هل تعرف مكانا لمحلات المساج؛ واللهو والدعارة؛ والنوادي الليلية؛ وشرب الخمور في وسط مناطق مأهولة بالسكان، لاسيما في العمارات السكنية؟ هل تعرف مكانا للهو والدعارة، بالقرب من المساجد؛ والكنائس؛ والمدارس؛ ورياض الأطفال؛ ودور رعاية كبار السن؛ وذوي الاحتياجات الخاصة، حتى إنك لا تفصل بينها، ولا تمييز بين المرتادين لهذه أو تلك؟
هل تعرف مكانا لمحلات المساج؛ واللهو والدعارة؛ والنوادي الليلية؛ وشرب الخمور في الفنادق ودور الضيافة، بما فيها فنادق الدرجة الأولى، ممن تعود جزء من ملكيتها للدولة، وسلمت لمستثمرين عبثوا بأصول الضيافة واللياقة؟ هل تعرف مكانا للهو والدعارة؛ وشرب الخمر؛ والسهر في المراكز الثقافية والاجتماعية والترفيهية للاتحادات والنقابات، والمنظمات غير الحكومية، وهي مراكز تحمل إجازة تصدر عن رأس هرم السلطة، وتتباهى بها؟
هل تعرف مكانا للهو والدعارة يعمل فيه الأطفال والشباب والشابات القاصرون، سواء من الأجانب، أو ممن رمتهم الخلافات العائلية في أحضان تجار اللهو والدعارة؟ هل تعرف مكانا للهو والدعارة يُشتغل الأطفال والنساء في التسول في الطرقات والتقاطعات نهارا، وفي الملاهي والدعارة ليلا؟
هل تعرف مكانا للهو والدعارة والدنبلة أغلب مرتاديه من ضباط ومنسوبي القوات الأمنية والعسكرية؟ هل تعرف مكانا للهو والدعارة يتقاضى رجال الأمن القريبين منه عملات شهرية مقابل تغاضيهم عما يحدث فيه من جرائم مخلة بالأمن؛ والحياء والآداب العامة؟ هل تعرف مكانا للهو والدعارة، والمساج مالكوه بعض رجال الدولة؛ والأحزاب السياسية؟
هل تعرف مكانا؛ ظاهره مكان لرجال الثقافة والصحافة والإعلام، ولمقدمي البرامج السياسية والاجتماعية والصحية في القنوات الفضائية، ولكن باطنه مكان لشرب الخمر وممارسة البغاء، وكأن (المثقفين والفنانين والإعلاميين) ينصحون؛ ويمثلون؛ ويكتبون في نهار عن المبادئ والقيم والأخلاق، ويمارسون الرذيلة؛ والرقص واللهو؛ وشرب الخمور في الليل، حتى فقدت مثل كلمة (مثقف أو كاتب أو إعلامي أو فنان) أصالتها وبريقها، وارتبطت بأفعال دنيئة لا تمت للثقافة والفن والإعلام بشيء البتة؟
هل تعرف مكانا يجري الاتفاق فيه بين ممثلي النقابات والاتحادات والمنظمات غير الحكومية الحاصلة على إجازة تأسيس قانونية، وعدد من المستثمرين في مجال شرب الخمر والدعارة واللهو، فيحصل المستثمرون على مكان ممتاز، وزبائن جاهزين، وإجازة نافذة، واسم شرعي، يضمن له الحماية القانونية، بينما يحصل هؤلاء المؤجرون على مبالغ شهرية تصل إلى ملايين الدنانير، وامتيازات وتفضيلات لملاكات هذه الاتحادات والنقابات والمنظمات غير الحكومية، وتمارس الأعمال المخلة بالشرف والكرامة والآداب العام تحت يافطة مكتوب عليها (الأمانة العامة لمجلس الوزراء- دائرة المنظمات غير الحكومية).
