فمثلما لبنان، فان في العراق مكونات اجتماعية مختلفة تسيطر على المشهد العام للسلطة وعلى مفاصل العملية السياسية، في حين أنّ الاستقطاب السياسي السلبي بات يثقل على المشهد العراقي الراهن، وأصبحت الحدود بين مكونات طائفية وبين مكونات “هوياتية” واضحة المعالم.
وتتفاعل اليوم ديناميكية العلاقات تلك بالتوازي مع سعي أطراف سياسية، ومن بينها “ائتلاف دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، الى البقاء في سدة الحكم، وسط ابتعاد أطراف أخرى، كان أبرزها اعتزال زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر للعمل السياسي، إضافة إلى تحرك الأكراد نحو مستويات أعلى من الاستقلالية، وتشظي قوائم انتخابية لمكونات أساسية من المجتمع العراقي.
ويشير تقرير الجريدة الى تساؤلات مفصلية باتت تفرض نفسها على المشهد السياسي العام في العراق قبيل الانتخابات المقررة في نهاية شهر نيسان المقبل، حيث أنّ فرص إحداث تغييرات ملحّة في الهيكلية “المأزومة” التي رسمت ملامحها بريشة أجنبية أصبحت ممكنة التحقيق في حال تضافرت الظروف المناسبة.
وتبدو “اللبننة” العراقية جلية في توزيع المناصب، فقد شهد العراق خلال الأعوام الأخيرة، منذ سقوط النظام السابق، تحولات في معادلات توزيع السلطة بشكل جذري، حيث تولى مكونان أساسيان، هما الشيعة والأكراد، مناصب رفيعة، وأصبح مثلاً جلال الطالباني الرئيس الكردي الأول للعراق، في وقت عمت حالة القلق عند السنّة، حتى الذين لم يؤيدوا صدام باتوا قلقين على مستقبل تمثيلهم السياسي.
وتزداد الأمور قابلية للاشتعال بدخول البلاد في موسم انتخابات تشريعية. ومنذ الآن تعكس كتل عديدة مكونة للانتخابات تقسيماً على أساس انتماءات طائفية وهوياتية، أي أنّ إشارات حدوث تغيير تبدو شبه منعدمة.
ويعاني العراق منذ العام 2003 من معضلة الملف الأمني، حيث أن التفجيرات باتت تضرب البلد المتعدد الطوائف كل يوم، وهو أمر ينعكس بالتالي على المشهد السياسي المضطرب أصلاً، فيما يتجه لبنان اذا ما تم التصعيد في التفجيرات، الى ذات النحو.
ويرى عضو “التحالف الكردستاني” محمود عثمان أنّ المشهد السياسي في العراق لن يشهد تغييرا كبيراً. ويقول للجريدة إنّ “الاستقطاب الطائفي والتشكيل الجغرافي هو السائد والحكم بأي عملية تغيير قد تشهدها الساحة السياسية صعب”.
من جهته، يقول الخبير القانوني وائل عبد اللطيف، وهو احد الأشخاص الذين كتبوا الدستور العراقي الحالي، إنّ “ما تشهده العملية السياسية من تصدعات ما هي إلا نتاج حكومة المحاصصة أو كما تسمى بالشراكة، الأمر الذي جعل الجو العام متراجعا وسيئا”.
ويتساءل “ما الذي جعل النظام السياسي في العراق من أسوأ أنظمة المنطقة ويتصدر مراتب العالم بفساده؟”، مضيفاً “لا أرى إجابة لذلك سوى أنّ المتصدين للعملية السياسية هم السبب”.
ويعتبر عبد اللطيف أنّ القوى السياسية المهيمنة سجلت “فشلاً كبيراً” في قيادة الدولة “وأمام الشعب العراقي فرصة ذهبية لإحداث التغيير، ونأمل أن تكون الانتخابات شفافة، ونأمل أن تكون الحكومة المقبلة تكنوقراط بعيدة عن الأحزاب السياسية وتقتصر على 15 وزيراً كما نص على ذلك الدستور، لا أن يكون توسيعها ترضية للكتل والقوى السياسية”.
ويصرّ الخبير القانوني العراقي في حديثه على أنّ المشهد “منذ العام 2003 وإلى الآن أشار بوضوح إلى أنّ الدول الإقليمية تساهم في المشهد السياسي، فالعراق ممزق، وابتعدنا عن دولة المواطنة واتجهنا إلى دولة مكونات، وابتعدنا عن الوحدة الاجتماعية وبدأنا نتأثر بالتغيرات الإقليمية، وهذا ما جعل العملية السياسية فاشلة”.