وصفت وسائل إعلام عقد لقاء مرتقب بين وزيري الخارجية السوري والتركي بعدم وجود مواعيد محددة للقاء، مشددة على أن “كل ما ينشر حتى الآن لا أساس له من الصحة”.
كما أوضحت المصادر أن “أمر اللقاء المزمع مرتبط بسير عمل اللجان المختصة التي تم تشكيلها عقب اللقاء الثلاثي الذي ضم وزراء دفاع سوريا وروسيا وتركيا في موسكو نهاية الشهر الماضي، والتي تهدف إلى ضمان حسن تنفيذ ما جرى الاتفاق عليه خلال اللقاء ومتابعته”.
وقد كشف مصدر مطلع، يوم أول أمس الاثنين، أن العمل لا يزال جارياً لتحديد موعد لقاء وزراء خارجية كل من روسيا وتركيا وسوريا، إلا أنه لم يتم التوافق بشكل نهائي عليه بعد، فيما كان وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو قد صرح، نهاية الشهر الماضي، بأنه سيعقد لقاء، منتصف يناير الحالي، مع نظيريه الروسي والسوري، في خطوة جديدة من التقارب بين أنقرة ودمشق، وعاد ليصرح مطلع الشهر بأن روسيا “اقترحت موعداً لعقد الاجتماع لكنه لم يناسبنا”، متابعاً أن هذه الاجتماعات الثلاثية “يجب التحضير لها بشكل جيد، ويجب أن تهدف إلى تحقيق نتائج، حيث يتعين علينا العمل على تحويل القضايا التي تم مناقشتها على مستوى الاستخبارات ووزراء الدفاع إلى خطوات ملموسة. ولن تكون هذه اجتماعات ليوم واحد، أو اجتماعات لمرة واحدة على مستويات مختلفة، وإنما خطوات نحو بناء الثقة وتحديد شكل التعاون في القضايا الحساسة في الفترة المقبلة”.
حقيقة الأمر أنني لا أعرف على أي أساس، وإلى أي “مصدر” استندت وسائل الإعلام لتعلن بهذه الثقة أن “كل ما ينشر حتى الآن لا أساس له من الصحة”، وما يثير ريبتي أكثر من أي شيء آخر هو تلاقي مصلحة هذا التوجه مع أجندة الإدارة الأمريكية التي تسعى للحيلولة دون انعقاد هذا اللقاء المرتقب، على هذا المستوى، وما يليه بطبيعة الحال من لقاء بين الرئيسين السوري والتركي، وتحاول قدر إمكانها عرقلة أي جهود أو محاولات لتسوية العلاقات التركية السورية، ناهيك عن أي جهود من جانب مجموعة أستانا لعودة العلاقات التركية السورية إلى وضعها الطبيعي كعلاقات جوار ومنفعة مشتركة.
إلا أن تلك الأجندة الأمريكية في الوقت نفسه، لا تصب في مصلحة الشعب السوري الذي يتطلع بأمل إلى كل الجهود الرامية لتخفيف معاناته، ووقف مآسيه اليومية، حيث تعتبر واشنطن أي انفراج في العلاقات التركية السورية هو “اختراق” لسياسة العقوبات التي تفرضها على الشعب السوري وليس على السلطة السورية، وتعتبر أي جهود روسية أو جهود لمجموعة أستانا لحل الأزمة السورية تضر بدورها بالهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط، فيما تأمل أن تكون التسوية السورية فقط على الشكل الذي يخدم مصالحها، وبطبيعة الحال مصالح إسرائيل بالدرجة الأولى.
لهذا أهيب بالمعارضة السورية، التي تجد في هذا اللقاء تهديداً لأجندتها السياسية، أو التي تجد فيه خطراً على تجمعاتها، أن يدركوا أن الأجندة الأمريكية لم ولن تخدمنا في الشرق الأوسط مهما تجمّلت الأهداف والشعارات والمبادئ البرّاقة التي يجيد بيعها “الكاوبوي” الأمريكي، الذي لا يخجل من سرقة الموارد النفطية السورية وتهريبها، كما لا تعنيه أرواح ومعاناة الشعب السوري، فما يهم الإدارة الأمريكية مصالحها العابرة للحدود والقارات، والتي تلتقي مع المصالح الإسرائيلية في احتلال ونهب الأراضي والاستيطان والإبقاء على الوضع الراهن مجمّداً لأطول فترة ممكنة.
أتمنى أن تعلي المعارضة السورية من مصالح البلاد والعباد على أي حسابات سياسية أو حزبية أو شخصية ضيقة، وأن تضع اعتبارات مصلحة الدولة السورية فوق أي اعتبارات أخرى، وأن يتفهموا أن التقارب السوري التركي في مصلحة جميع السوريين، وفي مصلحة سوريا، وألا يعتبروا أن تسوية العلاقات السورية التركية ستكون على حساب ما يطالبون به من تغيير في سوريا. فأحداً لم ولن يتخلى عن دور اللجنة الدستورية، وجهود هيئة الأمم المتحدة ومجموعة أستانا للتوصل إلى حل على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254.
أما بشأن الضمانات التي يطالب بها البعض، قبل انعقاد اللقاء، على غرار الانسحاب التركي من جميع الأراضي السورية التي يتواجد فيها الجيش التركي في الشمال، مع رفض الاستناد إلى اتفاقية أضنا لتواجده حاليا، فأرجو أن يتفهم هؤلاء أن الوضع في عموم سوريا لا يجوز أن يستمر على هذا النحو، ولا يجوز التغاضي عن المشكلات المعقدة والمتشابكة داخل البيت السوري نفسه، فمعارضة الشمال، ومشكلة اللاجئين داخل تركيا وقضايا عودتهم، ومشكلة تنظيم أحرار الشام وغيرها من التنظيمات، وإدلب، ومعبر باب الهوى، وغيرها من المشكلات والقضايا العالقة لا يمكن حلها سوى من خلال الحوار السياسي والتنسيق بين دمشق وأنقرة، وانسحاب الجيش التركي لا يمكن أن يتم إلا من خلال التوصل إلى اتفاق سياسي بين تركيا وسوريا يستند إلى إرادة سياسية واضحة من الطرفين، وهو ما لن يحدث دون لقاء الرئيسين الأسد وأردوغان، حتى نبدأ حثيثاً في حلحلة تلك القضايا، تمهيداً لحلها والتنسيق بشأنها. وأعتقد أن الوقت قد حان لبدء هذا الحوار والبناء على أجواء من التهدئة التي تمكنت من تثبيتها مجموعة أستانا على كافة الأراضي السورية.
لذلك أرى أن لقاء وزراء الخارجية السوري والتركي والروسي في موسكو هو لقاء هام للغاية، وسيجري قريباً جداً دون شك، وأكرر أنه، وعلى الرغم من جميع المحاولات من جانب الولايات المتحدة الأمريكية عرقلة هذا اللقاء، وغيره من الجهود الرامية لتسوية “غير أمريكية” تراعي مصالح سوريا، فإن اللقاء سوف يتم، شأنه شأن اللقاء الهام الذي جرى نهاية العام الماضي بين وزراء الدفاع وفي حضور الاستخبارات، تمهيداً للقاء المرتقب بين الرئيسين السوري والتركي في موسكو، ولن تتمكن أي جهة من الحيلولة دون ذلك. وقد عبّر الرئيس السوري بشار الأسد في أكثر من مقام عن تقديره للمساعي الروسية في الحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها.
أما من يسعون لبث الإشاعات وزرع الفتن فينبغي أن يعوا أن القضية ليست قضية ضمانات، وإنما على مستوى اتفاق سياسي لكيفية حل كل هذه القضايا آنياً بالتوازي، وليس بالتوالي، بعدها ستبدأ لجان الخبراء فوراً متابعة عملها، وهي لجان مشتركة متخصصة في كافة المجالات، أهمها لجنة اللاجئين ولجنة متابعة قضية هيئة تحرير الشام، وهي بالمناسبة من أعقد القضايا، حيث تضم إلى جانب المسلحين عشرات الآلاف من أسر هؤلاء من الشيوخ والنساء والأطفال، ولجنة الاتفاق السياسي، الذي يجب أن يتضمن دورا للمعارضة السورية ومشاركتها في عملية التسوية السورية بشكل عام.
دعونا نخرج من عباءة النظام العالمي القديم، ونتحرر من الهيمنة الأمريكية، ونتعامل في القضايا السياسية الإقليمية بأبجدية النظام العالمي متعدد القطبية حيث تدافع كل الدول عن مصالحها بعيداً عن تأثير القطب الأمريكي الذي لا زال يعيش في أوهام السيطرة والعقوبات والحصار والهيمنة على الشرق الأوسط.