يمر العراق بظروف غاية في الحساسية فالاقتصاد العراقي يواجه تحدٍ حقيقي بعد الفشل الذريع في إيجاد بدائل عن بيع النفط الخام واؤكد هنا بيع النفط الخام وليس الصناعات النفطية Oil Refining Industry وصناعة البتروكيمياويات Petrochemical Industry ، فالعراق من اكبر الاحتياطيات النفطية Oil Reserves في العالم فهو يمتلك 147.2 مليار برميل بحسب استكشافات عام 2018 أي 8.5% من الاحتياط العالميthebalance – – ومع هذا فهو يستورد سنويا 3.3 ترليون دينار عراقي منتوجات نفطية –التقرير السنوي لاستيراد العراق 2018 الجهاز المركزي للإحصاء 2019- ويستورد طاقة بقيمة 7 ترليون دينار عراقي –موازنة 2019 الوقائع العراقية: العدد 4529 في 11/2/2019- وكلها يمكن انتاجها عراقياً، فضلاً عن موارد أخرى كالزراعة والصناعات المختلفة والتجارة والسياحة وغيرها، هذا مع عدم وجود الصناديق السيادية الاستثمارية Sovereign Wealth Fund التي تأمن واردات اضافية ومحفظة لحماية مستقبل الأجيال خاصة في زمن الازمات، العراق اليوم يطلب المعونة لكي يسدد رواتب الموظفين والمتقاعدين لان ما يدخل الى الخزينة لا يساوي ربع ما يحتاجه العراق لتغطية الرواتب فقط فقد كانت الموازنة المالية لسنة 2019 قد خصصت لرواتب المتقاعدين من المدنيين والعسكريين (9,316,652,417,000) ديناراً عراقياً، ورواتب الموظفين تساوي (43,404,629,267,000) ديناراً عراقياً ومجموع الرواتب السنوي لعام 2019 يكون ما مقداره (52,721,281,684,000) ديناراً عراقياً مما يعني ان العراق يحتاج شهرياً الى (4,393,440,140,000) ديناراً عراقياً، واذا اخذنا بنظر الاعتبار ان تصريف الدينار العراقي 1,200 دينار لكل دولار يعني ان العراق يحتاج شهريا الى (3,660,000,000) دولاراً تقريباً، بينما الناتج المحلي للعراق هو (1,100,000,000) دولاراً تقريباً لشهر مارس و(1,200,000,000) دولاراً تقريباً للأشهر القادمة فالعراق يحتاج الى (2.5) مليار دولار تقريباً شهرياً لكي يغطي نفقات الرواتب الشهرية فقط، هذا بغض النظر عن الاحتياجات الأخرى، ولمعالجة هذا الفشل الذريع بدأت تعلو بعض الأصوات لأجل تخفيض سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي لزيادة رقم الموازنة وتقليل العجز فيها، واجد من الضروري توضيح بعض المصطلحات فقد يتفاجأ القارئ من جهل كثير ممن يتحدثون في هذا المجال ولعل فيهم من هو في مواقع مهمة من المسؤولية.
تعويم صرف العملة Floating Exchange Rate تعويم العملة هو سعر صرف العملة الذي طرأ عليه تعويم بحيث أصبح محرراً بشكل كامل، فلا تتدخل الحكومة أو البنك المركزي في تحديده بشكل مباشر، وإنما يتم إفرازه تلقائياً في سوق العملات من خلال آلية العرض والطلب Supply And Demand التي تسمح بتحديد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، ويقابل هذا المصطلح السعر الثابت لصرف العملة Fixed Exchange Rate سيتم تحديد سعر محدد مقابل عملة عالمية رئيسية (عادة الدولار الأمريكي ، ولكن أيضًا العملات الرئيسية الأخرى مثل اليورو أو الين أو سلة من العملات)، من أجل الحفاظ على سعر الصرف المحلي ، ويقوم البنك المركزي بشراء وبيع عملته الخاصة في سوق الصرف الأجنبي مقابل العملة التي يرتبط بها.
ويأتي تخفيض سعر العملة Devaluation وهو خفض سعر الصرف الرسمي لهذه العملة مقابل عملة دولية مرجعية (الدولار الأميركي أو اليورو مثلاً)، بحيث يقل عدد الوحدات من العملة الأجنبية التي يمكن الحصول عليها مقابل وحدة واحدة من العملة الوطنية، ويصح الحديث عن تخفيض قيمة العملة حينما يكون سعر الصرف خاضعاً للإدارة المباشرة للحكومة أو البنك المركزي، التي تحدد هذا السعر عبر قرار حكومي، ووفقا للمنطق ذاته، يمكن الحديث عن رفع سعر العملة Revaluation في مقابل خفضها، وهذا حينما يكون سعر الصرف خاضعاً للإدارة المباشرة للحكومة أو البنك المركزي ايضاً، ونلاحظ ان خفض سعر العملة ورفعه هما ضمن اطار واحد وهو الصرف الثابت للعملة، أما عندما يكون سعر الصرف خاضعا لقوى العرض والطلب (تعويم العملة) ويحصل تراجع في قيمة هذه العملة، انخفاض قيمة العملة Depreciation فالانخفاض نتيجة تلقائية للتفاعل الحر بين العرض والطلب في سوق النقد الأجنبي دون تدخل مباشر من الحكومة او البنك المركزي، ووفقاً للمنطق ذاته، يمكن الحديث عن ارتفاع قيمة العملة Appreciation في مقابل انخفاضها، ونلاحظ ان ارتفاع وانخفاض سعر العملة ضمن تعويم العملة.
وحيث ان العراق يعمل ضمن نظام الصرف الثابت Fixed Exchange Rate فيمكننا الحديث عن تخفيض ورفع سعر صرف العملة وهنا لا اريد المفاضلة بين النظامين فكل واحد منهما له شروطه على الرغم من ان اقتصاد السوق Market Economy وفكرته عدم تدخل الدولة في الأنشطة الاقتصادية وترك السوق يضبط نفسه بنفسه يعمل بنظام تعويم العملة ويعتمد سعرها على المبدأ الحديدي العرض والطلب لكن ظروف العراق الفعلية لا تسمح لأسباب يطول شرحها.
تلجأ الدول ذات سعر الصرف الثابت الى تخفيض سعر صرف العملة لأسباب اقتصادية في تحسين ميزانها التجاري Balance Of Trade ترجع بالدرجة الأساس الى زيادة في الإنتاج المحلي في مقابل المستورد فتخفيض العملة يجعل التفاوت بين الخارج والداخل فيقلل من المستورَد في قبال المصدَّر، وهذا يفترض وجود انتاج داخلي يغطي الحاجة المحلية ويراد الحفاظ عليه وتصديره الى الخارج، اما في الحالة العراقية فأنه وللأسف الشديد لا يوجد صناعة ولا زراعة ولا انتاج داخلي، يغطي الحاجة المحلية فضلاً عن ان يكون مصدَّراً فالعراق ليس لديه ما يصدِّره غير النفط الخام (Crude Oil)، وانا اتحدث هنا عن واقع ما هو موجود وليس ما ادعو اليه، فاﺟﻣﺎﻟﻲ اﻻﺳﺗﯾرادات بلغ ﻟﺳﻧﺔ 2018 ﻟﻠﻣواد اﻟﺳﻠﻌﯾﺔ واﻟﻣﻧﺗﺟﺎت اﻟﻧﻔطﯾﺔ (37) ﻣﻠﯾﺎر دوﻻر أي ﻣﺎ ﯾﻌﺎدل (43.8) ﺗرﯾﻠﯾون دﯾﻧﺎر ﻋراﻗﻲ، وبلغ إﺟﻣﺎﻟﻲ اﻻﺳﺗﯾرادات ﻟﺳﻧﺔ 2018 ﻟﻠﻣواد اﻟﺳﻠﻌﯾﺔ ﻏﯾر اﻟﻧﻔطﯾﺔ (34.1) ﻣﻠﯾﺎر دوﻻر أي ﻣﺎ ﯾﻌﺎدل (40.5) ﺗرﯾﻠﯾون دﯾﻧﺎر ﻋراﻗﻲ، والعراق لا حاجة له بتخفيض سعر الصرف وانما يكفيه ان يمنع الاستيراد لأي مادة يمكن الاستغناء عنها، واما الأثر الحقيقي لتخفيض العملة فانه العقوبة المباشرة لأبناء الشعب العراقي فاذا علمنا ان 6 مليون عراقي يستلم راتباً أو معونة من الحكومة العراقية وعدد افراد العائلة العراقية 5 اشخاص فإننا نتحدث عن نحو 30 مليون عراقي يعيشون على ما يتقاضونه من رواتب او معونة من الحكومة العراقية كل هؤلاء سيتضررون من هذا الاجراء وذلك لحصول التضخم Inflation في الأسعار بسبب انخفاض القدرة الشرائية Purchasing Power للدينار العراقي فالعائلة التي كان بإمكانها ان تعيش بمليون دينار عراقي بعد تخفيض العملة صار قيمته 500 ألف دينار وان كانت تستلم رقماً هو المليون ولذا فهي ستعيش بضيق كبير بسبب هذا التخفيض، والمتضرر الاخر هم أصحاب الديون الداخلية Internal Debt بالعملة المحلية والتي تبلغ حوالي 40 ترليون دينار والتي تمثل حوالات خزينة وسندات مخصومة لدى المصارف الحكومية والبنك المركزي للشركات والمقاولين والتجار فهؤلاء وان كانوا رقماً سيبقى ان الحكومة العراقية مدينة لهم بـ 40 ترليون الا انه بعد تخفيض العملة سيدينون ب 20 ترليون على فرض انه خفضت الى النصف اما المدين الخارجي فانه يبقى على حاله لأنه بالعملة الاجنبية الدولار او ما شابه.
تبقى مسألة أخرى هنا وهي ثقة المستثمرين والشركات بالعملة بعد التخفيض لها اقل بكثير لان ثبات العملة من العوامل التي تشجع على الاستثمار والدخول في المشاريع فضلاً عن مشاكل تتعلق بالجدوى الاقتصادية بعد تخفيض العملة، وهو الأساس من تدخل الحكومة أو البنك المركزي في تثبيت سعر الصرف والا لعمل بمبدأ تعويم العملة منذ البداية.
ومن هنا نعتقد ان الذين يسعون الى تخفيض سعر العملة بالحقيقة يعاقبون الشعب العراقي بسبب السياسات الخاطئة والفشل الاقتصادي الذي أوصل البلد الى هذا الوضع فالشعب في هذا يتحمل أخطاء الساسة ويعاقب بدلاً عنهم.