هل تعرف مكانا للهو والدعارة؛ وشرب الخمر تتخلى فيه أجهزة الدولة جميعها عن مسؤوليتها في التأسيس القانوني والصحي، وعن مسؤوليتها في المتابعة والرقابة والمحاسبة؟ هل تعرف مكانا للهو والدعارة؛ وشرب الخمر تتهرب الأجهزة المختصة من ملاحقة أصحابها بحجة أنهم متنفذون ومتسلطون؟
هل تعرف مكانا للهو والدعارة؛ وشرب الخمر، ينبغي أن تؤدي لجان هيئة السياحة دورها الرقابي في غلق المحال المخالفة للقانون والآداب العامة، إلا أنها هي الأخرى متورطة في الفساد المالي، حيث تغلق المحلات المخالفة للقانون في اليوم الأول، ثم تفتح في اليوم الثاني لقاء مبالغ مالية؟
ربما تجد هذه الصورة في عاصمة ما، في دولة ما، ولكن هذه الصور وتجلياتها تظهر بوضوح في عاصمة العراق، بغداد! هذه العاصمة التي ظلت إلى وقت قريب عاصمة العلم والثقافة والفن والأدب والأصالة، عاصمة الأدباء والعلماء ورجال الدين الأفذاذ، ولكنها انقلبت بين ليلة وضحايا إلى عاصمة للهو والدعارة والفسوق، عاصمة تكثر فيها العناوين البراقة التي تخفي في داخلها أسوء ما يمكن أن يتصوره الإنسان من امتهان الكرامة، وهتك الأعراض، وممارسة البغاء مع الأطفال والصبايا غير البالغين.
يتحايل أصحاب الحانات والبارات والملاهي في بغداد على القانون، ويسمون حاناتهم وملاهيهم بالمراكز الثقافية والاجتماعية والترفيهية، حيث أضحت الأندية الثقافية والترفيهية للصحفيين والفنانين والإعلاميين واجهات للحانات والملاهي، وهي للأسف واحدة من الإساءات العديدة التي يتعرض لها المثقفون والصحفيون والإعلاميون، لأن هذه التسميات تصوّر للمواطن الاعتيادي أن رواد الحانات والملاهي هم فقط من الصحفيين والإعلاميين والمثقفين، فالمثقف هو الذي ينبغي أن يذهب إلى هذه المحلات وغير المثقف ينبغي أن يجلس في المكتبة العامة!
لقد جرم قانون العقوبات العراقي (111 لسنة 1969) المعدل الآثار الضارة التي يمكن أن تترتب على شرب الكحول التي تصيب الجمهور أو عامة الناس عن طريق الظهور بحالة سكر بين، وإحداث الشغب، أو إزعاج الناس، بالإضافة إلى حظره على أصحاب الحانات أو محلات بيع الخمور أن يدخلوا شخصا لم يبلغ سنه (ثماني عشرة سنة) وكذلك حظره على أصحاب الحانات أو المشرب أو المنتديات الليلية (الملاهي) أن يدخلوا شخصا لم يبلغ من العمر إحدى وعشرين سنة، وإن تحريض الحدث على شرب الخمر يعد جريمة وفقا لهذا القانون.
كما صدر قرار مجلس قيادة الثورة المنحل (82 لسنة 1994) متضمنا منع بيع وتناول المشروبات الكحولية في النوادي؛ والفنادق؛ والمطاعم؛ والمرافق السياحية. ونصت تعليمات قرار رقم (82 لسنة 1994) على منع بيع المشروبات الكحولية بأنواعها كافة في كل من (أ – النوادي الاجتماعية. ب – نوادي الجمعيات. والنقابات والاتحادات. ج – الفنادق والمطاعم والمرافق السياحية الأخرى) ويتولى المحافظون مهمة تنفيذ غلق المحلات التالية: (أ – الملاهي. ب – صالات الرقص. ج – النوادي الليلية).
كما إن الله سبحانه وتعالى قد نهى عن تعاطي المسكرات، وما يرتب بها من أعمال أو ممارسات قد تؤدي إليها كالميسر، وذلك لقوله تعالى (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) وواضح جدا من هذه الآية الكريمة الآثار التي يمكن أن تترتب على تعاطي (الخمر) أو الإدمان عليها، وهي حصول العداوة، ومن ثم البغضاء بين الأشخاص، وبالتالي ارتكاب مختلف الجرائم بحقهم نتيجة ذلك الدافع النفسي.
والسؤال هنا: هل يعيش أهل بغداد جوار محلات المساج والدعارة، وصالات الرقص واللهو، وشرب الخمر، لاسيما في الكرادة والعرصات والمنصور ومناطق أخرى؟ الجواب: نعم! هل يلاحظ رجال الدين أن محلات الفسوق جاورت جوامعهم ومساجدهم وحسينياتهم وكنائسهم؟ الجواب: نعم. هل يشاهد المثقفون والأدباء والفنانون والإعلاميون أن نوادي الخمر والرذيلة استباحت نقاباتهم واتحاداتهم ومنظماتهم؟ الجواب نعم.
هل تراقب أجهزة الدولة الأمنية عن كثب هذه الأماكن وترصد زبائنها من المنحرفين والشاذين؟ الجواب: نعم. هل تدخل إلى هذه المرافق (السياحية) لجان التفتيش التابعة لهيئة السياحة بشأن إجازات التأسيس، ولجان التفتيش في وزارة الصحة بشأن إجازات الصحة العامة؟ الجواب: نعم. هل قدمت شكاوى ومناشدات لأعضاء البرلمان العراقي، والسادة المسؤولين في السلطتين الاتحادية والمحلية، لاسيما محافظ ومجلس محافظة بغداد؛ بشأن ما تسببه هذه المحلات من خطورة اجتماعية وصحية…؟ الجواب نعم.
هل بالفعل وراء هذه المحلات المشبوهة أحزاب وتنظيمات وسياسيين؛ بما فيها أحزاب ذات طابع إسلامي ورجال دين؟ هكذا يروج أصحاب هذه المحلات، ولكن لا أستطيع أن أقطع، فالعهدة على القائل؛ إن كان للقائل عهدة.
إذا كان الأمر كذلك؛ فلماذا إلى الآن لم يأخذ قرارا حكوميا أو مجتمعيا في غلق هذه المحلات المخالفة للقانون والتقاليد والأعراف والدين؟ الجواب على شقين: الأول: إننا كمجتمع وسلطة ومنظمات مهنية ومجتمعية راضون عن وجود مثل هذه المحلات، ولو كانت تخالف النظام والقانون والآداب العامة (عيس بدينه وموسى بدينه)!
فنحن نعيش في ظل نظام ديمقراطي فضفاض يسمح للجميع أن يفعلوا ما يشاؤوا، وكيف يشاؤوا، لا حسيب ولا رقيب، مثل المئات من المخالفات والتجاوزات اليومية على المناطق والطرق والمؤسسات والمباني، وهي ظواهر تكاد تطغي على المشهد العام للدولة العراقية. فالمتجاوز على أملاك الدولة وأملاك الآخرين من المواطنين، ومن يجمع الإتاوات من الأسواق والمولات لا يختلفون البتة عن أولئك الذين فتحوا محلات الخمور واللهو والعربدة.
وإما إننا غير راضين، وممتعضين مما يحدث، إذ أن مثل هذه الظواهر مآلها تهديم أركان الأسرة والمجتمع بأسره، وهي لا تخص فئة دون فئة، ولا تتعلق بحرية شخصية لهذا المواطن أو ذاك، ولكن لا المجتمعات المحلية، ولا النقابات والاتحادات والمنظمات المجتمعية، ولا الحكومة بأجهزتها الأمنية ومؤسساتها المختصة قادرة على التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة، أو تنظيمها على وفق القوانين والأعراف المجتمعية، أو على الأقل هي تغض النظر عنها في ظل تنامي ظواهر سلبية أخرى كالعصابات والمخدرات وشبكات الدعارة المنظمة وغيرها.
والحقيقة لا العذر الأول مقبول؛ ولا الثاني مقبول، فالعذر الأول المستند إلى مبادئ الديمقراطية والحرية الشخصية لا يسمح حتى في الدول الأرقى ديمقراطية أن يعتدى على القيم التي يؤمن بها المجتمع، ولا يسمح بالاعتداء على حريات الآخرين. فالحرية مكفولة في ظل كفالة حرية الآخرين، وفي ظل احترام القيم المجتمعية.
والعذر الثاني هو أقبح من الأول؛ فالسلطة التي لا تستطيع أن تحمي مجتمعاتها المحلية من براثين الفساد والرذيلة لا يحق لها أن تبقى في السلطة يوما واحدا، فهي ليست أهلا لممارسة السلطة التي خولها إياها الشعب. ولا ينبغي أن تترك معالجات هذه المحلات إلى القوى السياسية والدينية التي تمتلك جماعات مسلحة، لأن الفوضى التي تتركها هذه الجماعات أثناء معالجتها لتلك الظواهر السلبية، لا سيما جرائم القتل، لا تقل خطورة عن وجود هذه المحلات أيضا.
ومما تقدم، يمكن القول إن المجتمع المحلي في محافظة بغداد، والمؤسسات المهنية والحرفية، والسلطات الاتحادية والمحلية مطالبة بتنظيم نفسها فورا، من أجل إيجاد حلول جذرية للحد من ظواهر ممارسة الفساد والرذية، المنتشرة تحت عناوين اجتماعية ومهنية وثقافية تعتز بها المجتمعات المحلية. وذلك من خلال ما يأتي:
1. ينبغي للمجتمعات المحلية ألا تقف مكتوفة اليد، إزاء انتشار ظاهرة فتح محلات اللهو والمساج وشرب الخمر وبيوت الدعارة في المناطق السكنية والعمارات السكنية، سواء أكانت ظاهرة أو باطنة، لأنها ستؤدي حتما إلى اجتذاب المراهقين والشباب والشابات، وستدخل بيوتهم عاجلا أم آجلا، مما ينذر بخطر لا يحمد عقباه.
2. ينبغي للكتاب والمثقفين والإعلاميين أن ينتفضوا على هذا الواقع، وأن يقفوا إزاء أعمال تحريف وتزيف أماكن العلم والثقافة والإعلام النزيهة، وان لا يسمحوا بتحويل النقابات والاتحادات إلى أماكن للهو والدعارة وشرب الخمور، فهذه أنشطة لا تتفق مع مبادئ ممارسة المهن والحرف المشهود لها بالنزاهة والشرف، وهم مدعوون جميعا للمحافظة على مبادئ وقيم المهنيين والحرفيين.
3. ينبغي لمراكز الدراسات والبحوث والجامعات والكليات والباحثين الاجتماعيين أن يكتبوا عن مخاطر هذه الظاهرة المستقبلية، وأن يعقدوا الندوات وورش العمل للتنبيه على النتائج الوخيمة التي يمكن أن تعصف بالمجتمع وشبابه في ظل انتشار ظاهرة الفساد الاجتماعي وتوسعه.
4. ينبغي للحكومة الاتحادية والحكومات المحلية التصدي، وبشكل عاجل للحد من انتشار هذه الظاهرة في وسط المناطق السكنية، وتطبيق القوانين والأنظمة التي تعالجها أو تحد من انتشارها.
5. ينبغي للأجهزة الأمنية الماسكة للأرض، والأجهزة القضائية أن تطبق القانون، وأن تحاسب بشدة من ينتهك حرمة المجتمعات المحلية من خلال عناوين ومسميات يحترمها الشارع، وأن يجري أخذ العقوبات الصارمة بحق ضباط ومنتسبي هذه الوحدات ممن يتساهلون مع أصحاب هذه الظاهرة، أو يكونون زبائن لها، أو يأخذون الرشى، ويغضون النظر عن سلوكهم اللاأخلاقي.