دكاكين بيع البحوث
ح.س صاحب مكتبة قرب كلية الآداب في الباب المعظم طلبنا منه عن طريق أحد طلبة الماجستير ان يعد لنا بحثاً جاهزاً باللغة الانكليزية من اربعة فصول: فقال انه يحتاج الى ثلاثة اشهر لإعداد البحث وطلب مهلة أسبوع للتباحث مع الاساتذة ومعرفة طلباتهم في ما يخص الأسعار، وقد خمّن سعر البحث بشكل مبدئي بحدود الـ(32 )ورقة من فئة المئة دولار، بعد ان طلب بعض المعلومات عن عنوان البحث والتفاصيل التي تخص كتابة فصول الرسالة، والكيفية التي يمكن ان تكتب بها خطة البحث.
في مكتبة أخرى ليست بعيدة عن الاولى طلب صاحب المكتبة (ابو دعاء) ان نحظر له رسالة مشابهة بشرط ان تكون قد تمت مناقشتها قبل العام 2003، وهو سيتكفل بباقي التفاصيل مع بعض الاساتذة المتخصصين بشرط ان يتكفل صاحب الرسالة (بالاستبيان) الجزء العملي من الرسالة وهو الشرط نفسه الذي طلبه (ح.س) صاحب المكتبة الاولى، لكنه قرر مدة كتابة الجزء النظري بشهرين وبسعر نهائي (3 )آلاف دولار أميركي، وعلل سعره غير القابل للتفاوض بسبب الوقت الاضافي بإعادة الكتابة مرة أخرى بسبب تصحيحات المشرف على رسالة الطالب التي ربما تأخذ وقتاً ليس بقليل، ثم طلب (عربون) نصف المبلغ المتفق عليه، وبعد انتهاء الفصل الأخير وموافقة المشرف على جميع فصول البحث يتم تسديد باقي المبلغ.
أساتذة ومشرفون
الدكتورة فائزة احمد محمد صاحبة الاختصاص الوحيد في فقه اللغة الحاسوبي والاحصائي وفقه اللغة الجنائية في العراق قالت: هذه المكاتب شجع عملها غياب الرادع القانوني ولابد من غلقها وتحويل اصحابها للقضاء، لانهم يسهمون بهدم عملية التعليم في العراق من خلال بيع الشهادات لغير مستحقيها، فهناك من الاساتذة من لايستطيع ان يكتشف سرقات الطلبة الذين يشرف على أطاريحهم، بالنسبة لي كمشرفة انا اتابع مابين السطور لكاتب البحث واتتبع مصادره التي اعتمد عليها في الكتابة، واستطيع ان اكتشف من خلال متابعتي وتدريسي للطالب مستواه الحقيقي والاسلوب الذي يمكن ان يكتب به، لكن البعض من المدرسين للأسف لايعير لهذا الموضوع أهمية مما يشجع على ممارسة هذه الاساليب من قبل بعض الطلبة، وفي هذا الامر اسقاط لهيبة التعليم العالي والجامعات والدولة العراقية بأكملها، واستغربت الدكتورة احمد ان يمتهن اصحاب المكتبات مثل هذه الاعمال التي لاعلم لهم بتفاصيلها لولا وجود أيادٍ خفيةٍ تساعد في هذا الموضوع، وإلا كيف يمكن لمكتب ان يعلق لوحة يبدي فيها استعداده لكتابة بحوث الترقيات وبحوث السمنر والدراسات العليا وبحوث الدراسات الاولية للتخرج من مرحلة البكالوريوس، والبعض من هؤلاء يأخذون بحوثاً كاملة من الانترنت وينسبها لنفسه، داعية الى ضرورة ان تشكل لجان من قبل وزارة التعليم العالي تقوم بمحاسبة المكاتب المخالفة وإغلاقها ومعرفة أسماء الاساتذة المتعاونين مع هذه المكاتب، لان العملية في أصلها تخريب للتعليم في العراق، ولم تستبعد الدكتورة فائزة ان تكون خلف العملية بعض الأجندات الخارجية التي تريد ان تخرّب كل شيءٍ في العراق، مبينة ان من يتعلم ويحصل على الشهادة بهذه الطريقة لا يستطيع ان يعلم ويدرس أجيال المستقبل، فمستواه الضعيف لايؤهله لان يستفيد حتى من الخبرة لسنوات في التدريس، مشيرة الى وجود أسباب عديدة شجعت على شيوع هذه الظاهرة، منها قبول بعض الطلبة غير المؤهلين للدراسات العليا وكثرة حالات التزوير والفساد التي مكنت هؤلاء الاشخاص من بلوغ مقاعد دراسية لايستحقونها، مبينة ان من حق الانسان ان يكون له طموح مشروع ويمكن ان يكافح بالوسائل المشروعة لبلوغ ما يصبو اليه وضرورة مساعدته من قبلنا كأساتذة، فعلى الأستاذ الجامعي دور أكاديمي يعطي فيه الاستاذ المادة العلمية و دور تربوي نصقل من خلاله شخصية الطالب ونصنع منه إنساناً ناجحاً يستطيع ان يصل الى طموحه المشروع بجهده الشخصي، مؤكدة ان الاستاذ القدير يستطيع ان يكتشف بسهولة البحوث والرسائل المسروقة او تلك التي كتبت من الغير، لأنه يعرف مستوى وأسلوب الطالب الذي يدرسه لسنة كاملة ويشرف على فصول رسالته سواء كانت للماجستير او الدكتواره، الا اذا اراد هو ان يغض الطرف او يتغاضى عن الموضوع بأكمله وهذا الامر وارد ايضا لكنه عند البعض القليل من الاساتذة وليس الجميع.
ضعف مستوى المقبولين
الدكتور زهير محمد علي استاذ اللغة والصرف في كلية التربية ابن رشد قال: هذه واحدة من الجزئيات لمشكلة كبيرة تخص الواقع العام في البلد واذا اردنا ان نخصص واقع التعليم ونجعله في اطار الدراسات العليا فقط، فهذه الجزئية هي نتيجة طبيعية بسبب ما لدينا من مشاكل في الدراسات العليا، اولى هذه المشاكل واهمها هي آلية القبول فهي آلية غير صحيحة، ومنْ ثمَّ فإن بعض الطلبة الذين يقبلون في الدراسات العليا لايتمتعون بإمكانيات ومميزات تؤهلهم لان يكونوا طلبة دراسات عليا، مبينا ان قبول غير المؤهلين سيقود الى اتباعهم لأساليب ووسائل غير صحيحة من اجل الوصول الى غايتهم في الحصول على الشهادة، واشار محمد الى امكانية بعض الاستاذة المشرفين على الطلبة في كشف طلابهم، لان الاستاذ المشرف على الطالب يستطيع ان يتعرف على اسلوب وامكانية الطالب وقدرته على الكتابة، فعندما يأتي المكتوب بأسلوب عالٍ والطالب ضعيف ولايفهم او يستوعب ما مكتوب فحتما سيكتشف الاستاذ ذلك، لكن الكثير من المشرفين لايؤدون واجبهم الشرعي والوطني الصحيح ويتركون الطالب يذهب حيث يشاء ولايجتمعون به لعدة اشهر، و بسبب قلة التواصل بينه وبين الطالب لايتمكن من اكتشاف الخلل في اسلوب الكتابة، اما ما يخص المكاتب التي تبغي الحصول على المكاسب المادية فهي وجدت الفرصة سانحة بعد ان اصبح هناك طلبة كثيرون يبحثون عمّن يكتب لهم، وبذلك قامت هذه المكاتب بتوفير البضاعة التي يحتاجها الطلبة، لكنها ليست قادرة على ان تكتب في جميع الاختصاصات، مؤكدا تعاونها مع اساتذة متخصصين وقد يكون البعض من اصحاب النفوس الضعيفة ويحاول الحصول على مكاسب مادية بطرق خفية وملتوية لايمكن ان يكتشفها احد فحتى الطالب لايعرف اسم الاستاذ الذي يقوم بكتابة البحث.
وزارة التعليم العالي
مدير عام دائرة البحث والتطوير في وزارة التعليم العالي الدكتور محمد السراج تحدث قائلا: موضوع الدراسات العليا موضوع شائك جداً سواء كان على مستوى الماجستير او الدكتوراه وحتى على مستوى الدبلوم، فنظام الدراسة في الماجستير والدكتوراه نظام كورسات ونظام بحث، وهذه الدراسة تقسم على قسمين؛ الدراسات الانسانية والاختصاصات العلمية، في الاختصاصات العلمية تكاد تكون عملية الاستكتاب غير موجودة، لوجود جانب عملي وطبيعة البحث بالاختصاص العلمي معقدة من ناحية ترتيبه وبنيته العلمية والبحثية، أما في الاختصاصات الانسانية فمعظم المعلومات يمكن ان تجدها في الانترنت، ووجد البعض طرقا جديدة للحصول على المعلومة لتغذية بحوثهم، واعتقد ان هذا الامر موجود لكن لاتوجد نسبة محددة لهذه الحالات، لكن لدينا نوع من السيطرة في هذا الموضوع وهو المقوم العلمي الذي سيناقش ويحدد قبل المناقشة هذا البحث ويقرر ما إذا كان هذا البحث قد أخذ من الانترنت او لا من خلال خبرته ومن ثم لجنة المناقشة، وبين السراج ان الامتهان ليس في الدولة العراقية فقط وانما في معظم دول العالم، فقد وجدنا بعض البحوث في اللغة الرومانية والروسية غير مترجمة للغة الانكليزية وحتى العالم لايستطيع ان يكتشفها لأنها لم توثق بالإنكليزية وتنشر على مواقع البحث العلمي في العالم مثل (سكوباس) وغيرها من المواقع الاخرى، ولذلك فان الاستاذ او المشرف لايستطيع ان يكشف أيّاً من هذه البحوث اذا كانت لم تترجم وتوثق لأنه لن يجدها في اي موقع لأن لغة البحث العلمي في العالم هي اللغة الانكليزية، مشيرا الى ان وزارة التعليم العالي من جانبها عالجت اول مشكلة وهي البحوث التي تنشر داخل العراق بعد توثيقها على الانترنت وقد أكملنا 204 مجلات تتضمن 51400 بحث لغاية العام 2006، والمرحلة الثانية هي توثيق جميع رسائل الماجستير والدكتوراه، حتى يستطيع كل مشرف ومناقش من دخول النظام وكتابة كلمات محددة من اي بحث ليعطي تفاصيل كاملة تمنع من تشابه او استنساخ الموضوعات نفسها، واكد مدير عام دائرة البحث والتطوير وجود برنامج في المجلس العراقي للاختصاصات الطبية يفحص أي بحث علمي باللغة الانكليزية ويعطي نسبة الاستلاب، وهذا النظام لايكلف سوى 10 الاف دولار ، وممكن ان نطبق هذا الامر في الدراسات الانسانية فمعظمها يكتب باللغة العربية، كما يوجد جانب اخر وهو البعد البحثي للاختصاصات الانسانية فهو في معظمه كتابة في حين ان الدراسات العلمية اغلبها تحليل نتائج واجهزة، فتجد من الصعب ان يأتي شخص ويكتب بحثا علميا، لكن في الدراسات الانسانية يوجد من المثقفين باختصاصات معينة من يستطيع ان يكتب حتى وان لم يكونوا من اصحاب الشهادات العليا، وبين السراج ان المسؤولية تقع على عاتق الجميع في وزارة التعليم العالي والجامعات التي تسمح لبعض اصحاب المكاتب ممن يمتهنون كتابة بحوث رسائل الماجستير والدكتوراه، ويضعون لافتات على جدران الكليات، وكذلك مسؤولية الإعلام وجميع أجهزة الدولة والمسؤولية الكبرى تقع على التدريسيين والاساتذة في الجامعات.