في العراق، یبدو أن مفھوم المعارضة لم یحقق تمثی ًلا حقیق ًیا حتى في فترة ما بعد إسقاط نظام صدام حسین عام 2003. یثار السؤال: ھل ھناك فعلاً معارضة في العراق، أم أن ما یجري ھو تجارة جدیدة تبنت شعارات المعارضة؟ للإجابة على ھذا السؤال، یجب أن نلقي نظرة على تجاربنا السابقة في مجال المعارضة، سواء قبل عام 2003 أو خلال تشرین عام 2019.
نجد أن حركة تشرین لا تزال تعاني من انقسامات شدیدة حول المشاركة في الساحة السیاسیة الرسمیة. على الرغم من وجود نواب مستقلین، وصو ًلا إلى 55 نائ ًبا، ھناك أحزاب أخرى تدعي التأیید لحركة تشرین، بما في ذلك امتداد وإشراقة كانون. ومع ذلك، مرت امتداد بصدمة عندما حدث خلاف بین نوابھا وأنصارھا حول التعامل مع الأحزاب السیاسیة القائمة. ورفض نواب امتداد وإشراقة كانون، جن ًبا إلى جنب مع مجموعة كردیة تؤید الإصلاح، المشاركة في التصویت لانتخاب الرئیس الجدید.
لاحظنا أن المظاھرات المناھضة للنظام في تلك الفترة وصلت إلى ذروتھا بین عامي 2019 و2020، ثم تراجعت بسبب تداعیات جائحة كوفید-19 والعنف الذي تعرض لھ المتظاھرون، وھو العنف الذي ُیزعم أن بعض عناصر الأحزاب شاركت فیھ.
في النھایة، یبدو أننا لم نشھد معارضة حقیقیة في العراق. تلك الجماعات التي ُتطلق علیھا اسم المعارضة لم تكن في الأساس معارضة حقیقیة، ولم تتمیز بأنھا جماعات عراقیة بالمعنى الحقیقي للكلمة. كان ما یجمع ھذه الجماعات ھو “كره صدام حسین” والرغبة في التسلط على المناصب والثروات. وكان وراء ذلك تحقیق أجندات دولیة متعارضة، حیث كانت الصیغة الزمنیة “الأخوة الأعداء” تلعب دو ًرا مؤق ًتا. كانت العلاقة بین أمیركا وإیران مثا ًلا ح ًیا على ھذه الأجندات المتعارضة. في نظر أمیركا، كانت إیران ُت َعد محور الشر في العالم، بینما في عیون إیران، كانت أمیركا ُت َع ّد الشیطان الأكبر.
بین المشاركة والمعارضة والشعارات، لا یوجد تشابھ. إنك إما مؤید للواحدة أو غیر مشترك في أي منھا. ومع ذلك، یمكن أن یسمح السیاسیون والمرشحون لأنفسھم بالانحیاز وتكوین التحالفات، وھذا أمر طبیعي یراعیھ السیاسیون نظ ًرا للصراعات التي یستندون إلیھا لبناء قواعد الجمھوریة. ھذا ُیظھر أنھم لیسوا “سیاسیین حقیقیین”.
تواجھ أزمة التحالفات تحدیات جمة ووصلت إلى ذروتھا بالصراعات العدیدة بین التیار والأطراف الأخرى. ومع ذلك، قام زعیم التیار الصدري بالتراجع ولم یعرف لحد الآن سبب انسحابھ من الساحة السیاسیة. تبقى ھذه الخطوة محیرة، وما یمكن أن تحملھ الفترة المقبلة یثیر التساؤلات. حیث أصدر بیا ًنا لجماھیره
اعلن فیھ الولاء ویتحدث عن البصمة بالدم، وینتظر ما سیحملھ المستقبل.
تلك المستجدات تشیر إلى تصاعد التوترات وقد تنجم عنھا مواجھات مع من یسعى لتحقیقھ في الاستحقاق الانتخابي. یمتلك التیار استقرا ًرا سیاس ًیا نسب ًیا حال ًیا، والتعدیلات والخدمات تجري ھنا وھناك تحت قیادتھ. ولكن ھل سیمر تغییر الوزراء والمدراء بدون فوضى؟ وھل سیكون إقرار الموازنة كاف ًیا لرضا الشارع العراقي؟ جمیع ھذه الأمور تشغل العراقیین مباشرة. ھل سنشھد عودة للشعارات والمعارضة مجد ًدا، أم ستستمر التحالفات والتلون السیاسي الذي یمتاز بھ الشعب العراقي على مدى العشرین عا ًما الماضیة.، یعتمد ذلك على السیاق والتطورات المستقبلیة. لكن الحقیقة التي یجب أن نواجھھا ھي أن العراق لم یشھد معارضة حقیقیة قویة بعد إسقاط نظام صدام حسین، وھذا ُیظھر ضعف التنظیمات والقوى السیاسیة التي ادعت التمثیل للمعارضة.
لتحقیق مستقبل أفضل للعراق، یجب أن یكون ھناك تعاون وتوافق حقیقي بین الأطراف المختلفة، وأھمیة تحقیق تمثیل فعال لجمیع الشرائح والمكونات في المشھد السیاسي. یجب أن یكون ھناك التزام ببناء دولة ُتحترم فیھا حقوق الإنسان وتتبنى مبادئ العدالة والشفافیة، وھذا یمكن أن یشكل الأساس لظھور معارضة حقیقیة قویة تسعى لتحقیق تطلعات الشعب العراقي.
كمواطنین، یجب علینا مراقبة التطورات السیاسیة بعنایة والمشاركة بفعالیة في العملیة الدیمقراطیة لضمان أن یتم تمثیل مصالحنا وتحقیق تقدم دائم. العراق یمتلك إمكانیات كبیرة وشع ًبا متعدد الثقافات والأعراق، وبالتعاون المشترك یمكن تجاوز التحدیات وبناء مستقبل أكثر استقرا ًرا وازدھا ًرا