يطالب المتظاهرون باستمرار باقامة “النظام الرئاسي” كبديل عن النظام البرلماني الحالي الذي يعدونه احد اسباب الفشل وتفشي ظاهرة الفساد بجميع اشكاله، وتراجع مركزية الدولة وامنها وهيبتها على المستوى الداخلي والخارجي على حد سواء ، ويؤيدهم في ذلك عدد غير قليل من النخب السياسية والاكاديمية، بل وحتى بعض صانعي القرار، حيث دعا الى ذلك بوقت مبكر رئيس الوزراء الاسبق السيد نوري المالكي في دورته الاولى على ما اظن.
ليس ذلك امرا يسيرا في الظرف الحالي ولا حتى في المستقبل المنظور ربما، نظرا لاستمرار حالة التوجس وغياب الثقة المتبادلة بشكل حقيقي وجذري بين المكونات والجماعات السياسية والاجتماعية المختلفة. إلا في حالة حدوث انقلاب عسكري او ابيض او ثورة شعبية. يحتاج تغيير شكل النظام من برلماني الى رئاسي تعديلا دستوريا، وهو امر في غاية الصعوبة، فالدستور العراقي من النوع “الجامد” الذي يصعب تعديله الا بتوافق جميع “المكونات الاساسية” (الشيعة والسنة والكورد) فقد نص على آلية معينة لتعديله، تمر بمجلس النواب ثم الاستفتاء الشعبي العام.. ولكن الاشكالية الحقيقية تكمن بالمادة {١٤٢ رابعاً} حيث نصت على ان {يكون الاستفتاء على المواد (الدستورية) المعدلة ناجحاً بموافقة أغلبية المصوتين، وإذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر}. وهذا بمثابة حق النقض《VETO》لتلك “المكونات الاساسية” على اي تعديل يطال الدستور حتى لو وافقت عليه الاغلبية الجماهيرية المطلقة ، حيث بإمكان كل مكون يتمركز في ثلاث محافظات نقض التعديلات المقترحة بسهولة، وهذا متوفر للمكونات الثلاثة المذكورة اعلاه.
لذلك فلابد من البحث عن البدائل المتاحة للخروج من هذا الاختناق او الانسداد في النفق السياسي، حيث تراوح العملية السياسية مكانها، ولا تكاد تخرج من ازمة حتى تلِج في اخرى. ولعل تسمية الاحزاب او الائتلافات السياسية مرشحيها لرئاسة الوزراء قبل الخوض في غمار الانتخابات يمثل [احد الحلول] العملية والممكنة لاصلاح العملية السياسية الى حد ما، بدلا من الوقوف على اعتاب الانهيار عند كل ازمة وفي اعقاب كل انتخابات تُجرى ، وهذا بحد ذاته يُعد ايضا استجابة لاحد اهم مطالب المتظاهرين. وفقا لهذا البديل والذي لا يحتاج سوى لاتفاق القوى السياسية على هذا 《المبدأ》وهو( الاعلان عن مرشحها لرئاسة الوزراء قبل اجراء الانتخابات مع التزامها منح الفائز فرصة اجرا مشاوراته مبكرا لتشكيل حكومته ) فإن الناخب بهذه الحالة سيصوت لرئيس الوزراء المفترض “المرشح” بدلا من تصويته للكتلة السياسية التي سترشح رئيس الوزراء فيما بعد وفقا للتوافقات والتفاهمات التي قد تضرب برأي الناخب عرض الجدار وتأتي برئيس للوزراء ورئيس للجمهورية ووزراء لم يرشحهم احد ولم ينتخبهم احد كما حصل في الدورتين الحالية والسابقة!!
يوفر هذا “المقترح” اذا ما تحول الى آلية عملية العديد من المزايا التي نفتقدها ويفتقدها النظام السياسي رغم توفرها، فهو من جانب يبقي على دور وفاعلية مجلس النواب كضمانة ضرورية يحتفظ بصلاحياته الدستورية (التشريعية والرقابية) كما ارادها المشرّع ، وربما بشكل اكثر حيوية وفاعلية من ذي قبل لتحرره من الضغوط الشعبية الى حد ما، وضمانة لعدم تحول النظام الى “الدكتاتورية” نتيجة لتركز الصلاحيات والامكانات والمزايا بيد شخص واحد (الرئيس او رئيس الوزراء). ومن جانب اخر تنتفي الاعذار المتكررة التي طالما تعكز عليها رؤساء الحكومات المتعاقبة بالقول ان وزرائهم قد فُرضوا عليهم ولم تترك لهم الكتل السياسية حرية اختيار وزراء اكفّاء ، وهو في الوقت ذاته يساعد القوى السياسية للبقاء في ميدان التنافس بدل الاندثار والنسيان فيما لو فرض عليها البديل من الخارج ورغم ارادتها، وبالتالي يتحمل رئيس الوزراء المسؤولية الكاملة عن اداء حكومته. هذا الى جانب مزايا اخرى عديدة لا يتسع المجال لذكرها.
معظم دول العالم تحصل فيها احداث وتشهد ازمات وصراعات سياسية مختلفة في مستواها وشدتها، فتحاول الاحزاب السياسية وصناع القرار فيها ان تُبقي هذه الازمات محدودة ومحصورة في اطارها ومستوايتها الطبيعية، وفي الاروقة والمؤسسات التي تتعاطى معها دستوريا وقانونيا وحتى عرفيا، كالمؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية، او في إطار الاحزاب والنقابات والتجمعات ومنظمات المجتمع المدني وما الى ذلك، وتبذل جهدها لعدم تدحرج تلك الصراعات الى المستويات الشعبية لأنها بالضرورة ستتعقد وتستعصي على الحلول نتيجة للمصالح المتضاربة والمختلفة. وعادة ما تهتدي النخب السياسية الى “حلول وسطى” او تلجأ للجمهور ليكون هو الحكم الاخير في ذلك كله، ولكن بعد تحديد الخايارات وانضاجها، وهذا مانشهده الان في عدد من الدول العريقة العريقة منها في الممارسة الديمقراطية ك《المملكة المتحدة》او الكيان 《الاسرائيلي》 مثلا، او في الديمقراطيات الحديثة والناشئة مثل 《تونس》 وغيرها.
المهم هو ان النخب والقيادات السياسية تجتهد لتجد او لتجترح حلولا معقولة تحفظ الدولة والنظام من الانهيار والاضمحلال والتشتت، وتحفظ للناس ارواحهم وارزاقهم وحرياتهم وكرامتهم ، وهذا هو مقتضى عملهم كنخب وكقيادات واحزاب وكيانات و… أليست السياسة هي {فن الممكن} او {فن ادارة شؤون الناس} او {فن ادارة حالات الصراع والسلام} فأي من تلك الفنون تتقنها احزابنا وقياداتنا لتكون جديرة بكونها نخب سياسية!؟
ربما تكون الزيارة الاربعينية فرصة لصناع القرار ، فهي توفر فسحة للتفكير الهادئ البعيد عن الصخب السياسي وفرصة زمنية لانضاج المقترحات والحلول الى جانب كونها موردا روحيا لصفاء النفس ونقاء السريرة وهذه كلها بعضٌ من بركات الحسين وبلد الحسين.
كرار حسن المالكي