تقرير عدوية الهلالي:
في ظل الأزمة المالية التي تشهدها البلاد ، تبرز قضية المنافذ الحدودية كواحدة من أهم القضايا التي ينبغي السيطرة عليها ،لأن ذلك يعني بناء دولة قوية مستقلة قادرة على ضبط حدودها وأمن اقتصادها في رفد الموازنة وتحقيق الاستثمار الأمثل في جميع القطاعات حسبما يؤكد المراقبون والخبراء ..فهل ستتمكن الحكومة من تنفيذ الاجراء الحازم الذي أعلنت عنه لفرض هيبة الدولة على هذه المنافذ التي عبثت بها مافيات الفساد ؟!
يرى الكاتب أياد السماوي :” ان الدولة العراقية بعد سقوط النظام الديكتاتوري عام 2003 ، كانت قد فقدت السيطرة تماما على المنافذ الحدودية في عموم البلاد ، حيث تقاسمت احزاب السلطة الحاكمة السيطرة على هذه المنافذ فيما بينها لتكون مصدرا مهما للثروة والمال لهذه الاحزاب ، وعشعش الموظفون الفاسدون فيها ليجمعوا منها عشرات الملايين من الدولارات في جيوبهم “.
واضاف انه :” بسبب عدم سيطرة الدولة عليها ، فقدت الدولة أهم ركن من أركان السيادة ، وأصبحت هذه المنافذ ليس مصدرا لجني المال والثروة للأحزاب والموظفين الفاسدين فحسب ، بل اصبحت منفذا لدخول المخدرات والسلاح وكل مايهدد امن البلد ، مايحتم على الحكومة السيطرة الكاملة على كافة المنافذ الحدودية وعلى موارد البلد الاتحادية “.
ويؤكد الخبير الاقتصادي باسم انطوان :” ان ايرادات المنافذ الحدودية تشكل عاملا أساسيا لتغذية ميزانية الدولة ، اذ كانت تسد 50% من موازنة الدولة العراقية في السابق ، فهناك اكثر من 22 منفذا حدوديا في عموم البلاد فضلا عن المنافذ غير الرسمية التي تعمل خارج نطاق القانون ، اذ يحصل تهرب ضريبي وتهرب من الرسم الكمركي ، وهكذا تفقد الدولة الكثير من الايرادات الكبيرة “.
ويرى انطوان :” ان هناك اشتباكا بين عدة دوائر ، وليس هناك منهاج محدد للأستيراد ، لذا نحتاج الى وضع تعرفة كمركية بموجب القوانين الدولية لكي لاتكون هنالك اجتهادات وان يتم فحص البضاعة بالكامل للتأكد من كونها مطابقة ، وان تكون هنالك لجان تفتيشية تمتاز بالكفاءة والخبرة والنزاهة مع توحيد الجهات المتعددة كوزارة التجارة والبنك المركزي والكمارك ، وأن تبنى ضريبة الدخل على القيمة الحقيقية للبضاعة التي تدخل العراق “، مشيرا الى انه :” عندما تكون لدينا مبيعات بمقدار 50-60 مليار دولار في مزاد العملة سنويا ، فلابد ان يكون هناك تناسب في ضريبة الدخل والرسم الكمركي عبر المنافذ الحدودية “.
من جهته ، يرى الخبير القانوني علي البياتي :” ان القضية ليست مجرد هدر لموارد الدولة ، ، بل ان اغلب البضائع التي تدخل الى العراق تكون فاسدة وتتسبب بأمراض عديدة اهمها السرطان ، فضلا عن رواج تجارة المخدرات والسلاح والاتجار بالبشر ، لذا تشكل المنافذ الحدودية ثروة سائبة بيد الفاسدين والاحزاب ، بينما لاتحصد الموازنة من ايراداتها الهائلة سوى عدة مليارات ، لذا يتحتم على الدولة احكام سيطرتها الصارمة من خلال صلاحياتها القانونية في الاشراف والرقابة والتدقيق والتحري الأمني على كافة الدوائر العاملة في المنافذ للارتقاء بادائها ، بما يحقق تنفيذ ستراتيجية البرنامج الحكومي وتعزيز ايرادات الدولة في ظل الأزمة المالية والاقتصادية التي يمر بها البلد ،كما يتطلب الأمر منع أي تدخل خارجي غايته العبث بمقدرات الدولة وايجاد بيئة مناسبة للعاملين في المنافذ الحدودية”..
في الوقت الذي يرى فيه الاكاديمي الاقتصادي الدكتورعمر الكبيسي :” ان القضية قبل كل شيء هي قضية سيادة وطنية وهيبة دولة، فهناك صراعات وتجاذبات خارجية تؤثر على الداخل اضافة الى الانفلات الأمني الذي يؤدي الى تسرب مليارات الدولارات سنويا الى الخارج ” ، مشيرا الى ان ملف المنافذ الحدودية هو من أهم ملفات الفساد لأن اغلب عمل هذه المنافذ تسيطر عليه مافيات متنفذة يمارس بعضها بيع النفط وتهريب المخدرات وبعضها يقوم بفرض اتاوات على سائقي الشاحنات الناقلة للبضائع ، مايكبد موازنة الدولة خسائر تصل الى مليارات الدولارات شهريا “.
ولفت الكبيسي الى :” ان ميناء أم قصر في البصرة ، وحده ، حقق ايرادا ماليا بلغ اكثر من 23 مليار دينار لشهر حزيران فقط لقاء قيمة الايرادات المتحققة من المركز الكمركي والوحدة الضريبية والحجر الزراعي والنقل البري ، نتيجة حركة البضائع والتبادل التجاري في المنفذ الحدودي ، وذلك بسبب تشديد الأجراءات الرقابية والتدقيقية مؤخرا والتعاون المشترك بين الدوائر العاملة هناك ، مايعني ان فرض مثل هذه الاجراءات على كل منفذ سيؤدي الى تعظيم ايرادات الدولة لتخطي الأزمة المالية والاقتصادية ..
ويؤيد الخبير الاقتصادي محمود داغر ماسبق بقوله :” ان تحرك الحكومة كان تحركا صائبا ، ولاول مرة تجري مثل هذه الاستجابة القوية وخلال فترة قصيرة “، داعيا القائمين على هذا التحرك لان يكونوا مدركين لحجم المخاطر لأن القضية ليست فساد منافذ فقط ولاحسابا غير صحيح ولاتبديل نوعية البضاعة أو كميتها ، بل ان الاشكالية تتمثل في وجود منافذ غير رسمية ، فضلا عن الاساءة الى هيبة الدولة وتعمد اغراقها بسلع منافسة للمنتوج المحلي وعدم احترام الدول المجاورة لاتفاقيات التجارة العالمية .
ويطالب داغر بالغاء الاعفاءات الضريبية لكل الجهات المتنفذة وتحسين عملية جباية الرسوم عن طريق شركات او أية صيغة بعيدة عمن يعملون في هذه المنافذ وتطوير نظام تكنولوجي لتحصيل الضرائب اسوة بالدول الأخرى ..
ويعود الخبير الاقتصادي باسم انطوان ليؤكد :” ان المنافذ غير الرسمية تابعة لميلشيات وأحزاب قوية وتملك صلاحيات ، ربما اكثر من الدولة ، لذا يجب ان يتولى جهاز مكافحة الارهاب متابعة ايرادات المنافذ الحدودية للحصول على حق الدولة من الرسوم والضرائب ، اذ لايمكن للموظف العادي او الشرطي ان يقف بمواجهة سطوة هذه الجهات المتنفذة ./