هل نحن امام “انقلاب عسكري ناعم”؟

    —  ناجي نصير

    بالتزامن مع التظاهرات الاحتجاجية التي اندلعت في تشرين من العام الماضي، تناولت وسائل اعلام ومواقع على شبكة التواصل الاجتماعي وحتى بعض القوى والاحزاب السياسية، ما سمته بـ”الخطة ب” التي قالت انها وضعت من قبل قوى كبرى بالتعاون مع دول اقليمية، مؤكدة انها ستكون “انقلابا عسكريا” ينفذه جهاز مكافحة الارهاب.. وبعض هذه المواقع سمت الفريق عبد الوهاب الساعدي قائدا للانقلاب العسكري.. واسهبت في شرح اهداف “الانقلاب” والخطوات التي سيقوم بها.. وكل ذلك تم بالطبع دون تقديم وثائق رسمية يعتد بها. وهو ما دفع البعض للربط بين هذه الاحاديث، وعملية احالة الفريق عبد الوهاب الساعدي الى دائرة الامرة في وزارة الدفاع، وهو القرار الذي رفضه الساعدي في البداية، ثم عاد للقبول به لاحقا.

    فور تسنمه رئاسة الوزراء قام السيد مصطفى الكاظمي بتعيين الفريق عبد الوهاب الساعدي رئيسا لجهاز مكافحة الارهاب.. وهو بطل يستحق ذلك بالتأكيد.. وكان الكاظمي حريصا على التلويح بورقة جهاز مكافحة الارهاب في الكثير من المناسبات.. ومكتبه الاعلامي ينشر صور جولاته في بعض دوائر الدولة المختلفة ومعه الفريق الساعدي.

    وفي الخامس والعشرين من حزيران 2020 اصدر الكاظمي امرا لقوة من جهاز مكافحة الارهاب لاقتحام مقر للحشد الشعبي في منطقة الدورة جنوب بغداد وتم اعتقال 10 اشخاص في المقر.. لكن العملية التي قد تكون محاولة لجس النبض انتهت في غير صالح الكاظمي والجهاز.. وسببت حرجا كبيرا..

    حين قرر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي احكام سيطرة الدولة على المنافذ الحدودية في الوسط والجنوب، استعان بجهاز مكافحة الارهاب بدعوى تخليصها من سيطرة الاحزاب، رغم ان المنافذ الحدودية معروف امرها وهي منخورة بالفساد حد النخاع، دون ان يعني ذلك عدم وجود سيطرة للأحزاب على مرافق في بعض المنافذ الحدودية.. زار الكاظمي المنافذ الحدودية مع ايران، وناور في منفذ صفوان، وترك منافذ كردستان تحت هيمنة الاحزاب والقوى النافذة!.

    وحين بدأ رئيس الوزراء بالحديث عن التحرك لضبط السلاح المنفلت، لوح الكاظمي بورقة جهاز مكافحة الارهاب.. وهنا كثرت التفسيرات لمن يحملون السلاح المنفلت، ومن المقصودون بالحملة على وجه التحديد.

    وحين شكل مؤخرا لجنة لمكافحة ملفات الفساد الكبرى، ادخل الكاظمي جهاز مكافحة الارهاب ايضا لتنفيذ اوامر القبض التي ستصدر من اللجنة لاحقا.

    ومع بدء عملية ملاحقة السلاح المنفلت، وهي عملية مهمة ومطلوبة، تحدثت وسائل اعلام عن انتشار لقوات مكافحة الارهاب في شوارع العاصمة بغداد!!.. رغم ان الانفلات الامني والسلاح خارج سيطرة الدولة موجود في محافظات معروفة وليس في العاصمة بغداد!.. فلماذا يتم نشر قوات مكافحة الارهاب في بغداد؟.

    هل نحن حقا امام عمليات امنية مجردة ام اننا امام “انقلاب عسكري تدريجي” وغير معلن؟.. جهاز مكافحة الارهاب، الذي ينظر اليه الجميع انه جهاز لحماية الوطن كما هي بطولاته ضد داعش الارهابي، لماذا يتم الزج الان به في عمليات داخلية مع وجود جهاز الشرطة المحلية والشرطة الاتحادية وقوات التدخل السريع وجميعها تابعة لوزارة الداخلية التي يديرها عسكري محترف وصاحب خبرة طويلة وهو الفريق عثمان الغانمي؟.. هل ان تشكيلات وزارة الداخلية غير كفوءة ام غير موثوق بها؟.. ام ان السيد رئيس الوزراء يثق اكثر بجهاز مكافحة الارهاب المقرب منه كثيرا؟.. ولماذا ينشر محسوبين على الكاظمي توقيتات العمليات قبل شروعها؟، ويتداولون اخبارا عن اخفاء بعض الفصائل لسلاحها كما يدعون؟.. هل هي حرب نفسية مقصودة؟، ام محاولة لجس النبض قبل حصول شيء معين؟، ام انها تمهيد لتحرك معين لا تنطبق عليه تسمية السيطرة على السلاح المنفلت؟!. ام انها مجرد “انفلات” وعدم انضباط في النشر كما هو انفلات السلاح؟.

    في زمن الحكومة السابقة كانت اية دعوة لإشراك جهاز مكافحة الارهاب حتى في حماية وزارات الدولة تقابل بالرفض الشديد من قبل قيادة الجهاز ومن قبل الناشطين وبعض القوى السياسية، فلماذا اصبح الامر مقبولا الان؟.. فحكومة الكاظمي وان كانت تحظى بدعم نسبة كبيرة من المتظاهرين، لكنها غير منتخبة من الشعب، وبالتالي هي منقوصة الشرعية بحسب مفكري العلوم السياسية، واختيار الكاظمي تم من قبل نفس القوى التي اختارت عادل عبد المهدي قبله، وبنفس الالية التوافقية.. فكيف يجوز له ما لا يجوز لغيره؟.

    بالتأكيد هنالك من يرى فرقا كبيرا بين حكومة الكاظمي وعادل عبد المهدي، وهذا رأي محترم.. لكن في الوقت نفسه هنالك رأي اخر لا يميز بين الحكومتين.. وجميعها اراء محترمة لأنها تمثل وجهة نظر اصحابها، لكنهما بالتأكيد لا تمثلان  وجهة نظر جميع العراقيين.

    ان مشاكل العراق الملحة حاليا هي المشاكل الاقتصادية والخدمية بالدرجة الاساس.. والحكومة لم تقدم منجزا يذكر في المجال الاقتصادي والخدمي، بل ان موازنة عام 2020 لم تقدم للبرلمان لإقرارها حتى الان.. ما يجعل الاف الموظفين مجهولي المصير.. اما الجانب الامني فهو مصدر قلق ايضا، لكنه مقلق للقوى الخارجية اكثر منه للمواطن العراقي والاسباب معروفة للجميع..

    ان فكرة “الانقلاب العسكري الناعم” قد تجد من يقبل بها او ربما يدعوا لها لأغراض انتقامية من جهات بعينها.. رغم ان العالم تجاوز مرحلة الانقلابات العسكرية بعد انتهاء الحرب الباردة، خاصة وان انتهاك حقوق الانسان بات ورقة تقدمها القوى الكبرى لاحتلال دول، واسقاط انظمة، وفرض الحصارات الاقتصادية، ونشر الخراب والموت في بعض الدول العربية والاسلامية.. فهل يستبعد استخدام ادعاءات الفساد لإسقاط العملية السياسية في العراق، او على الاقل اسقاط جهات او احزاب او تشكيلات تمثل ازعاجا القوى العظمى، او ليست محل ارتياح بالنسبة لها؟

    وما قد يدفع البعض لقبول هكذا اعتقاد،  ان السيد الكاظمي لم يفتح حتى الان ملفات فساد كبرى حقيقية، رغم ان عمله كمدير لجهاز المخابرات مكنه بالتأكيد على الاطلاع على الكثير منها.. فهل نحن امام محاربة الفساد حقا؟، ام امام تصفية حسابات بعظها شخصي، واستهداف لبعض الجهات ؟.. وهل التلويح ببندقية جهاز مكافحة الارهاب في كل ملف يتم طرحه هي محاولة لإخافة جهات بعينها؟، وهل سيعيد ذلك طرح مخاوف ” الخطة ب” التي تم طرحها سابقا وهي الانقلاب العسكري “الناعم” هذه المرة؟. خاصة وان البعض يتهم الحكومة بغض الطرف عن التسيب الامني في بعض المحافظات، بل وتتهم مسؤولين كبار في المحافظات بالتواطؤ في بعض الخروقات للأمن المجتمعي.

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة