تنشغل القوى السياسية العراقية منذ أيام، بتعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات، المقررة في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وفقا للبرنامج الوزاري لحكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني. القانون الذي من الممكن اعتماده أيضا في الانتخابات النيابية المقبلة، يلقى موجة رفض يقودها مستقلون وأحزاب سياسية ناشئة وأخرى منبثقة عن حراك تشرين الاحتجاجي، متقاطعة بذلك، مع موقف مشابه للزعيم الديني الشيعي البارز، علي السيستاني، ورئيس التيار الصدري، مقتدى الصدر.
وتخطط حكومة السوداني لإعادة الحياة من جديد في المجالس المحلية، التي عطلت بقرار برلماني أواخر عام 2019، استجابة لمطالب المحتجين حينها.
الضغط الاحتجاجي أيضا أدى إلى تعديل قانون الانتخابات النيابية، والذي اعتمد آلية جديدة تقضي بتقسيم البلاد إلى دوائر انتخابية «متعددة» (83 دائرة) بدلا من جعله دائرة «واحدة» مثلما جرى قبل انتخابات2021، في خطوة نالت رضا المتظاهرين وفتحت الباب أمام المستقلين لدخول البرلمان (حققوا أكثر من 50 مقعدا) مقابل خسارة ثقيلة طالت الأحزاب التقليدية، الشيعية على وجه الخصوص.
وعلى هذا الأساس، بدأت القوى السياسية النافذة بالتفكير في توسيع نفوذها عبر سيطرتها على المجالس المحلية، من خلال إجراء تعديل على القانون الخاص بها، والذي يقضي بالعودة إلى ما قبل انتخابات 2021، واعتماد «الدائرة الواحدة» لضمان كسب أوسع لمزيد من أصوات الناخبين، وعدم حصرهم في مناطق ضيقة.
وبالفعل، قضى الاتفاق السياسي بوضع تعديل قانون انتخابات المجالس المحلية على جدول أعمال مجلس النواب الأسبوع الماضي، وقراءته قراءة أولى ومناقشته تمهيدا لطرحه للقراءة الثانية ومناقشته قبل تمريره.
وإضافة إلى اعتماد الدائرة «الواحدة» يشمل التعديل، العودة إلى نظام احتساب المقاعد المثير للجدل «سانت ليغو» والذي يعتمد القاسم الانتخابي بواقع (1.9) لاحتساب عدد الأصوات التي حصل عليها المرشح والتي تؤهله لحصد مقعد نيابي، وهو ما يرفع حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة على حساب المرشحين «المستقلين» والكتل الناشئة.
ويقضي التعديل الحالي أيضا بتقسيم المحافظات إلى دوائر انتخابية متعددة، بحيث يكون لكل 100 ألف ناخب في الدائرة ممثل في البرلمان. ويتباين حجم الدائرة نسبة إلى عدد سكانها.
جمع تواقيع
وقبل أن يشرع البرلمان بالقراءة الثانية للتعديل، قاد نواب مستقلون وآخرون مؤيدون لحراك تشرين/ أكتوبر الاحتجاجي، حملة لجمع تواقيع (أكثر من 50 نائبا) طالبت برفع القانون من جدول أعمال جلسة الإثنين الماضي، وبالفعل استجابت هيئة رئاسة البرلمان للطلب وقررت رفع فقرة القراءة الثانية للتعديل إلى جلسة السبت المقبل.
وسبق أن عبر عبد المهدي الكربلائي، ممثل السيستاني، في إحدى خطب الجمعة، عن رفض الأخير إجراء أي الانتخابات وفقا للدائرة الانتخابية الواحدة، واعتماد الدوائر المتعددة، في موقف يتوافق مع موقف الصدر الذي عبر عنه في مناسبات عدة.
غير إن الائتلاف الحاكم، أي «الإطار التنسيقي» الشيعي بشكل خاص، لا يزال مصرا على تعديل القانون، وجعل العراق دائرة انتخابية واحدة.
«تسويف الحقوق»
وحسب تصريح للنائب عن ائتلاف «دولة القانون» محمد سعدون الصيهود، فإن «قانون الانتخابات الذي يعتمد على الدوائر المتعددة لا ينتج برلمانا حقيقيا، إنما يعمل كأنه مجلس بلدي، ويعمل على تسويف حقوق مكونات الشعب العراقي».
وأضاف في بيان صحافي، إن «البرلمان الحالي لم يستطع تشريع قانون واحد للعراقيين» مشيرا إلى أن «جميع الكتل السياسية ومكونات المجتمع العراقي متفقة على ضرورة تعديل قانون الانتخابات الحالي واعتماد الدائرة الواحدة بدل الدوائر المتعددة، وفق نظام (سانت ليغو) وكذلك تغيير شكل وشخوص مفوضية الانتخابات».
في حين يكمل زميله في الائتلاف، النائب محمد الشمري، وجهة نظر الصيهود قائلا: «إننا مع قانون (سانت ليغو) الذي يعد أفضل من القوانين الانتخابية الأخرى، وينتج كتلا سياسية قوية وفاعلة في البرلمان، عكس الكتل الصغيرة التي يفترض أن تدخل بشكل مجموعات منظمة للحصول على مقاعدها دون تشظٍ».
وذكر في تصريح لمواقع إخبارية مقربة من «الإطار» بأن «الإرادة السياسية متحققة، واليوم تحالف إدارة الدولة يشمل الإطار التنسيقي بكل أطرافه والكرد بشقيهم، والسنة كذلك، الكل يدعم تمرير نظام سانت ليغو».
مآخذ على القانون
وبشأن جملة الاعتراضات على تعديل قانون الانتخابات، بين ياسر السالم، عضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي العراقي، لـ«القدس العربي» إن «قانون الانتخابات الذي تقدم به تحالف إدارة الدولة، الداعم لتشكيل الحكومة، عليه الكثير من المآخذ. منها ما يتعلق بالنظام الانتخابي، ومنها ما يتعلق بتشديد الإجراءات في المنظومة الانتخابية لتكون عادلة ونزيهة».
وطبقا للسالم، فإن «النظام الانتخابي الذي يقترحه مشروع القانون يعتمد نظام (سانت ليغو) الذي يقسم أصوات الكتل على أعداد (1، 3، 5… ألخ) ولكن الكتل السياسية المهيمنة على البرلمان رأت أن من مصلحتها تشويه نظام (سانت ليغو) ليكون وفق الطريقة الحسابية التالية (9 ،1، 3، 5) لمنع المستقلين وكتل المعارضة من الحصول على تمثيلها الحقيقي في البرلمان».
ولم تقف الاعتراضات عند هذا الحد، حسب السالم، الذي أكد أن هناك ملاحظات حول القانون تتعلق «بعمر المرشح الذي يجب أن يخفض إلى 25 سنة بدلا من 30 سنة، أسوة بقانون الأحزاب الذي يسمح لمن هم بعمر الـ25 من تشكيل الأحزاب. وكذلك ما يتعلق بحجم الإنفاق على الدعاية السياسية، وغيرها من الملاحظات».
وحذر من «تمرير القانون الانتخابي بصيغته الحالية، لأنه لم يحقق المشاركة الواسعة، ما يفقد العملية الانتخابية جوهرها، وبالتالي، عدم تحقيق الاستقرار السياسي والمجتمعي».
وختم بالقول: «الشارع اليوم في حالة ترقب لقرارات البرلمان والحكومة، وهو غاضب من حجم الوعود التي يغدقها المتنفذون من دون تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع. لذا فإن جميع الاحتمالات تبقى مفتوحة، وللعراقيين كلمتهم عاجلا أم آجلا».
عودة الاحتجاجات
حديث القيادي في الحزب الشيوعي العراقي يتزامن مع بوادر على تجدد الاحتجاجات في العراق، يندمج فيها المستقلون والمؤيدون لتظاهرات تشرين/ أكتوبر، بأنصار التيار الصدري، الذين بدأوا بالتحرك صوب «المطعم التركي» أو ما يعرف عليه محليا بـ«جبل أحد» المطل على ساحة التحرير، مركز الاحتجاجات في العراق.
ونقلت صور ومقاطع فيديو، سيطرة أتباع الصدر على المبنى المهجور، فيما طوقته قوات من الشرطة الاتحادية، من دون الإفصاح عن نية تيار الصدر وما يخطط له.
تزامن ذلك مع انطلاق احتجاجات، الإثنين الماضي، لبضع مئات من المحتجين أمام إحدى بوابات «المنطقة الخضراء» بالقرب من المدخل المؤدي إلى مجلس النواب، للتعبير عن رفضهم إجراء تعديل على قانون الانتخابات.
ورأى المحلل السياسي العراقي، علي فضل الله، أن الخلافات حول تعديل القانون ليست مع المستقلين والقوى السياسية الناشئة، بل في داخل أطراف ائتلاف «إدارة الدولة».
وقال لـ«القدس العربي» إنه «من جديد يعود اللغط حول قانون الانتخابات، فهنالك آراء متعددة حول القانون الذي من المفترض أن يتم تشريعه للمرحلة المقبلة مع الأخذ بنظر الاعتبار التغيرات التي حدثت ونقاط الضعف التي أصابت القوانين السابقة التي من الواجب معالجتها».
وأشار إلى أن «هناك أكثر من نقطة خلافية تتمحور حول القانون. الخلاف الأول هو هل يمكن الذهاب إلى قانون انتخابات وفقا للدوائر المتعددة أم بدائرة واحدة؟ وهل سيتم احتساب أعلى الأصوات في كل دائرة أم الذهاب إلى القاسم الانتخابي (سانت ليغو) الذي لا يخلو من الخلاف حوله، خصوصا فيما يتعلق بالنسبة التي يتم الاعتماد عليها في احتساب الأصوات».
انقسامات
وأوضح أن «هذه النقاط الخلافية لم تحسم حتى الآن، بسبب الانقسامات التي هي موجودة في ائتلاف إدارة الدولة الذي يدعم العودة إلى الدائرة الواحدة ونظام (سانت ليغو) في توزيع المقاعد».
وحسب قوله فإن «على الجبهة الأخرى هناك التيار الصدري والتشرينيين وبعض الشخصيات المستقلة التي تذهب إلى خيار الدوائر المتعددة واحتساب الفائز في أعلى الأصوات. أنا أفضل اعتماد الدوائر المتعددة وذلك لأنها تقلل المسافة ما بين الجمهور والمرشح».
وبين أن «اعتماد نظام (سانت ليغو) يقلل الأصوات الفردية (نواب منفردين) بكونها سببت عبئا في عقد جلسة اختيار رئيس الجمهورية» مبينا أن «التيار الصدري يرغب في الدوائر المتعددة واختيار أعلى الأصوات، لأنه يرى في ذلك نجاحا له».
تلاعب متعمد
ولفت إلى أن «اعتماد الدوائر المتعددة في الانتخابات الماضية لم يكن شفافا، بل كان هنالك تلاعب متعمد في النتائج، لذلك اعتقد حتى وإن بقيت الدوائر المتعددة لن يتمكن التيار الصدري من تحقيق النسبة التي حققها في الانتخابات الماضية».
وأشار أيضا «غياب حكومة مصطفى الكاظمي التي كانت تتناغم مع التيار الصدري وعملت على تزوير وتزييف النتائج لصالح ثلاث قوى سياسية، هي التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف تقدم، وبتوجيه خارجي» حسب قوله، مؤكدا أن «اختفاء هذا الدعم في المرحلة الحالية لن يمكن التيار الصدري من تحقيق النسبة العالية التي حققها في الانتخابات السابقة (73 مقعدا) حتى لو تم الاعتماد على الدوائر المتعددة في قانون الانتخابات».
«تراجع ديمقراطي»
أما رئيس «مركز التفكير السياسي» إحسان الشمري، فعد اعتماد قانون (سانت ليغو) في الانتخابات «تراجعا ديمقراطيا خطيرا وبداية لأزمة سياسية عميقة جدا».
وقال لمواقع إخبارية تابعة لنقابة الصحافيين العراقيين، إن «الديمقراطية حالة تراكمية يحتم على السلطات والطبقة السياسية أن تطور من آلياتها، ولذلك قانون الانتخابات الذي يمضي باتجاه التمثيل النسبي، لم يعد مقبولا للمشاركة السياسية».
وبين أن «التمثيل النسبي على أساس (سانت ليغو) 1.9 أو 1.7 في النهاية يقوض من المشاركة السياسية لأحزاب جديدة ومستقلين، ويضع القرار بيد زعامات في القائمة المفتوحة والمغلقة».
وعد ذلك «تراجعا خطيرا في عملية التطور الديمقراطي والانتخابات ويضاعف من عزوف الشعب عن الانتخابات، لأن العودة إلى قوانين قديمة ستدفع بشخصيات غير مؤهلة وصعود أخرى متهمة بالفساد، وإن تم إقراره (فهذا يعني) بداية لأزمة سياسية عميقة جدا».