الشرق الأوسط… مأساة أميركية منتظرة

    وكنتيجة لاتفاق مؤقت أُبرم في نوفمبر الماضي في جنيف، لا تخشى إيران حتى فرض عقوبات اقتصادية دولية. ولا يرى الرئيس السوري ولا إرهابيو «القاعدة» في سوريا أي احتمال لتدخل أميركي ملموس. والضغط الرئيسي الذي يمارس في الشأن الفلسطيني الإسرائيلي يقع على إسرائيل، وهي أقوى حليف إقليمي لواشنطن حتى الآن.

    وكما سيرد هنا، فإن المساعي الدبلوماسية الثلاثة لأوباما تقوم على أخطاء ومن شبه المؤكد أنها ستفشل. ثم ماذا سيحدث بعد ذلك؟ فالفشل في أحد المساعي سيئ إلى حد كبير، لكن فشل المساعي الثلاثة سيكون مدمراً. وليست إجابة أن نقول إنه ربما يجري التوقيع على اتفاقات. فتغطية الفشل بقطعة من الورق لن يغير شيئاً. والاتفاق الإيراني المؤقت، على سبيل المثال، ليس نجاحاً جزئياً، ببساطة لأن انهياره في وقت لاحق سيكون بسبب سوء التطبيق وكفى. ودون التقاء حقيقي للعقول لن تكون هناك صفقة حقيقية لأن استعلاء إيران واضح للغاية. والانهيار القادم للدبلوماسية الأميركية ليس تكهناً فارغاً عن مستقبل بعيد. فتراجع نفوذنا واضح بالفعل على مستوى العالم، وعندما تنهار المفاوضات الثلاث جميعاً في الشرق الأوسط، سينهار التأثير الأميركي بشكل أكبر. والأصدقاء والخصوم على السواء يعيدون تقييم سياساتهم وفقاً لهذا، وخاصة لأن الأسباب الكامنة في الفشل الثلاثي المنتظر سوف تنشر المشكلات وسوء الطالع في أماكن أخرى. وكان من الممكن تفادي الفشل الحالي لأوباما، لو وجد زعيم أقل تنظيراً وأكثر عملية وصاحب رؤية واضحة يستوعب القوة والمصالح الأميركية ويعرف كيف يستخدم القوة ليحمي المصالح بدلا من الوقوع في أخطاء أوباما المحورية.

    وأول أخطاء أوباما يتمثل في سوء قراءة الخصم. فلم يظهر قط أي احتمال لأنْ تتفاوض إيران بشأن التخلي عن قدراتها النووية التي عملت عليها منذ ما يقرب من 30 عاماً. وأظهرت الجهود التي بذلت أثناء إدارتي كلينتون وبوش الابن كيف استغلت إيران ببراعةٍ المفاوضات للحصول على مشروعية سياسية ولكسب الوقت لمواصلة العمل على برنامجها النووي وتفادي عقوبات دولية. واتبع روحاني تحديداً هذا النهج بينما كان كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين قبل عشر سنوات. وهو يفعل هذا حالياً كرئيس للجمهورية الإيرانية.

    والخطأ الثاني يتمثل في عدم معرفة الخصوم. فقد جادل أوباما على مدار سنوات ثلاث بأن روسيا تشاركه هدفه في انتقال سلمي من نظام الأسد في سوريا إلى شيء آخر. وهذا ليس صحيحاً. فدعم موسكو للأسد، وأيضاً إيران بشكل مباشر وعبر «حزب الله»، ضمن للرئيس السوري البقاء حتى الموت. وكان بوسع الولايات المتحدة إما أن تساعد المعارضة السورية أو تعالج جذر المشكلة المتمثل في نظام رجال الدين الحاكم في طهران. لكن إدارة أوباما لم تجنح لأي من الخيارين. وقبول أوباما بالحل الملتبس الخاص بالتخلص من الأسلحة الكيماوية السورية أثار الضحك أو الفزع بشأن ضعف البيت الأبيض.

    والخطأ الثالث يتمثل في عدم معرفة الأصدقاء. فالفلسطينيون يفتقرون لمؤسسات حاكمة مشروعة وقادرة على اتخاذ قرارات صعبة بما في ذلك تقديم تنازلات كبيرة وحلول وسط والتصدي لـ«حماس» والإرهابيين الآخرين. ودون هذه المؤسسات لا يمكن التوصل إلى حل طويل الأمد. والتفاوض مع السلطة الفلسطينية أقل أهمية من التفاوض مع خيالات ثلاثية الأبعاد. لكن الغريب أن أوباما يعامل إسرائيل كما لو أنها المشكلة.

    وعدم فهم هذه الحقائق أو استشراف عواقبها يعرقل قوة الولايات المتحدة ويثبط همم كل حلفائها ويزيد خصومها جسارة. والانهيار القادم لمفاوضات أوباما الثلاثة سيقنع الحكومات الأجنبية أن سياسات الرئيس الأميركي تكتب على واشنطن قدر اضمحلال نفوذها في الشرق الأوسط. ولأن المظاهر تمثل واقعاً في السياسة الدولية، فقدرة أميركا على التأثير في الأحداث تتراجع بشكل أكبر، كما يحدث في مصر على سبيل المثال، حيث تعود السياسة المصرية إلى أيام ما قبل السادات وتشتري أسلحة من روسيا. وعلاوة على هذا، فهناك كلفة هائلة لعدم التركيز على التهديدات في أماكن أخرى مثل مزاعم الصين التي تلوح بالحرب زاعمة أن لها حقاً في بعض المناطق في مياهها الساحلية. وربما تخرج إيران أكثر قوة وأقرب إلى امتلاك أسلحة نووية يمكن إطلاقها، بينما ستواصل في الوقت نفسه تمويل وتسليح الجماعات الإرهابية على امتداد العالم. والأسد سينجو فيما يبدو، وهذا سيىء بحد ذاته، لكن الأسوأ هو ما يمثله الفشل من تأكيد على قوة الإيرانيين والروس. وستتقلص ثقة إسرائيل في واشنطن. ومن المثير للسخرية، أن الفلسطينيين سيكونون أكثر عداءً للأميركيين لأن أوباما لن يستطيع أن يقدم لهم التنازلات الإسرائيلية التي توقعوها. وربما يؤدي تصور حدوث فشل كبير بهذا الشكل إلى إيقاظ أوباما وأميركا ككل، لكن هذا غير مرجح فيما يبدو. والخطر الأكبر هو أن الوعي قد لا يعود إلا بوقوع كارثة أخرى على غرار هجمات الحادي عشر من سبتمبر. هناك مأساة تنتظر بلادنا إذا استمرينا في هذا المسار.

     
    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة