من الصحافة الإيرانية: كيف ستتعامل إيران مع مشروع السلام العربي الجديد

    تتخذ سيمفونيات السلام في العالم العربي هذه الأيام والتي يقودها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد شكلاً أكثر تناغماً من أي وقت مضى، فاللافت في ألحان هذه السمفونية أنها تجاوزت حدود الشرق الأوسط لتشمل الشرق والغرب معاً.

    وبحسب  في ظاهر الأمر يبدو أن السلام الداخلي في العالم العربي قضية داخلية لا علاقة لها بنا (إيران). لكن بالنظر إلى الأبعاد والتأثيرات والاتجاهات والعواقب المحتملة لخفض التصعيد هذا، يمكننا القول بثقة أن التطورات الأخيرة في الدول العربية مهمة للغاية بالنسبة لطهران.

    في الحقيقة السؤال الذي يطرح نفسه على الدوام، ماذا ستكون علاقتنا بالسلام الداخلي للعرب؟ هل السلام في منظومة الدول العربية فرصة لإيران أم تهديد؟ والأهم من هذا كله، كيف ينبغي تنظيم وتنفيذ سياسة إيران الخارجية في المستقبل القريب بعد السلام الداخلي للعرب؟

    السلام العربي والعلاقات الاستراتيجية مع الحلفاء العرب؟

    كان النفوذ الإيراني في العالم العربي من أهم القضايا التي أثيرت منذ بداية انتصار الثورة الإسلامية كقضية مهمة في الساحة الميدانية والنظرية. وخلال العقود القليلة الماضية تمتعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعلاقات عميقة مع بعض الدول والجهات الفاعلة العربية، حيث اتخذ حضور طهران في بعض البلدان العربية بعداً أوسع بعد التطورات الثورية المعروفة بـ”الربيع العربي” في سنوات ما بعد 2011.

    في غضون ذلك، غيّرت الحرب السورية خارطة المنطقة السياسية والعسكرية، وكان لظهور أكبر جماعة إرهابية في التاريخ (داعش) في العراق، وبداية الحرب الأهلية في اليمن (2013)، عامل لبروز قصة تحالف إيران ونفوذها في الدول العربية.

    وفي العقد الماضي، وفي إطار الدفاع عن الأطراف المقربة منها، أوعز الساسة في طهران بإحداث تحالفات استراتيجية مع العراق وسوريا والحوثيين الشيعة في اليمن. رسمياً، كانت هذه التحالفات الاستراتيجية علاقات ثنائية وفي شكل مصلحة مشتركة، أما الساحة الميدانية فقد كشفت عن جانب ثالث قد انتصف هذه التقربات. جانب اعتبر نفسه “صاحب المنزل” وبالطبع أهم ممثل مهدد من قبل تحالف إيران الاستراتيجي مع كتلة من العالم العربي.

    السعودية والإمارات والبحرين هي الدول الفاعلة التي استحوذت على قيادة الجانب المعارض للتحالفات الاستراتيجية بين إيران ودول العالم العربي المذكورة أعلاه في السنوات الأخيرة، فضلاً عن مصر التي كان لها “منصب” هامشي محدود في تلك الجبهة.

    وعليه، النقطة المثيرة للاهتمام هي أن حلفاء إيران العرب في تلك الفترة الزمنية هم اليوم جزء لا يتجزأ من مشروع السلام العربي، بل ربما العامود الذي قام عليه، لذا يبقى السؤال هنا، هل سيبقى هؤلاء الفاعلون حلفاء استراتيجيين لطهران؟

    ورداً على ذلك، يمكن القول إن قضية احتواء الأزمات ورأب الصدوع في العالم العربي وتقرب دمشق وبغداد من الرياض أو أبو ظبي لم تكن عقبة أمام إيران، بل إن عقبتها المركزية ولا تزال هي “أمريكا”. فطالما أن واشنطن ليست ضالعة في سمفونية السلام العربي، فإن التهدئة الإقليمية ستكون مرغوبة بالنسبة لإيران. بالتالي، يجب أن نستنتج أن السلام العربي الداخلي الذي يتسم بطابع الحد الأقصى من التصعيد سيكون منسجمًا تمامًا مع مصالح ورغبات طهران.

    قد يبدو للوهلة الأولى أن مثل هذه الحجج يمكن تبنيها وإخضاعها للمنطق والواقعية إلى حد كبير، ولكن من خلال النظر بشكل أعمق وخارج الصندوق في المسألة، يمكن القول إن السلام الداخلي للعرب يتسم بخلفيات ضبابية وظاهرة في نفس الوقت، والتي تبين لهم أنه في الساحة الجديدة لطهران، يجب أن تُشرح الاستراتيجات بشكل كامل.

    السلام العربي والجبهة الإسرائيلية

    يمكن أن تكون القضية الأكثر تحديًا لإيران في مشروع السلام العربي الداخلي الجديد هي ملف تطبيع علاقات الدول العربية مع إسرائيل أو ما أصبح يعرف بـ “الاتفاقيات الإبراهيمية”.

    لا يخفى على أحد أن “إسرائيل” هي الخط الأحمر لجميع مبادئ السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية. وعلى عكس نهج طهران، اتخذ العرب بعد عدة عقود من العداء والحرب مع إسرائيل،لتقريب وجهات النظر بينهم وبين ما يسمونه العدو الصهيوني.

    ومع تسارع وتيرة عمليات السلام بين الدول العربية في الأشهر الأخيرة، كثفت إسرائيل جهودها بقيادة بنيامين نتنياهو لتهدئة التوترات مع دول العالم العربي، وانصب تركيزها في المقام الأول على تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية. حدث، سيخلق تحققه أجواء جديدة في علاقات العالم العربي مع إسرائيل.

    على الضفة الأخرى، يبدو أن طهران تمتلك خياران لا ثالث لهما. الأول، غض الطرف عن قضية تفشي “الاتفاقيات الإبراهيمية”، ومتابعة العمل على تنمية مصالحها والارتقاء في تعاونها مع العالم العربي. والخيار الآخر هو أن طهران ستضغط على العرب وتجعل مسألة توسيع التعاون وخفض التصعيد مشروطة بالمتغير الإسرائيلي، أو أنها ستدفع العلاقات إلى الحد الأدنى.

    مما لا شك فيه أن المتغير “الإسرائيلي” سيكون بالغ الأهمية في مستقبل التعاون بين إيران والعرب بعد بداية عهد جديد من السلام العربي الداخلي. بالتالي، يبدو أن استراتيجيي السياسة الخارجية الإيرانية سيكون لديهم أيضًا مسؤولية صعبة في هذا المجال.

    السلام العربي ومسألة الوجود الأمريكي في المنطقة

    مسألة أخرى مهمة في تحديد مصير علاقات إيران مع مشروع السلام العربي الداخلي تتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية. ما هي صلة الوصل بين الوجود الأمريكي في المنطقة ومشروع التهدئة هذا، وهل السلام يعني أن يدير العرب ظهورهم لوجهة نظر التبعية الأمنية لواشنطن، وفي أي اتجاه ستسير العلاقات والروابط العربية مع أمريكا في العصر الجديد بعد السلام الداخلي؟ أسئلة لا بد من الإجابة ورفع الإبهام والضبابية عنها ليتضح بشكل أفضل مستقبل العلاقات الإيرانية مع الدول العربية.

    تقول المعطيات إن مسألة تقليص الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط أمر واضح لا يختلف عليه عاقلان، لكن الاعتقاد بأن مشروع السلام العربي الداخلي هو من دفع عجلة هذا التقليص إلى الأمام أمر لا يتطابق إطلاقاً مع الواقع، فالسلام العربي الداخلي لا يحمل في أجندته نوايا لتبديد الدور الأمريكي في المنطقة فقط، بل إن التوقعات تقول إنه سيعمل أيضاً على تعزيز العلاقات الثنائية بينه وبين واشنطن في المستقبل القريب.

    في الختام، يتطلب رسم مسار صحيح وطويل المدى “للسلام وإحياء الشرايين الاقتصادية وتقليل التوترات الأمنية إلى الصفر” الدخول في قضايا خفض التصعيد والتركيز على التعاون الاقتصادي في الجوانب كافة.

    مما سلف يتضح أن على الاستراتيجيين وصنّاع القرار في السياسة الخارجية الإيرانية النظر في هذه الملفات بعين الاعتبار. فالتوترات والقضايا الأمنية التي ننخرط بها ليست أكثر أهمية من مجالات التعاون والمصالح الاقتصادية المشتركة والتجارة وزيادة العلاقات الدبلوماسية مع بقية الدول. لذا، من البديهي التحرك لتنفيذ إجراءات ومتطلبات جديدة تصب في صالح البلاد وشعبه.

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة