في حزيران/ يونيو الماضي، وتحت عنوان «العراق على قائمة خيارات صفقة القرن؟»، نشر تقريراً أشارت فيه إلى «سلسلة تحركات تنبئ بنية الولايات المتحدة إعادة إحياء مشروع الصحوات، بدعوى مخاطر انبعاث تنظيم داعش». وهي تحركات أثارت الريبة من أن يكون ثمة دور موضوع أميركياً للمحافظة الغربية في إطار «صفقة القرن»، التي تريد واشنطن فرضها على الفلسطينيين والعرب.
اليوم، ثمة من يربط مصير «الصفقة» في الأنبار بمستقبل رئيس الوزراء عادل عبد المهدي. هؤلاء، وهم بعض الوجوه في «تحالف الفتح»، يتهمون الولايات المتحدة بالسعي إلى رهن العراق برؤية صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، جاريد كوشنير. مع ذلك، تؤمن قيادات «الفتح» ــــ وفق مصادرها ــــ بأن «الصفقة لن تبصر النور في العراق»، لأنه ــــ ببساطة ــــ ترفض طهران وحلفاؤها هذا المشروع، «فكيف إذا كان على مقربة من حدود الجمهورية الإسلامية؟».
من جهتها، تقول مصادر حكومية عراقية، لـ«الأخبار»، إن مشروع «أقلمة العراق» لا يزال قائماً، وإن الغرض منه ــــ من بين أغراض كثيرة ــــ الاستفادة من «الإقليم السني» شمالاً وغرباً ليكون جزءاً من «الصفقة»، أي موطناً جديداً للفلسطينيين. مشروعٌ يوجب تهيئة الأرضية، وتحديداً من الناحيتين العسكرية والأمنية، وهو ما يفسّر الاندفاع الأميركي أخيراً (أيلول/ سبتمبر الماضي)، وفق مصادر أمنية وعسكرية، إلى نقل العتاد والتجهيزات إلى عدد من القواعد الأميركية المنتشرة غرب البلاد، والتي شهدت وصول أرتال أميركية على مراحل عدة طوال الأسابيع الماضية. وتفيد مصادر «الأخبار» بأن الشاحنات (بلغ عددها أكثر من 100 شاحنة)، التي تحمل معدّات عسكرية متنوعة، تحرّكت من داخل الأراضي الأردنية نحو منفذ طريبيل الحدودي، وتوجّهت لاحقاً إلى «قاعدة عين الأسد الجوية» غربي الأنبار. هناك، يعمل الأميركيون على تشكيل «صحوات» جديدة من مشارب فكرية متنوعة، تحت حجج شتّى؛ منها: محاربة «تنظيم داعش»، و«الحماية الذاتية للمناطق السنية الرازحة تحت ظلم الفصائل الطائفية (الشيعية)». وهي مساعٍ يرافقها تأسيس كيان سياسي جديد باسم «جبهة الإنقاذ والتنمية»، يضمّ شخصيات «سنية»، ويتبنّى خطاباً رافضاً لـ«تهميش أو إقصاء الآخر» (من بين وجوه «الجبهة»: أسامة النجيفي، مشعان الجبوري، حامد المطلك، قاسم الفهداوي، أحمد المساري وعدد من زعماء العشائر والأساتذة الجامعيين والناشطين).
يعمل الأميركيون على تشكيل «صحوات» جديدة من مشارب فكرية متنوعة
وترجّح مصادر «الفتح»، والتي تؤكد أن حكومة عبد المهدي «غير منسجمة مع هذا المشروع»، انطلاق حراك مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر، برعاية أميركية غير مباشرة، للضغط على الحكومة الحالية، إما لتغييرها أو تحقيق مكاسب سياسية تصبُّ في مصلحة قوى على «خلاف مع طهران». بدورها، ترفض المصادر الحكومية هذه المعطيات، وإن أقرّت بأن «بعضها دقيق»، داعية في حديثها إلى «الأخبار» إلى «التروّي وانتظار ما ستؤول إليه الأمور». وفي الإطار نفسه، تنفي مصادر عبد المهدي وجود أي توجّه أميركي لإسقاط الحكومة الحالية، مؤكدة في الوقت عينه أن «واشنطن غير مرتاحة أبداً لأداء هذه الحكومة».
وعلى رغم النفي الحكومي لرواية مصادر «الفتح»، إلا أن الأخيرة تجزم بأن الأميركيين يريدون حسم «مشروع إقليم الأنبار»، وإن كان بصيغة غير رسمية إنما كأمر واقع، قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية (تشرين الثاني/ نوفمبر 2020)، وبذلك يكون الزرع في العراق، والحصاد في الولايات المتحدة لمصلحة ترامب. وتختم المصادر حديثها بأن الرياض تبنّت توجيه بعض القوى السياسية لمصلحة المشروع المذكور، من دون أن يكون العنوان «صفقة القرن»، إنما العمل بشكل رئيس على تقليم أظفار إيران وحلفائها في العراق عموماً، والمناطق «السنية» خصوصاً.