3 محاولات اغتيال.. القصة الحقيقية وراء صراع كتائب حزب الله والكاظمي

     

     

    سافر رئيس الوزراء العراقي الأسبق “حيدر العبادي” في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، إلى قاعدة “تلعفر” الجوية للتشاور مع القادة العسكريين الذين يشرفون على عملية تحرير الموصل من قبضة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

    وداخل القاعدة، التي كانت قد تمت استعادتها من التنظيم قبل أيام قليلة، كانت هناك قوات شبه عسكرية يهيمن عليها الشيعة وعدد من قادة الفصائل المسلحة المدعومة من إيران.

    وانضم “هادي العامري” قائد منظمة “بدر”، أقدم وأكبر فصيل مسلح شيعي، بعد مغادرة “العبادي”.

    وكذلك فعل “شبل الزيدي” قائد كتائب الإمام علي، و”كريم الخاقاني” قائد فرقة الإمام علي القتالية، وعدد من القادة العاملين تحت سلطة “الحشد الشعبي”، وهو تجمع مسلح يغلب عليه الشيعة. واتحدت الفصائل لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

    واجتمع القادة في خيمة “أبو مهدي المهندس”، نائب رئيس “الحشد الشعبي” وأحد مؤسسي الفصيل الشيعي المدعوم من إيران، “كتائب حزب الله”، الذي كان يقود العمليات الميدانية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في ذلك الوقت.

    وفجأة، تحولت لحظة الهدوء إلى حالة من الفوضى، حيث سقط صاروخ على الأرض على بعد مترين من خيمة “المهندس” التي انهارت على رؤوس العديد من القادة الشيعة الأقوياء.

    وقُتل 2 من حراس “المهندس” الشخصيين، وأبلغت مصادر عسكرية عن إصابة “الزيدي” و”خاقاني”، إلى جانب “أبو حسام السهلاني”، رئيس عمليات منظمة “بدر”، و”أبو زهراء التميمي”، القائد في كتائب “حزب الله”.

    وبالرغم من الحادث المأساوي، فلم يتسبب في أي ضجة سياسية أو أمنية، ولم تول قيادة العمليات المشتركة للتحالف الدولي الذي يقاتل تنظيم “الدولة الإسلامية” أي اهتمام بالحادث، قائلة إن تنظيم “الدولة الإسلامية” حاول استهداف “العبادي”.

    وقال عضو عراقي سابق في المكتب الإعلامي للتحالف إن المنطقة “كانت لا تزال نقطة أمنية ساخنة، ولفت العدد الكبير من المروحيات التي كانت تحوم حولها الانتباه إلى وجود العبادي هناك”.

    وبعد أقل من 36 ساعة، أصدر “المهندس” و”العامري” بيانا قالا فيه إن المعلومات الأولية التي كشفتها التحقيقات تشير إلى أن “الصاروخ لم تطلقه مجموعات تنظيم الدولة، بل كان موجها بالليزر، وأطلقته طائرة مسيرة”.

    وجاء في البيان الذي أصدرته قوات الحشد الشعبي أن “قوات التحالف يجب أن تقدم تفسيرا لما حدث، فهي مسؤولة عن تأمين الأجواء في منطقة العمليات العسكرية غربي الموصل”.

    ومع ذلك، لم يحدث ضجيج آخر حول الحادث، حيث استأنف غالبية القادة عملهم بسرعة مع اشتداد معركة الموصل.

    ولم يستطع “المهندس” المضي قدما. واعتبر الشريك المؤسس لـ”كتائب حزب الله” أنها إشارة تحذير، تشير إلى أن هناك خائنا داخل الدائرة الضيقة القريبة منه، كما قال قائد بارز حالي في الحشد الشعبي كان مقربًا من “المهندس” لموقع “ميدل إيست آي”.

    ولم يثر “المهندس” شكوكه علنا، لكنه وحلفاءه الإيرانيين تعقبوا كل الدلائل الممكنة للكشف عن هوية ذلك الخائن، بحسب ما قاله القائد الذي ظل مقربا من “المهندس” حتى وفاته في بداية هذا العام.

    اتهامات ضد “الكاظمي”

    واليوم، لم يعد “العبادي” رئيسا للوزراء. وتمت هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية”، وفقد “المهندس” حياته في يناير/كانون الثاني في عملية أمريكية قتلت الجنرال الإيراني “قاسم سليماني”.

    وبالرغم من الاعتقاد بأن الضربة الأمريكية على مطار بغداد كانت موجهة في المقام الأول لـ”سليماني” وحده، وأن “المهندس” كان ببساطة في المكان الخطأ في الوقت الخطأ، إلا أن كتائب “حزب الله” أشارت إلى اتهام الرجل الذي يترأس المخابرات العراقية آنذاك “مصطفى الكاظمي”، بالمسؤولية عن وفاة الشريك المؤسس.

    وقالت كتائب “حزب الله” إن “الكاظمي” تبادل المعلومات حول مكان وجود “المهندس” مع واشنطن، ودعوا إلى رحيله.

    والآن، تم ترقية “الكاظمي” إلى منصب رئيس الوزراء من خلال اتفاق ضمني بين إيران والولايات المتحدة وبعض القوى السياسية العراقية. وتعرض “الكاظمي” منذ ذلك الحين لهجمات لا هوادة فيها من قبل وسائل الإعلام المرتبطة بكتائب “حزب الله”، واستمرت الصواريخ تتساقط على أهداف أمريكية وعراقية رئيسية في محاولة واضحة لزعزعة استقرار رئاسته للوزراء.

    وفي الشهر الماضي، صعّد “يزن الجبوري” المستشار السياسي السابق لـ”المهندس”، الاتهامات إلى أبعد من ذلك، ما تسبب في عاصفة، حيث زعم في مقابلة تلفزيونية أن “الكاظمي” كان متورطا في التخطيط لقتل أحد مؤسسي كتائب “حزب الله” منذ أعوام.

    وقال “الجبوري” لاحقا لموقع “ميدل إيست آي” إن “المهندس” كثيرا ما اتهم “الكاظمي” بالتخطيط لاغتياله.

    وقال “الجبوري”: “ناقش الكاظمي بنفسه هذه الاتهامات معي 3 مرات في 3 مقابلات منفصلة، في محاولة لإقناعي بأن المعلومات المقدمة للمهندس غير صحيحة، لكي أقوم بدوري بإقناع المهندس بما يقوله الكاظمي”.

    وأضاف: “لم أطلب التفاصيل من الرجلين، لذلك لا أعرف أين وكيف ومتى حدثت المؤامرة المزعومة، لكن هذه المناقشات حدثت في وقت ما في عام 2017”.

    وأضاف: “أنا أقتبس ما سمعته من المهندس والكاظمي، لكني لا أعرف ما إذا كان هذا حدث بالفعل أم لا”.

    وقال “الجبوري” إن “الكاظمي” حاول عدة مرات مقابلة “المهندس” لتبييض سمعته، لكن الأخير رفض بشكل متكرر.

    ورفض “علي فاضل” أحد رفقاء “المهندس” الشخصيين على مدى الأعوام الـ3 الماضية، التعليق لموقع “ميدل إيست آي” على تفاصيل تتعلق برئيسه السابق “لأسباب أمنية”. لكنه مع ذلك وصف مزاعم “الجبوري” عن “الكاظمي” بأنها “غير دقيقة”.

    وقال صديقان مقربان لـ”المهندس”، أحدهما قائد بارز حالي في قوات الحشد الشعبي، والآخر قائد فصيل مسلح يعمل تحت مظلة الحشد، إنهما لم يسمعاه قط يتحدث عن المخابرات العراقية أو خطط “الكاظمي” لاغتياله.

    وأكد الرجلان اللذان تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتهما أن التوتر بين الرجلين بلغ ذروته في وقت ما في عام 2017، بعد أن اكتشف “المهندس” أن المخابرات كانت تراقبه وتستمع إلى مكالماته.

    وفي الواقع، طلب “الكاظمي” مقابلة “المهندس” لتبديد التوتر بينهما. وقال قائد الفصيل المسلح: “لقد دعاه لتناول الغداء في منزله داخل المنطقة الخضراء”.

    وأضاف: “كانت معلومات تصل إلى المهندس باستمرار تشير إلى أن المخابرات العراقية كانت تعمل ضده، لذلك كان غاضبا جدا. لهذا وافق على مقابلة الكاظمي عندما طلب مقابلته”.

    وأكد القائد أنه جرى لقاء بينهما.

    وقال: “ما فهمته هو أن المهندس كان منزعجا لأن المخابرات كانت تراقب تحركاته وتتنصت على هواتفه وتنقل المعلومات إلى الأطراف المعنية، لكن الأمر لم يصل إلى احتمال اغتياله”.

    حملة تحريضية

    وبعد 3 أيام من مقابلة “الجبوري” التلفزيونية في 13 يوليو/تموز، نشرت عدة مواقع إخبارية مرتبطة بكتائب “حزب الله” قائمة من 7 أسماء قالوا إنهم ضباط المخابرات الذين كلفهم “الكاظمي” باغتيال “المهندس”.

    وبعد ساعات قليلة، اندلعت حملة تحريضية واسعة النطاق ضد الضباط، شاركت فيها معظم وسائل الإعلام التابعة للفصائل المسلحة المدعومة من إيران.

    وبالرغم من أن هذه القنوات والمواقع أعادت نشر الأسماء وخصصت ساعات طويلة من البث لبحث الاتهامات ضد “الكاظمي” وجهاز المخابرات العراقية، فلم تقدم أي تفاصيل أو أدلة تدعم هذه المزاعم.

    وقال “الجبوري” لموقع “ميدل إيست آي” إن معلوماته تشير إلى تورط أحد هؤلاء الضباط، بينما لا يعرف شيئا عن البقية.

    ووفقا للعديد من المصادر الأمنية التي اتصلت بها “ميدل إيست آي”، فإن بعض من وردت أسماؤهم هم من كبار ضباط المخابرات الذين يخضعون الآن لحماية مشددة، لكن لا شيء يثبت تورطهم في محاولة الاغتيال المزعومة.

    واتصل موقع “ميدل إيست آي” بمدير المكتب الإعلامي لـ “الكاظمي”، وأرسل طلبات خطية إلى 3 من مستشاريه، بالإضافة إلى مدير مكتبه السابق عندما كان مديرا للاستخبارات، للتعليق على مزاعم “الجبوري” وكتائب حزب الله، لكن لم يتم الرد على أي منها.

    سيلفي مع “نصر الله”

    وبالرغم من الهجمات الشرسة التي شنتها كتائب “حزب الله” على “الكاظمي”، يرى الكثيرون في الفصيل المسلح أن التهديدات التي تعرضت لها حياة “المهندس” كانت تأتي من مصدر مختلف تماما.

    وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015، قام “أكرم الكعبي”، قائد ميليشيا “حركة حزب الله النجباء” شبه العسكرية، بزيارة “حسن نصر الله”، زعيم “حزب الله” اللبناني، في مقر إقامته بضاحية بيروت الجنوبية.

    وقال قائد بارز في حركة النجباء، وهي جماعة منشقة عن الجماعة الشيعية القوية المدعومة من إيران “عصائب أهل الحق”، إن “الكعبي” رافقه سياسي شيعي شاب ظهر اسمه كأحد “أفضل الوسطاء ومنسقي العلاقات بين القوات الشيعية”.

    وكان السياسي الشاب، الذي يشار إليه بـ”مصعب” لأسباب أمنية وقانونية، زعيما لأحد الأحزاب السياسية الشيعية في العراق. لكنه لم يكن معروفا على نطاق واسع حتى نهاية عام 2012، عندما تم تعيينه في منصب حكومي رفيع في مؤسسة مرتبطة برئاسة مجلس الوزراء.

    ووفقا لعدد من المسؤولين والسياسيين وقادة “الحشد الشعبي”، فقد بنى “مصعب” شبكة علاقات مع عدد من المسؤولين والسياسيين الفاسدين الذين كانوا جزءا من حاشية “نوري المالكي”، خلال الولاية الثانية لرئيس الوزراء.

    وقالت المصادر إن “مصعب” أبرم معهم العديد من الصفقات المشبوهة، وسهّل الاستيلاء على مئات من أملاك الدولة بمئات المليارات من الدولارات.

    وكانت قدرة “مصعب” الطبيعية على تسويق نفسه على أنه صديق للجميع، ومنصبه الحكومي الذي أتاح له الوصول إلى العقارات المملوكة للدولة، والموارد المالية الهائلة، والميزانية السنوية، قد سهلت صعوده السريع.

    وفي أقل من 3 أعوام، أصبح “مصعب” قريبا من غالبية القادة الشيعة الأقوى في العراق، بما في ذلك “المالكي” و”العميري” و”مقتدى الصدر”، رجل الدين القوي الذي لديه ملايين من الأتباع ويسيطر على كتلة برلمانية كبيرة وفصيل مسلح.

    وقال سياسي شيعي بارز مقرب من “المالكي”، شريطة عدم الكشف عن هويته: “لقد طور مصعب علاقات مع من هم في قمة السلطة، لذلك فُتحت له الأبواب المغلقة”.

    لهذا السبب نراه يلعب دورا سياسيا أكبر من الحزب الذي جاء منه.

    وأضاف: “لقد فاجأني حضوره البارز مع المالكي والعامري والصدر، لذلك اعتقدت أن الرجل قد يكون موصى به من قبل إيران”.

    وقال اثنان من قادة الفصيل إن “مصعب” كان مقربا من زعيم النجباء، وكان يرافق “الكعبي” في معظم رحلاته، حتى الرحلة إلى بيروت.

    ورحب “نصر الله” بهم، وتحدث الرجال الثلاثة عن آخر تطورات المعارك التي تخوضها الفصائل الشيعية المدعومة من إيران ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق حيث تقاتل حركة النجباء.

    وسار الاجتماع بسلاسة ودون إزعاج، حتى أصيب الجميع بالصدمة عندما أخرج “مصعب” هاتفا ذكيا من جيبه وطلب التقاط صورة مع “نصر الله”.

    وقال أحد قادة النجباء المقربين من “الكعبي”: “كان هذا السلوك محرجا للغاية للكعبي. لقد كان خرقا أمنيا على أعلى المستويات”.

    وأضاف: “الكل يعرف الإجراءات الأمنية المتبعة عند لقاء نصر الله. لا يسمح للهواتف ولا أي نوع من التكنولوجيا بالدخول مع الزائر. وكان الكعبي مسؤولا عن ذلك الخرق، لأن نصر الله استقبل مصعب بناء على توصيته”.

    وأنهى “نصر الله” الاجتماع على الفور وطلب من الرجلين المغادرة.

    ولم يتحدث “الكعبي” عما حدث، لأنه “دليل على ضعفه وغياب إحساسه بالأمن”، لكنه تشاجر مع “مصعب”، و”أخرجه من دائرة الأشخاص الذين يثق بهم”، على حد قول القائد.

    قوة الإقناع

    بعد أشهر، ولسبب غير معلن، استجاب “المهندس” لمحاولات “مصعب” الاقتراب منه والانضمام إلى مستشاريه. وأسند الأب الروحي لمعظم الفصائل الشيعية المرتبطة بإيران لـ”مصعب” مهمة العمل على واحدة من أصعب القضايا التي واجهها “المهندس”، وهي تفكيك الخلافات بين قادة الفصائل الشيعية المسلحة والتوفيق بينها، بحسب ما قاله 3 من قادة الحشد الشعبي لموقع “ميدل إيست آي”.

    ليس ذلك فحسب، بل تم تكليفه بالعمل على التوفيق بين قادة الفصائل المدعومة من إيران وقادة الجماعات المرتبطة بالمرجع الشيعي العراقي “علي السيستاني”.

    ونجح “مصعب” مستخدما قواه المشهورة الآن في الإقناع، في جمع معظم القادة المتنازعين في مكان واحد.

    وانضم كل من “المهندس” و”العامري” و”قيس الخزعلي” و”الكعبي” إلى “الصدر” لتناول طعام الغداء في منزل رجل الدين في النجف في أكتوبر/تشرين الأول 2016، كبادرة حسن نية.

    وبالرغم أن “مصعب” حقق نوعا من النجاح في جمع الرجال معا في غرفة واحدة، وإبراز صورة الوحدة، إلا أنه فشل في ترتيب نفس النوع من الاجتماعات مع قادة الفصائل المرتبطة بـ”السيستاني”.

    وقال قائد كبير في قوات الحشد الشعبي مرتبط بـ “السيستاني”: “كان الرجل (مصعب) يتبنى مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وشبكة علاقاته كانت ولا تزال مشكوكا فيها، لذلك لم نثق به”.

    وتابع: “لقد دعانا لتناول الغداء في منزله مع عدد من القادة الآخرين، لكننا رفضنا الدعوة”.

    وأرسلنا رسالة إلى “المهندس” و”العامري” مفادها أن “مصعب” غير مخول بالتحدث نيابة عنا، وما أخبرك به عن قدرته على التأثير في قراراتنا هو وهم.

    العدو الخفي

    وكان “مصعب”، كأحد مستشاري “المهندس”، حاضرا في اجتماع نوفمبر/تشرين الثاني 2016 في قاعدة “تلعفر” الجوية، والذي أصيب فيه أحد حراسه في الهجوم الصاروخي.

