صفحة جديدة مع بغداد، وتحركت العجلة القطرية العراقية من في شهر مايو أيار عام 2017 خلال فترة حكومة رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، بلقاء جمعه مع الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وزير الخارجية القطري، في العاصمة بغداد، وتواصلت اللقاءات بين البلدين، حتى بعد انتخاب رئيس الوزراء الجديد عادل عبد المهدي وكانهما اصبحا في تحالف غير معلن.

    ومن يشاهد قناة الجزيرة الإخبارية التي تعد المتحدث غير الرسمي باسم الدبلوماسية القطرية، يفهم حجم التحول تجاه العراق، فمدينة الكاظمية التي تضم مرقد الامامين الكاظم والجواد عليهما السلام أصبحت مقدسة، ويمكن نشر صور الزائرين على صفحة القناة على الفيس بوك، وكربلاء التي كانت تُشبه “بالمعابد الهندوسية” أصبحت اليوم مدينة اسلامية مقدسة أيضا وتنشر صور منطقة ما بين الحرمين بين فترة وأخرى.

    الجانب الديني يأتي كاحد تحولات الصراعات السياسية في المنطقة ككل، فالطائفية لم تعد بضاعة قابلة للاستهلاك، ولا يمكن استخدامها في الدعاية وبالتالي يمكن التخلي عنها، مع اخذ الامر بنوع من الشعارات الجميلة التي تعبر عن نبذ الحرب، وامور أخرى تفيد من يطلقها.

    ما يجعل قطر لصيقة في العراق هي تطور علاقاتها مع ايران، فالدوحة لا تنسى ما قامت به طهران خلال الأيام الأولى للازمة الخليجية، واستثمرت ذلك الموقف لفتح نافذة جديدة، لكنها لا تريدها ان تكون رسمية وواضحة للجمهور العربي الذي يتاثر كثيرا بالدعاية المعادية لإيران، وهذا ما يجعل العراق جسرا للتواصل بين الدوحة وطهران، او ساحة لقاءات غرامية غير محرمة.

    في ظل هذا التقارب الجديد لا يمكن للسعودية النظر الى المشاهد الغرامية بين الدوحة وطهران تحت الغطاء البغدادي الناعم، لذلك تريد الرياض ان تشارك فيما يجري، وان تكون لها حصة كبيرة، وهو ما دفعها للقيام بخطوات تمثلت في زيارات على مستويات رفيعة، واهداء ملعب رياضي، وتنظيم مباراة بين المنتخبين العراقي والسعودي في اطار رفع الحظر عن الملاعب العراقية، فضلا عن مبادرات اقتصادية لا يستهان بها.

    الا ان التحول الكبير في السياسة السعودية تجاه العراق، هو النظرة السياسية للمواطنين الشيعة وممارساتهم الدينية، اذ لا تزال أصداء التكفير تسمع في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى الحقتها الرياض بخطوة غير مسبوقة بالسماح بالقاء قصائد حسينية على قنواتها الفضائية.

    لم تتوقف الرياض عند بث اللطميات الحسينية على بعض شاشاتها، فقد اعلن الإمام السابق للحرم المكي، عادل الكلباني تراجعه عن فتوى سابقة بتكفير “علماء الشيعة” بعد ما قال إنها “عمليات بحث ومراجعة للمصادر وحوارات أجراها في الفترة الأخيرة”.

    لا تقوم الدول الخليجية بمعسكريها القطري او السعودي باي خطوة دون دراستها، على الأقل في اطار التحركات الانية “التكتيكية”، من اجل تجاوز المرحلة العصيبة من تاريخ الشرق الأوسط، وهي ترى ان الضرورة تفرض عقد هدنة مؤقتة مع الشيعة لكونهم اصبحوا قوة لا يستهان بها في المنطقة، والعراق احد ابرز اركان القوة الشيعية، ومنه تتفرع تحالفات الدول او صراعاتها على حد سواء.

    دول الشرق الأوسط تبحث اليوم عن حلفاء لتامين استراتيجياتها سواء كانت طامحة لصعود السلم الإقليمي او باحثة عن توسيع قاعدة نفوذ موجودة أصلا، وسواء تعلق الامر بالدول الإقليمية او الكبرى، فلكل منها أهدافها التي ستجد مكانا لها في احدى دول المنطقة وخاصة المتازمة مثل سوريا ولبنان والعراق.

    ربما يكون التودد الخليجي للشيعة هدنة مؤقتة لتجاوز مرحلة الازمة الخليجية الساخنة، لكنه قد يتحول الى عقيدة راسخة تتغير على اثرها القواعد الجيوسياسية للمنطقة باسرها، وتصبح فتاوى التكفير عار على من كتبها، واذا ما ذهبت حكومات الشرق الأوسط الى خطوة أخرى نحو التقارب فقد يعم السلام، وتزدهر الحياة في منطقة لم ترى الهدوء الا حينما تتوقف الطائرات الحربية من اجل التزود بالوقود.

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة