القضية الفلسطينية على رأس أولويات السياسة الخارجية الروسية هذا العام وعلى الدول العربية أن تعلنه عام فلسطين

    القضية الفلسطينية على رأس أولويات السياسة الخارجية الروسية هذا العام وعلى الدول العربية أن تعلنه عام فلسطين

    ===

    رامي الشاعر

    كاتب ومحلل سياسي روسي

    في حوار هام مع المبعوث الخاص لوزير الخارجية الروسي لشؤون التسوية الشرق أوسطية فلاديمير سافرونكوف، نشره موقع وزارة الخارجية الروسية، أكد الدبلوماسي أنه وبغض النظر عن الوضع السياسي الدولي الراهن، ومزاج عدد من اللاعبين الدوليين، فإن روسيا “ستواصل المساهمة في استئناف عملية السلام في الشرق الأوسط، حيث أن لديها كافة الأصول التي تساعدها على ذلك: العلاقات البناءة مع جميع الأطراف، بما في ذلك إسرائيل وفلسطين والدول العربية الأخرى، والأهم من ذلك، الثقة في السياسة الخارجية الروسية”.

    وأكد سافرونكوف على أن ملف التسوية في الشرق الأوسط أوسع من مجرد تطبيع العلاقات بين الفلسطينيين والدول العربية من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، وإنما يحمل تأثيراً خطيراً على حالة العلاقات الدولية ككل، وهو ما أكد عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مراراً وتكراراً، بأن الوضع في هذا الجزء من العالم يؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي الروسي.

    وشدد سافرونكوف على أهمية دعم الخط الروسي الثابت والمستدام في قضية التسوية في الشرق الأوسط من غالبية دول العالم، حيث يلتزم ذلك الخط بشدة بقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بشأن تنفيذ “مبدأ الدولتين” في التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، وإقامة دولة فلسطين المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية تعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل. وأشار إلى أن هذا الخط يتم التأكيد عليه بشكل خاص في سياق الاجتماعات العديدة والاتصالات الثنائية التي أجرتها الدبلوماسية الروسية خلال جولة الشرق الأوسط، وعلى هامش قمة جامعة الدول العربية في الجزائر العاصمة العام الماضي، التي ستدخل التاريخ باسم “قمة فلسطين”، والتي سبقها في أكتوبر التوقيع على إعلان الجزائر بشأن الوحدة الوطنية الفلسطينية.

    يأتي ذلك الحوار، عقب بيان بالنتائج الرئيسية للسياسة الخارجية الروسية لعام 2022، المنشور أيضاً على موقع وزارة الخارجية الروسية، والذي أشار إلى الجهود التي تبذلها روسيا في إثارة قضايا تعزيز النظام العالمي متعدد الأقطاب، وتطوير التعاون في إطار الحوار الاستراتيجي بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي، وروسيا وجامعة الدول العربية، إضافة إلى مجهودات روسيا في التسوية السلمية للنزاعات الدولية، بما في ذلك ما قامت وتقوم به روسيا في الترويج لمقاربة شاملة للملف السوري، بما في ذلك في إطار صيغة أستانا، وإسهامها في حل مشكلة الملف النووي الإيراني.

    وفي محادثة هاتفية لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره الإسرائيلي إيلي كوهين، أكد لافروف أن روسيا ستواصل سعيها إلى استئناف عملية السلام استناداً لقوانين الشرعية الدولية ذات الصلة والمعترف بها دولياً.

    استناداً إلى ذلك، أعتقد أنه يتوجب علينا في المنطقة، وتحديدا في إطار جامعة الدول العربية، أن نلتقط ذلك الاهتمام الروسي في بداية العام بملف التسوية في الشرق الأوسط، خاصة وأنه سيكون من الخطأ قياس أهمية هذه التسوية من خلال الوضع الراهن للجنة الرباعية الدولية، والتي تحاول الإدارة الأمريكية بخبث ودهاء “خصخصتها”، وتحويل دفة المفاوضات إلى نفس السياسة الرديئة التي تقول بأن “99% من أوراق اللعب بيد الولايات المتحدة الأمريكية”، وهو ما أثبت فشله عدة مرات، آخرها كانت مهمة باراك أوباما وجون كيري عام 2014، والتي أسفرت عن إخفاق كامل لعملية السلام، ونتج عنها سلسلة من النزاعات المسلحة، ولا أتحدث هنا عن التسوية الفلسطينية وحدها، وإنما بطول وعرض المنطقة العربية، وما تشهده من أزمات، وتداعيات ذلك على العالم أجمع.

    يجب علينا البناء على الموقف الروسي الذي يبرز بما لا يدع مجالاً للشك أهمية الرباعية الدولية وضرورة استعادتها لدورها، حيث تظل تلك الصيغة، المكونة من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وهيئة الأمم المتحدة، وعلى الرغم من كل الحساسيات والمصاعب الجيوسياسية الراهنة، تظل الصيغة الأمثل لمحاولة تفكيك وحل أزمة الصراع العربي الإسرائيلي.

    كما ينبغي كذلك عدم النظر إلى أي من الأدوار الرئيسية في حل القضية الفلسطينية بوصفها أدواراً “منافسة”، وإنما بوصفها تراكم لجهود عربية ودولية كبيرة، فيما نسعى جميعاً للوصول إلى هدف واحد هو الحل الشامل والعادل للقضية الفلسطينية، قضية العرب الأولى. فمصر تلعب دوراً تاريخياً شديد الأهمية في ملف التصالح، كما كان لها دور لا يقدر بثمن في تسوية سلسلة من المواجهات المسلحة حول قطاع غزة، علاوة على دورها في التسوية الفلسطينية الإسرائيلية والتسوية في الشرق الأوسط بشكل عام. والعائلة الملكية الهاشمية الراعية لأضرحة القدس لها دور هام في قضايا القدس، وكذلك الجزائر، التي قامت بالكثير، وتحديداً في القمة الأخيرة.

    لقد عقدت موسكو جولتين من الاجتماعات الفلسطينية-الفلسطينية خلال السنوات الماضية بمشاركة جميع الفصائل الفلسطينية الرئيسية، وتواصل العمل المستمر والمنهجي مع الفصائل في الوقت الحالي، وخلال العام الماضي، قام عشرات الممثلين الفلسطينيين من مختلف الأطياف السياسية، بما في ذلك فتح وحماس، بزيارة العاصمة الروسية موسكو، وقابل عدد منهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وعقدت مشاورات مكثفة مع الممثل الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط وإفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، حيث تسعى موسكو إلى حث الفلسطينيين على تجاوز الخلافات الداخلية على المنصة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتواصل العمل بشكل وثيق مع الشركاء الإقليميين، وتدافع باستمرار عن تسوية الصراع في الشرق الأوسط في إطار تنسيق واسع ومتعدد الأطراف. من هنا كانت مبادرة روسيا لعقد اجتماع دولي حول الشرق الأوسط في موسكو، وهو ما نص عليه قرار مجلس الأمن رقم 1850.

    إن ما يجب أن نضعه نصب أعيننا في ظل الوضع الدولي الراهن الذي يتميز بتعقيده وتشابكه وتعدد أطرافه ألا نسمح بهيمنة قطب واحد على مسار المفاوضات في الشرق الأوسط، والعودة مرة أخرى إلى آلية الرباعية الدولية التي أنشأت بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي، إلا أن أنشطتها اليوم، على الرغم من المطالبات الدولية، مجمّدة بسبب عزوف الولايات المتحدة الأمريكية عن مواصلة التفاعل تحت ذرائع مصطنعة، فيما تستمر واشنطن في سياساتها لتفكيك عدد من الصيغ الدولية متعددة الأطراف، ومن بينها الرباعية الدولية، سعياً للهيمنة على قضية التسوية في الشرق الأوسط، وهو أمر مرفوض شكلاً وموضوعاً، في الوقت الذي تفتقر فيه الولايات المتحدة إلى الحد الأدنى من النزاهة في وساطتها.

    في الوقت نفسه تعرب روسيا عن استعدادها للعودة إلى العمل الجماعي في هذه الصيغة، إلى جانب عملها المستقل، اعتماداً على التعاون الوثيق مع جميع دول المنطقة. وأعتقد أنه سيكون من الخطأ ترك الاهتمام الدولي بقضية التسوية في الشرق الأوسط يخفت على خلفية قضايا الساعة مثل قضية أوكرانيا أو جائحة كورونا وغيرها، فالمشكلات لا تختفي من تلقاء نفسها، ويجب البدء بنشاط وجدية ودأب من جانب جامعة الدول العربية في تفعيل قرارات القمة العربية في الجزائر بخصوص القضية الفلسطينية، وإحياء صيغة الرباعية الدولية نظرا لأهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به هذه الصيغة في التوصل لحل عادل للقضية الفلسطينية، خاصة وأن هناك الكثير في التشابه في الأهداف التي خرجت عن القمة العربية وما بين الغاية من تشكيل الرباعية الدولية.

    يمكننا نحن العرب أن نلعب دوراً هاماً في إحياء دور الرباعية من جديد، خاصة وأنه من الواضح استناداً لتصريحات الخارجية الروسية في اليوم الرابع من بداية العام الجديد، أهمية ذلك بالنسبة لروسيا أيضاً، وأولوية التسوية في الشرق الأوسط على جدول أعمال السياسة الخارجية الروسية.

    لهذا أدعو الاهتمام بمثل هذه التصريحات من جانب جميع وزارات الخارجية في الدول العربية وسفرائهم في جميع دول العالم، ما يمكن أن يسهم في إحياء الملف الفلسطيني بداية هذا العام، لنقل رسالة واضحة إلى العالم بأننا في العالم العربي مصممون على أن يكون هذا العام هو “عام فلسطين”، وهو عام إنعاش جميع المبادرات والجهود الدولية، وبأن الأمم المتحدة يجب وأن تضع قضية الشعب الفلسطيني على قمة أولوياتها في كافة الأنشطة التي ستعمل عليها خلال العام الجديد.

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة