إن إجراء أي تغيير في نظام “سانت لاغو” التمثيلي مش شأنه أن يُعيق قدرة الأحزاب الصغيرة والمرشحين المستقلين بشكل كبير على الفوز بمقاعد في الانتخابات العراقية المقبلة.
إن الصعوبات الانتخابية التي واجهتها أحزاب كثيرة تنتمي إلى الإطار التنسيقي في الانتخابات البرلمانية العراقية لعام 2021 قد ضمنت عودة نظام انتخابي قائم على التمثيل النسبي، مع ترأس الإطار التنسيقي حاليًا أحدث حكومة توافقية في العراق. وبعد شروع العراق في تغييرات في قانون الانتخابات العراقي، يبدو أن الدولة ستواصل عادتها في إعادة صياغة قانون الانتخابات قبل كل انتخابات.
في حين أن التغييرات المقترحة ستصب في مصلحة الإطار التنسيقي، فهي تتمتع بميزة إضافية متمثلة بإضعاف الأحزاب المستقلة الجديدة التي ظهرت في الانتخابات البرلمانية السابقة. فالأحزاب السياسية الحالية كانت قلقة من نجاح أحزاب المعارضة ذات التوجه المدني عام 2021. وعلى الرغم من أن قوتها المشتركة في البرلمان الحالي لا يمكن أن تقف في طريق التشريعات المدعومة من قبل الإطار التنسيقي وحلفائه، بدأت إدارة محمد شياع السوداني بالتطلع إلى انتخابات مجالس المحافظات، التي تأخرت كثيرًا منذ إلغائها في تشرين الأول/أكتوبر 2019، علمًا أن هذه المجالس تجاوزت بنحو عامين مدتها القانونية البالغة أربع سنوات. وتلعب مجالس المحافظات دورًا رئيسيًا باعتبارها السلطة التشريعية والرقابية على المستوى المحلي، إذ تنتخب المحافظين ويمكنها تغييرهم، وتؤكد تعيين كبار الموظفين المهمين، ويفترض أن تلعب دورًا مهمًا في خطط تنمية المحافظات.
ومن خلال إعادة العمل بنظام التمثيل النسبي بطريقة سانت لاغو، الذي تشعر الأحزاب السياسية الحالية بارتياح أكبر تجاهه، سيعيد القانون المنقح الانتخابات إلى القوائم الحزبية المفتوحة، مع تشكيل كل محافظة دائرة انتخابية. وفي مواجهة الاعتراضات على عودة نظام سانت لاغو من قبل الأحزاب السياسية الصغيرة، والنواب المستقلين، والكثير من منظمات المجتمع المدني، تمت صياغة القانون من خلال مفاوضات سياسية خلف أبواب مغلقة، من دون إتاحة وقت كافٍ للنواب قبل قراءته الأولى. وعلى الرغم من أن العودة إلى نظام سانت لاغو تتعارض مع التوجيهات التي قدمها آية الله العظمى علي السيستاني في تصريح نادر ولكن هادف حول المستقبل السياسي للبلاد في أعقاب ثورة تشرين، فمن غير المرجح أن يتدخل الزعيم الديني علنًا مرة أخرى.
بعد ذلك، أدانت كل من حركة امتداد، وإشراقة كانون، وتحالف وطن، والكثير من النواب المستقلين السلبيات المتأصلة في النظام بالنسبة إلى الأحزاب السياسية الصغيرة والمرشحين المستقلين. وقد حظيت أصواتهم بدعم قوى التغيير الديمقراطية والكثير من منظمات المجتمع المدني ذات التوجه السياسي، ولكن هذه الجهود لن تتمكن في نهاية المطاف من أن تشكل تحديًا خطيرًا للقانون نظرًا للأغلبية التي يتمتع بها الإطار التنسيقي في البرلمان.
من ناحية أخرى، حاول مؤيدو القانون “إثبات” أن الأصوات المستقلة والصغيرة لن تضيع هباء من خلال محاكاة نتائج الانتخابات البرلمانية لعام 2021 وإعادة احتسابها باستخدام نظام القوائم الحزبية. ولكن عملية إعادة الاحتساب هذه اعتمدت على افتراضات سياسية خاطئة، وجمعت الأحزاب والمرشحين المستقلين معًا ضمن قوائم وهمية غير واقعية. على سبيل المثال، جُمعت الأحزاب السياسية التي تتنافس للمرة الأولى في عام 2021 والتي تعتنق وجهات نظر أيديولوجية مختلفة جدًا، مثل امتداد وتصميم وإشراقة كانون والفاو إلى زاخو، ما أدى إلى نتائج لافتة على نحو ملائم وإنما غير مجدية على الإطلاق. وحتى لو كان الافتراض بأن جميع المرشحين المستقلين سيترشحون على قائمة واحدة ممكنًا سياسيًا، يتبين من مراجعة نتائج انتخابات 2021 باستخدام نظام سانت لاغو أن مرشحًا واحدًا فقط من المرشحين الخمسة عشر المستقلين الذين ترشحوا لمقاعد برلمانية في النجف كان ليفوز مقارنةً بالأربعة الذين فازوا بمقاعد في ظل النظام الحالي.
نظرًا لهذا الواقع، ستسلك على الأرجح الأحزاب الصغيرة طريقًا صعبًا في الانتخابات المقبلة. وتوضح مراقبة تطور الأجنحة السياسية لثورة تشرين على مدى السنوات الماضية أن الانقسامات العميقة، الشخصية في الغالب وإنما الأيديولوجية في بعض الأحيان، تؤثر في الأحزاب السياسية الناشئة تمامًا كما تؤثر في الأحزاب المخضرمة. ومن المرجح أن يشعر القادة السياسيون المتسلحون بثقة مفرطة عمومًا في قدرتهم على استقطاب الناخبين المحبطين بشكل متزايد، والذين يأملون تجنب تكرار حالة الجمود التي كانت قائمة بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري والتي شلت البرلمان العراقي لمدة عام، بخيبة أمل فيما تجتمع القوتان التوأم المتمثلتان بالتشرذم السياسي القائم على الأنا وانخفاض نسبة التصويت في ظل النظام الجديد، ما يؤدي إلى شرذمة السلطة بين جهات فاعلة كثيرة وضرورة إجراء مفاوضات توافقية مطولة. بالنسبة إلى الأحزاب الحالية، لا سيما تلك المنتمية إلى الإطار التنسيقي، ستزداد الثقة في نجاحها عندما يصبح التمثيل النسبي مرة أخرى القانون السائد، ولكن الانقسامات الظاهرة أصلًا في الحكم سوف تتعاظم عند بدء المفاوضات جديًا حول القوائم الانتخابية وقيادتها.
تخيم التكهنات حول عودة مقتدى الصدر، الذي قادت كتلته بشكل أساسي التحول إلى الدوائر المتعددة الأعضاء عام 2020، إلى السياسة، على المحادثات المتعلقة بالانتخابات. وفي حين أن التيار الصدري يحبذ بطبيعة الحال النظام الذي أمّن له ثلاثة وسبعين مقعدًا في البرلمان، ما أدى إلى مواءمة الكتلة إلى حد ما مع مشاعر القوى الناشئة ذات التوجه المدني، سيكون الصدريون الأكثر تنظيمًا وتماسكًا من غيرهم، مهيأين أكثر لإتمام التحول إلى نظام سانت لاغو، مع افتراض أنهم سيشاركون في الانتخابات المقبلة.
يعتزم برنامج حكومة السوداني إجراء انتخابات مجالس المحافظات في تشرين الأول/أكتوبر 2023، وهو جدول زمني غير واقعي نظرًا لمعارضة الإطار التنسيقي للقيادة الحالية للجنة الانتخابات العراقية، التي تنتهي ولايتها في كانون الثاني/يناير 2024، فضلًا عن ميزانية عام 2023 التي لم يتم إقرارها بعد، وهو شرط لمباشرة الاستعدادات الانتخابية العملياتية. ولكن التزام الحكومة بإجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن سياسيًا واضح نظرًا لتكليف قادة الإطار التنسيقي بإعادة صياغة القانون وتنشيط اللامركزية. تُعد الانتخابات في ربيع عام 2024 أكثر واقعية، نظرًا لهذه المخاوف السياسية والعملياتية.
لن تكون السيطرة على مجالس المحافظات، التي تمكّنها قدرتها على التأثير على التوظيف الحكومي والمشتريات الحكومية من جني الأرباح، وحدها على المحك، بل أيضًا القدرة على تولي المناصب الخاصة بالمحافظات، بما أن المجالس تختار المحافظين وتعزلهم من خلال تصويت الأغلبية. سيتعين على النواب المستقلين الذين يسعون إلى تأسيس حركاتهم السياسية وأحزابهم الناشئة الخاصة القيام بخيارات صعبة فيما يبدأون بالتفكير في استراتيجية الانتخابات. فقد خدم التنظيم على المستوى الشعبي الكثير من المرشحين المستقلين في انتخابات عام 2021، ولكن في ظل وجود مساحة أكبر بكثير للمنافسة، ستجد الأحزاب الأقل تمويلًا صعوبة في الوصول إلى الشريحة الكبرى اللازمة للحصول على الاعتراف بمكانتها وإقناع الناخبين، خصوصًا ناخبي حركة تشرين الذين عقدوا آمالهم على النصر عام 2021 لتُبدَد عام 2022 مع تشكيل الإطار التنسيقي للحكومة. ستتطلب الموارد الشحيحة وقواعد بيانات الناخبين غير الكافية تشكيل تحالفات. بالطبع، تحتاج الأحزاب الحالية أيضًا إلى تحالفات، ولكن لغرض إنشاء قاعدة موحدة بدلًا من تجميع الموارد. وستكون المنافسة حول من سيقود القوائم شرسة، لا سيما داخل معسكر الإطار التنسيقي والمعسكر التشريني، على الرغم من أن قوى التغيير الديمقراطية تأمل في أن تكون بمثابة قوة تشرينية موحِّدة. ومن دون تنازلات تبدّي الأهداف الانتخابية على الأنا الفردية، من المرجح أن تؤدي الانتخابات المقبلة إلى تنافس عدة قوائم على قاعدة الناخبين ذاتها، ما يسفر عن نتائج مخيبة للآمال لكل من المرشحين المستقلين وناخبيهم.