مقال مهم وجدير بالقراءة : نجحت “المؤامرة”

    محمد عبد الجبار الشبوط

    هناك فريق من الناس يعتقد ان ما يجري في العراق منذ الاول من شهر تشرين الاول عبارة عن “مؤامرة” تشترك بها عدة دول على راسها الولايات المتحدة واسرائيل والسعودية وغيرها. والمؤامرة عبارة عن خطة اعدت بالخفاء لتحقيق هدف سري غير الهدف المعلن عنه بحيث يكون الهدف المعلن وسيلة لصرف النظر عن الهدف الحقيقي غير المعلن. بالنسبة للحراك الاحتجاجي الاخير، الاهداف المعلنة معروفة، لكن الهدف السري غير المعلن هو موضوع التحليلات والاجتهادات والتفسيرات التي يقدمها هذا الفريق من الناس.

    لن اناقش هذه الدعاوى، لاني بالاساس لا اعتقد بنظرية المؤامرة، واعتقد انها تنفع “العقل المستقيل” لانها توفر عليه جهد البحث عن الاسباب الحقيقية العميقة للظاهرة السياسية المبحوثة والمعتبرة موضوعا للمؤامرة.

    لكني اناقش في مسالة اخرى وهي: متى تنجح المؤامرة؟ ما هي البيئة الملائمة لنجاح المؤامرة؟ ما هي الاسباب التي تجعل من الممكن تنفيذ المؤامرة بنجاح؟

    المؤامرات ليس جديدة في تاريخ العلاقات الدولية. واشهرها المؤامرة الغربية لاسقاط الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي والتي نجحت في النهاية في تفكيك الاتحاد السوفييتي واسقاط الانظمة الشيوعية الدائرة في فلكه.

    وعادة تكون الشعوب هي مادة هذه المؤامرات، فيصب المتآمرون جهدهم على الشعوب ويحرضونها ضد حكوماتهم حتى يخرج الناس الى الشارع ويسقطوا هذه الانظمة.

    وهنا نأتي الى “مربط الفرس”: متى تنجح المؤامرة في تحريك الشعوب وتحريضها وتثويرها؟ والجواب بسيط: حين تكون عوامل التحريض متوفرة. وهذه هي الحالة دائما سواء بالنسبة للمتآمر او الثائر. فاذا كان الهدف هو تحريض الشعوب، فان الوسيلة الى ذلك هو استخدام عوامل التحريض المتوفرة. وعوامل التحريض هي حالة الاستياء وعدم الرضا والغضب الداخلي عند الشعوب لاسباب تتنوع وتختلف من مجتمع الى اخر مثل سوء الاوضاع المعيشية، او الحرمان، او الاضطهاد، او فساد الطبقة الحاكمة، او الفقر، او خيبة الامل وغير ذلك من الامور التي تخلق حالة الاستياء وعدم الرضا وتكون مثل القنبلة الموقوتة المخفية التي يمكن تفجيرها. وبعد ان يشخص المخطط للمؤامرة او الثورة عامل التحريض المتوفر، يبدأ بالتحرك والشغل عليه، واذا كان محظوظا فسوف يستجيب له بعض الاشخاص في البداية، ثم يزداد عددهم، حتى يصبحوا مثل كرة الثلج تكبر كلما تدحرجت اكثر على جبل الثلج، الى ان تصبح “قوة مادية” كبيرة تطيح بالنظام الحاكم، كما قال ماوتسي تونغ، ولعل هذا هو ايضا قصد السيد محمد باقر الصدر من ان الجماهير قد تصبر لكنها لا تستكين.

    والسؤال الثاني هو: هل يمكن مقاومة المؤامرة وافشالها؟ الجواب نعم، وذلك معالجة اسباب وعوامل عدم الارتياح ونزع فتيل القنبلة المخفية. اما اذا لم يستطع المعني بالامر معالجة اسباب عدم الرضا والارتياح، فسوف تنجح المؤامرة او الثورة وتطيح بالنظام الحاكم الذي فشل في ذلك. ولهذا نجحت المؤامرة الغربية في المعسكر الشيوعي، لكننا لا يمكن ان نتصور امكانية نجاح مؤامرة شيوعية في المجتمع الرأسمالي الديمقراطي، او في دول الرفاهية “التي تحمي الدّولة من خلالها الرفاهيّة الاقتصاديّة والاجتماعيّة للمواطنين وتعزّزها، على أساس مبادئ تكافؤ الفرص والتّوزيع العادل للثروة والمسؤوليّة العامة للمواطنين غير القادرين على تأمين الحدّ الأدنى من المؤن الكافي لحياة جيدة.”.

    “المؤامرة” نجحت في العراق لان اسباب عدم الرضا موجودة، حيث تعاظم الشعور بالحرمان والخيبة وسوء الخدمات او انعدامها الموروث من النظام السابق او المستجد بالنظام الجديد، على مدى السنوات الماضية، حتى وصل الى درجة الانفجار. وفي هذه الحالة قد ينفجر الخزان الشعبي من تلقاء نفسه او يفجره “متآمر” او “ثائر”، لا فرق، لكن اللوم كل اللوم على من فشل في معالجة عوامل عدم الرضا.

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة