ازمة التاريخ السياسي في العراق منذ الدولة العباسية حتى يومنا، هذا ظاهرة الحاشية المقربة للسلطان والحاكم والوزير ، التي الغت التقاليد وانتجت المدللين واسقطت العروش ، شوفوا اي نظام سياسي، واسالوا من هم في الحاشية ؟ وكيف تصرفوا ؟ والى اين اوصلوا اسيادهم !؟
الحاشية لعينة وملعونة ، تعيش وسط القصور تنمو كما تنمو الطحالب ، تعتاش على مجتمع الاسياد ، فتاكل اولا من بقايا طعام المتسلطين، وما يخلفونه من بقايا، وترتدي ملابسهم التي اصبحت مملة للسيد ، وتركب سياراتهم كي تخدمهم وتوفر عليهم واليهم الوقت ، وتتنصت على احاديثهم و تسمع حوارات نساءهم وبناتهم وترتمي تحت الاقدام اولا اولا ، لحين ما تعرف نقاط ضعفهم وعوامل سقوطهم ، وتعي ازماتهم ، وتعرف مخابئ اموالهم وخزائنهم ومفاتيحهم ، وتقدم كل ما يسّهل حياتهم ،، و متعهم ، حتى تحترف وتتلبس حياتهم ، اسلوبا ً و سلوكا ، فتشبه بهم ، بعد أن تدرك نواقصهم ، ومتعهم وتدرك عيوبهم وتختبر قوتهم وتعي ضعفهم ،لتشاركهم حياتهم وتفرض وجودها اليومي في عوالمهم، وتندس في مكاتبهم وغرف نومهم وترتب ملابسهم ومقتنياتهم وتنتزع ثقتها منهم ، وتعشعش في خيالاتهم وتحول دون معرفتهم للعالم الخارجي المحيط بهم ، حتى تصبح طبقة عازلة بينهم وبين الجمهور ، محذرة ومنذرة وموجهه لسلوكهم تخيفهم متى ما تشاء وتمنعهم من التواصل عن اقرب المقربين لهم، ببواعث واسباب ومسوغات عديدة ، حتى تأسرهم وتحيطهم بشباكها وتلفهم بين اذرعها وتنتزع منهم كل قوتهم وتحول دون تفكيرهم في الحياة والاخر وتلغي قدرتهم على التفكير ، وتخرج عقولهم من رؤوسهم ، وتمتهن ارادتهم وتؤكد لهم بان : لا معنى لحياتهم من دون الحاشية، الانيسة الشريكة المؤنسة ، التي تفبرك الحلول وتجدول الاوقات وتمنع وتحول دون رؤية اناس قد تتحدد مصائرهم ومسؤليتاتهم ، بقرار أو بالرأي ، دون موافقة ورضا الحاشية التي تصور الاهمية وتكبرها اًو تلغيها ، فهي لا تقيس الامور إلا بمستوى رغباتها و مصالحها وشهواتها ، التي تجعل رجال السلطة اسرى وعبيد عندها، في المحصلات ، يمارسون شهواتهم من خلال حاشية السوء في الغالب التي ادمنت الكذب والكبر وتلاعبت بعقول الاسياد على مراحل وتسلسلات تاريخية ،.
كنت ومازلت دائما انبه بل اخشى المدللين، ممن تجعلهم السلطة مميزين دون جدارة ، ومقربين دون حق ، وتقدمهم الحاشية وتصنعهم كحقائق في اذهان الناس ، الذين يسترضونهم ،
وظاهرة المدللين في السلطة اثبتت بعشرات الشواهد بانهم الاكثر قربا للخيانة والتأمر والبيع في اللحظات الحرجة ، لانهم انتهازيون يملكون القرار ويحترفون التامر ،
الحاشية من مضحكين وشركاء القصور والخدم هم اكثر استفادة من الاوضاع الشاذة وعالم الفوضى التي تجعلهم نافذين في المجتمعات ، والمتسببين دوما بسقوط الانظمة والعروش ، والمفاجات الكبرى في حياة اسيادهم لحظة الانقضاض .
اما لماذا يلجأ رجال السلطة ونساؤها لامتلاك الحاشية فان ذلك من اصعب الاسئلة واخطر الاجابات ، حين تفكك الظاهرة التي تؤول الى مركبات النقص لدى المتسلطين ، ممن يحتاجون الى مهرجين يغطون على اعمالهم ويثيرون الفوضى ، من جهة ، ومن جه اخرى فان الحكام والسلطة تحتاج الى ادوار تسد الفراغات الكثيرة في الدولة ، وتحتاج الى ثقافة موالين للحاكم اكثر من كفاءات من المحكومين الذين يعرفون القرارات الصحيحة والتدرج المهني ولا يقولون دوما نعم بل يقولون ( لا ) من اجل المصلحة العامة التي هي مصلحة الحكام الذين استوطنهم الكبر والغرور ، ومجانبة القرارات المستقلة . حتى لحظات السقوط المدوي ،
عند ذاك يدركون ماذا فعلت بهم الحاشية والى أين اوصلتهم ، في مشهد الانقضاض عليهم لنهب اموالهم ومقتنياتهم ،
فلات ساعة ندم ، وما أكثر النادمين يوم لاينفع الندم .