    وبالرغم أن “المهندس” نفسه أخبر عددا من قادة “الحشد الشعبي” و”الجبوري” أن الصاروخ تم إطلاقه من طائرة تركية بدون طيار، وأن أنقرة كانت وراء الهجوم، كان لدى آخرين شكوكهم الخاصة.

    ورفض المسؤولون الأتراك التعليق على القضية. ومع ذلك، قالت مصادر مقربة من أنقرة إن تركيا لم يكن لديها طائرات مسيرة مسلحة في عام 2016 للقيام بمثل هذه العمليات.

    ومن المحتمل أن تكون (إسرائيل) أو الولايات المتحدة هي من قامت بهذا. ولم يكن لدى تركيا مثل هذه القدرات في ذلك الوقت.

    وبدلا من ذلك، اتهمت “النجباء” وكتائب حزب الله “مصعب” بالتورط في الهجوم.

    ويقول قادة “النجباء” إن الإيرانيين يراقبون هواتف جميع القادة الشيعة، بمن فيهم “المهندس” كجزء من أمنهم الاستراتيجي، وأنه بمراجعة سجلات المكالمات لجميع القادة الذين كانوا داخل الخيمة قبل الحادث وبعده، تم الكشف عن ذلك. فقد أرسل شخص ما داخل الخيمة إحداثيات الموقع إلى شخص بالخارج.

    وبحسب اثنين من كبار قادة كتائب “حزب الله” والنجباء، كان “مصعب” صاحب الهاتف الذي أرسل هذه الإحداثيات.

    ولم يؤكد أي من القادة المقربين من “المهندس” هذه الرواية، لكنهم أخبروا “ميدل إيست آي” أن العلاقة بين “المهندس” و”مصعب” كانت “سيئة للغاية” بعد تلك الحادثة.

    وقال أحد قادة “الحشد الشعبي” المقرب من أحد مؤسسي كتائب “حزب الله”: “اكتشف المهندس أنه (مصعب) منافق ونقل المعلومات إلى عدة أطراف”.

    ويقول قادة “النجباء” إن “مصعب” تم تجنيده في الواقع من قبل المخابرات العراقية، وكان مقربا من الرئيس السابق للجهاز، الفريق “زهير الغرباوي”، الذي حل محله “الكاظمي” في يوليو/تموز 2016.

    ويزعم هؤلاء القادة أن “مصعب” تعامل مع الأمريكيين وزودهم بمعلومات عن “المهندس” وقادة الفصائل لأعوام قبل مقتل “المهندس”.

    وفي غضون ذلك، قال أحد قادة الفصيل لموقع “ميدل إيست آي”، إن كتائب حزب الله لا تزال تحقق في طبيعة علاقة “مصعب” بجهاز المخابرات العراقي، لكنها تقول إن معلوماتها تؤكد علاقته وتعاونه مع الأمريكيين.

    وقال: “بالنسبة لنا، لا يزال الأمر قيد التحقيق بخصوص علاقة مصعب بالمخابرات، والتقى الشخص المكلف بالتحقيق في هذا الملف بالكعبي قبل أيام لسماع ما لديه”.

    سلسلة من محاولات الاغتيال

    وخلال أسابيع من البحث، وعشرات المقابلات مع قادة ومسؤولين وسياسيين، بعضهم كان يعمل مع “المهندس” أو قريبا منه، علم موقع “ميدل إيست آي” أن “المهندس” أفلت من 3 محاولات اغتيال بين عامي 2014 و2016.

    وجرت الأولى في وقت ما في عام 2014 قبل الانتخابات البرلمانية في ذلك العام، وخطط لها اثنان من كبار قادة فصيل شيعي مسلح مدعوم من إيران، يشغل أحدهما حاليا منصبا أمنيا كبيرا، وفقا لقائد شبه عسكري مطلع على الحادث.

    وقال: “هذه المحاولة كانت نتيجة الصراع بين المؤسسات الأمنية الإيرانية العاملة في العراق”، رافضا الكشف عن أي تفاصيل تتعلق بها خوفا من الانتقام.

    أما المحاولة الثانية فكانت تهدف إلى اغتيال “المهندس” و”سليماني” معا أثناء وجودهما في الخطوط الأمامية، بحسب ما قاله قيادي بارز في الحشد الشعبي مقرب من “المهندس”.

    وأشار القائد إلى أن هذه العملية كان من المفترض أن ينفذها قائد لواء من الفصائل المسلحة المدعومة من إيران وتعمل تحت سلطة الجيش خلال إحدى المعارك ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، وكان فشل هذه العملية من قبيل المصادفة.

    وتم الكشف عن معلومات مفادها أن قائد لواء تابع لجيش التحرير الشعبي ينحدر من عائلة بعثية، وأن والده كان قياديا بارزا في حزب “صدام حسين” المحظور الآن.

    وقال القائد: “عندما تم القبض عليه وبعد بضعة أيام من التحقيق، اعترف بأنه على صلة بالولايات المتحدة وكان يخطط لاغتيال المهندس وسليماني أثناء وجودهما في الخطوط الأمامية”.

    وكانت المحاولة الثالثة في قاعدة “تلعفر” الجوية، التي وصفها “المهند”س بأنها جرت بمباركة أمريكية.

    وأضاف: “قال المهندس إن الأمريكيين لا يريدون التورط بشكل مباشر في اغتياله، لكنهم لا يمانعون في تسهيل وصول الآخرين إليه”.

    استراتيجية جديدة وأهداف قديمة

    وبقدر ما كشفت مصادر “ميدل إيست آي”، فإن حادثة “تلعفر” كانت آخر تهديد لحياة “المهندس” حتى مقتله في يناير/كانون الثاني. وعلم موقع “ميدل إيست آي” أن “المهندس”، الأب الروحي للقوات شبه العسكرية المدعومة من إيران، تعامل شخصيا مع أولئك الذين يُعتبرون مسؤولين في كل محاولة من محاولات الاغتيال الثلاثة بطريقته الخاصة. فقد أبقى على البعض منهم على مقربة منه، ساعيا لاستخدامهم للتلاعب بأعدائه.

    كما استخدم “المهندس” عمليات القتل الفاشلة للسيطرة على خصومه، والضغط عليهم من خلال الادعاءات والتهديدات.

    وبعد وفاته، يقوم الفصيل شبه العسكري الذي قاده “المهندس” يوما ما، بفعل الشيء نفسه الآن.

    وبنظرة سريعة على كتائب “حزب الله”، نجد أنها تسبح عكس التيار. ولقد ألمحت إيران إلى أنها تريد الهدوء في العراق بعد مقتل “سليماني”، وشجعت حلفاءها إما على دعم “الكاظمي” أو السماح له بجلب نوع من الاستقرار إلى البلاد.

    ومع ذلك، فإن كتائب “حزب الله، التي تعمل تاريخيا جنبا إلى جنب مع طهران، تهاجم رئيس الوزراء، وتطلق صواريخ على المنطقة الخضراء الدبلوماسية في بغداد، أو مطار العاصمة العراقية، أو أهداف عسكرية أمريكية، ما يتسبب في أضرار طفيفة ولكن يرفع درجة التوتر ويحرج “الكاظمي” قبل وأثناء رحلته الحالية إلى واشنطن.

    ويعزو البعض ذلك إلى الفراغ القيادي الذي خلفه “المهندس” و”سليماني”. ويعتقد آخرون أن “الكاظمي” متورط في مقتل “المهندس”.

    لكن في الواقع الفعلي، فإن كل ما يحدث حاليا على الساحة العراقية “محسوب ومخطط له”، وجزء من استراتيجية جديدة اعتمدتها إيران منذ ما يقرب من 3 أشهر، حسبما قال قادة شيعة شاركوا في الأحداث لموقع “ميدل إيست آي”.

    وتلقى “الكاظمي” الدعم من إيران للقيام بمهام محددة، وهي التغلب على الأزمة الاقتصادية في العراق، ومواصلة جهود مكافحة فيروس كورونا، والتحضير لانتخابات مبكرة.

    وقال أحد قادة “النجباء”: “لكنه تجاوز المهام الموكلة إليه، وشارك في عروض غير مبررة، لذلك يجب تقليص قوته”.

    وبالرغم أن الهجمات الصاروخية لكتائب “حزب الله” لم تتسبب في خسائر بشرية أو مادية كبيرة حتى الآن، إلا أن الفوضى التي تسببها كانت مصدر إحراج لـ “الكاظمي”، حيث منعته من التقاط أنفاسه، والتركيز على وعوده باستعادة السيطرة على الأمن ومحاكمة الفاسدين، وتحسين خدمات الحياة الأساسية، وإصلاح الاقتصاد العراقي المتعثر.

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة