اتصل بي احد الاصدقاء وطلب مني ان نخرج الى أي مكان لغرض الترويح عن نفسه لأنه يعاني من حاله ضجر وحزن لا يستطع معها البقاء في البيت ، وبعد ان التقينا في حديقة عامه ، لاحظت علية علامات الحزن والقلق والتوتر والهم وحينما سألته عما يعاني منه؟ قال لي بأنه لم يعد يطيق الحياة وروتينها اليومي المتمثل بالعمل وواجبات البيت والاسرة واخبار العالم من حروب ودمار وقتل ووحشية ، وقد وجدت ان ما يعانيه صديقي اليوم هو ما يعانيه الاف الاشخاص ، وهذا الموقف لابد ان نضعه موضع النقاش والاستشارة، وهل هذه الاعراض هي اعراض مرض الاكتئاب؟ . ام انها مشاعر طبيعية يمر بها اغلبنا. وهذا يدعونا الى ان نفهم ما هو عليه من حالة .
وبعد البحث واستشارة المختصين وجدت ان مرض الاكتئاب مرضاً نفسياً يختلف عن حالات الضيق التي يمر بها البعض بين الحين والاخر. فالإحساس المؤقت بالحزن هو جزء طبيعي من مجريات الحياة اليومية التي لا نعرفها ، الا أذا افصح الانسان عنها ، في حين الاكتئاب هو احساس بالضيق والانقباض لا يرتبط مطلقاً مع أي مؤثر خارجي يتعرض له الفرد، واخطر ما في الامر ان اسباب الاكتئاب قد تكون حقيقية على ارض الواقع ، او قد تكون وهماً يسيطر على الفرد.
فهناك احداث ومواقف في حياتنا يمكن ان تسبب لنا الحزن، كوفاة انسان عزيز علينا ، او خساره مادية، الرسوب في الامتحان ،او عدم تحقيق هدف نصبو اليه. ورغم هذه المواقف فأن الاشخاص الاصحاء يستطيعون ان يصمدوا امامها ويتعاملون مع احاسيس الحزن بشكل صحيح لا يؤثر على مجريات حياتهم .اما مرض الاكتئاب فأنه من الامراض المنتشرة في العالم وتشير الاحصائيات الى ان نسبته اكثر انتشاراً من مرض ارتفاع ضغط الدم في الدول المتقدمة . ففي امريكا يوجد نحو عشرة مليون شخص يعانون من مرض الاكتئاب ،.كما انه يأتي ترتيبه بعد القلق من حيث الانتشار.
وقد تبدو اشكال الاكتئاب مختلفة من شخص الى اخر، فهناك اشكالاً عامة تتمثل في الشعور بالحزن والتوتر بصفة عامة وانعدام الرغبة في اداء الاعمال البسيطة التي كانت ممتعة من قبل ويصاحبها تغير في الشهية مع اضطرابات في النوم والشعور بالذنب وضعف الثقة بالنفس و حالات من الضجر والاعياء والشعور بالتعب وعدم الاستقرار، والافكار السلبية عن الموت والميل الى الانتحار.
وقد يشعر الانسان العادي ببعض هذه الاعراض ولكنه ليس معنى ذلك انه مصاب بالاكتئاب، اما اذا استمر الشعور بهذه الاعراض لفتره طويلة فمعنى ذلك انه يعاني من الاكتئاب ، وهنا تبرز الحاجة الى التدخل الطبي للشروع في العلاج والشفاء من تلك الاعراض المرضية . و يجب ان ننظر الى الحياة بكل ما تحمله من مصاعب ومتاعب وهموم ، فهنا ينبغي ان ننظر الى الحياة بكل ابتلاءاتها نظرة نفسية الاسلامية حتى نستطيع اجتيازها ، اذ نهى الاسلام عن الحزن وخاصة الحزن الشديد لأنه يؤدي الى القنوط واليأس والحث على تعزيز الايمان بالاستعانة بالله سبحانه وتعالى ، لأن احب الاشياء الى الشيطان ان يحزن الانسان ليمنعه من اداء اعماله وتعطيله عن اداء مهام الحياة ، فالحزن لا فائدة منه وقد استعاذ منه رسولنا الكريم محمد صل الله عليه وعلى اله وسلم بقوله (اللهم اني اعوذ بك من الهم والحزن).
فعلينا جلب السرور والانشراح وسؤال الله الحياة الهنية والعيشة الرضية وصفاء البال وان نؤمن ان السعادة هي في طاعة الله والقرب منه ، وان اجمل اللحظات هي تلك التي تكون فيها قريب من الله وتتذوق لذة العبادة والانس مع الله ،.كذلك الصبر على المصائب والشدائد والتكيف معها لحين زوالها ، تشخيص المعتقدات السلبية واستبدالها بمعتقدات ايجابية ، وايجاد افضل الطرائق للتعامل مع المشكلات ووضع الحلول لها حلها . واختيار اهداف واقعية للحياة. زيادة على اشاعة اجواء المودة والمحبة في الاسرة وما يخص المتزوجين البعد عن الشقاق وتبادل اللوم فتكرار هذه المواقف يثقل النفس بالهموم والاحزان ويسبب الكأبة المنزلية ، وان يحرصا على ادخال السرور على الطرف الاخر للإبقاء على الدفء العائلي وتقوية الروابط الحميمة التي تضفي في المنزل السعاده وضرورة تدريب الابناء على الاقبال على الحياة وحب الاخرين ورؤية الجوانب الايجابية والمضيئة من حولنا حتى يكونوا متفائلين وايجابين ومقبلين على الحياة ومستعدين لمواجهة المستقبل.