القبول المركزي!

    د. محمد فلحي
    عملت في التعليم العالي موظفا وتدريسيا منذ نحو ثلاثين عاما وعرفت اجيال عدة من الطلبة وتابعت نظام القبول المركزي في الجامعات والمعاهد منذ ثمانينيات القرن الماضي حتى اليوم،وتوليت معاونية شؤون الطلبة في كلية الاعلام في اعوام سابقة، وعايشت عن قرب معاناة الطلبة واهلهم ، واستطيع ان اقول من خلال هذه الخبرة المتواضعة ان نظام القبول المركزي لم يعد صالحا لتحقيق العدالة ومراعاة الظروف المعقدة التي يشهدها العراق.
    الطلبة وعوائلهم اصبحوا ضحايا هذا النظام الذي يعتمد معدل التخرج من الدراسة الاعدادية معيارا في التنافس وتوزيع الطلبة على الجامعات الحكومية والاهلية والمعاهد بطريقة الية!
    كانت طريقة القبول المركزي مفيدة في العقود السابقة في ظل مركزية السلطة وهيمنتها على كل المحافظات العراقية، وكان عدد الجامعات محدودا وكلها جامعات رسمية حكومية صباحية،وكان الامن متوفرا في اغلب المحافظات،ولم تكن ثمة مشكلة ان يدرس ابن الناصرية في كلية الطب في الموصل او يأتي ابن السليمانية الى بغداد ليدرس الفنون او بالعكس من اجل الحصول على شهادة ذات قيمة تجعل من صاحبها موظفا بعد تخرجه مباشرة!
    اليوم ازداد عدد الجامعات الحكومية وانشأت عشرات الكليات والجامعات الاهلية،وفي كليهما توجد دراسة صباحية واخرى مسائية،وقد اضيف نوع جديد هو القبول الخاص الموازي اي الدراسة في الجامعات الرسمية الصباحية مقابل ثمن،لأصحاب المعدلات الضعيفة غير القادرين على التنافس على مقاعد الدراسة المجانية..ومع تزايد فرص التعليم قلت قيمة الشهادة وهناك حشود من الخريجين في طوابير انتظار التعيين منذ عدة سنوات،وفي ظل الظروف الحالية لا أمل قريب في تعيينهم إلا من أسعده الحظ بقريب او صديق في مواقع السلطة!
    في السنوات الاخيرة، اصبحت محافظات عديدة ساحة حرب ضد الارهاب وتهجر منها ملايين الناس وما تزال غير مستقرة امنيا، في حين يتصرف اقليم كردستان مثل دولة مستقلة وبخاصة في مجال التعليم!

    وقد جاءت نتائج القبول للسنوات الماضية لتكشف هشاشة نظام القبول المركزي وفشله وعدم ملائمته للظروف الحالية!
    الحل في الغاء القبول المركزي واعتماد نظام قبول مرن يقوم على استقلال كل جامعة،وان من حقها وضع خطة قبول خاصة لكلياتها ومعاهدها تتضمن اعداد الطلبة المتوقع قبولهم ومعدلاتهم،ومن ثم توفير حرية الاختيار امام كل طالب وطالبة للتوجه الى الجامعة والكلية المناسبة،ومن الافضل بالطبع ان تكون قريبة من سكنهم!
    قد يرى بعض المتمسكين بالقبول المركزي ان الغاءه سيؤدي الى فوضى وعدم عدالة في توزيع الطلبة، والحقيقة ان ما نراه اليوم هو الفوضى بعينها،ولو توفرت حرية الاختيار ضمن مسارات عديدة مفتوحة سوف يكون القبول اقرب الى العدالة وتحقيق الرغبات الممكنة لكل الطلبة!
    اعتقد ان الامر يحتاج الى قرار شجاع من وزارة التعليم العالي لاسقاط هذا الصنم الذي يسمى (القبول المركزي) واستبداله بنظام اكثر انسانية وانصافا وانسجاما مع ظروف العراق الصعبة، ومع التطورات التي يشهدها نظام التعليم في العالم ، لعل هذا الامر جدير بالنظر والمناقشة من قبل هيئة الرأي في وزارة التعليم العالي!

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة