في التحليل البنيوي للمركَّب الحضاري… محمد عبد الجبار الشبوط

    اولا، اصل المصطلح:
    انني استعير مصطلح “المركَّب الحضاري”، بفتح الكاف وتشديدها، من السيد محمد باقر الصدر (١٩٣٥-١٩٨٠)، وهو غير مصطلح “المركِّب الحضاري” بكسر الكاف وتشديدها الذي استخدمه الكاتب الجزائري مالك بن نبي (١٩٠٥-١٩٧٣) . لكن السيد الصدر لم يذهب الى التفصيل الذي ذهبت اليه لعناصر المركب الحضاري. نعم، تحدث السيد الصدر عن عناصر المجتمع وهي برأيه ثلاثة عناصر هي: الانسان، والارض، والعلاقة المعنوية التي تربط الانسان بالانسان من جهة، وتربط الانسان بالطبيعة من جهة ثانية. وعن هذه العلاقة قال ان لها صيغتين: الصيغة الثلاثية والصيغة الرباعية، والاخيرة هي المسماة قرانيا بالاستخلاف. واستخرج الصدر هذا كله من الاية التالية:”وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً”. (البقرة ٣٠) (للتفصيل راجع المحاضرة الثامنة من محاضرات التفسير الموضوعي للقران التي القاها الصدر في يوم الاربعاء ١١ جمادى الاولى من عام ١٣٩٩).
    وحسب اطلاعي، فان الصدر تحدث لاول مرة عن “المركب الحضاري” في مقدمة الطبعة الثانية لكتابه العظيم “اقتصادنا”، في سياق حديثه عن التنمية الاقتصادية في العالم الاسلامي حين دعا الى التفتيش عن “مركب حضاري قادر على تحريك الامة وتعبئة كل قواها وطاقاتها للمعركة ضد التخلف”، واحسب انه كان يقصد بذلك “الاسلام” الذي كان قد ذكره في افتتاحية العدد الاول لمجلة “الاضواء” النجفية في حزيران ١٩٦٠ بوصفه الشرط الاساسي لنهضة الامة” حيث كتب يقول:”ان الشرط الاساس لنهضة الامة -اي امة كانت- ان يتوفر لديها (المبدأ) الصالح الذي يحدد لها اهدافها وغاياتها ويضع لها مثلها العليا ويرسم اتجاهها في الحياة” مؤكدا ان هذا الشرط الاساسي متوفر لدى الامة “متمثل في دينها التسلامي العظيم”.
    اما مالك بن نبي (١٩٤٨) فقد جعل “مركِّب الحضارة” مؤلفا من ثلاثة عناصر هي: الانسان، التراب، الزمن. وواضح ان هذه العناصر تلتقي بعناصر الصدر بامرين هما: الانسان والتراب (او الارض). وعرف مركب الحضارة بانه “العامل الذي يؤثر في مزج العناصر الثلاثة بعضها ببعض”. وهو يقصد “الفكرة الدينية التي رافقت دائما تركيب الحضارة خلال التاريخ”. (شروط النهضة، ص ٤٦، من الطبعة العربية ١٩٨٦)
    اما انا فقد جعلت عناصر المركب الحضاري خمسة وهي: الانسان، الزمن، الطبيعة، العلم، العمل. لانه بدون العنصرين الاخيرين لايمكن للعنصر الاول ان يصنع الحضارة حتى لو توفرت الارض المناسبة والزمن الكافي.
    ثانيا، بنية المركب الحضاري:
    يقول الدكتور عادل فتحي ثابت عبد الحافظ في كتابه “النظرية السياسية المعاصرة” (٢٠٠٦) ان التحليل البنيوي يقوم بالكشف عن موقع كل جزء من الكل وحجمه وعلاقاته بغيره من الاجزاء التي تشاركه نفس الكيان (ص ١٦٦). وبناء عليه فاننا يمكن ان نتصور نموذج التحليل البنيوي للمركب الحضاري مؤلفا من اربع دوائر كما يلي:
    الدائرة الاولى: وهي التي تمثل النواة او القلب في المركب الحضاري وتتألف من الانسان.
    الدائرة الثانية: المحيطة بالانسان تتالف من الطبيعة والزمن. وهي التي تمد الانسان بالمواد الاولية للنشاط الحضاري.
    الدائرة الثالثة؛ تتالف من عنصري العلم والعمل والذي يمثل نشاط الدائرة الاولى (الانسان) في الدائرة الثانية (الطبيعة والزمن). ومفهوم ان الترابط بين العلم والعمل اساسي في تحقيق النهضة الحضارية.
    الدائرة الرابعة: وتتألف من منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري والتي تمثل مؤشرات السلوك وقواعده واهدافه وهي بالنتيجة تحكم وتوجه سلوك الانسان (الدائرة الاولى) في الدوائر المختلفة للمركب الحضاري بما فيها الانسان نفسه. وقد قدم السيد صدر مثالا عن دور القيم في توجيه السلوك حين تحدث عن دور الاسلام بوصفه منظومة قيم في تحديد هدف التنمية الاقتصادية حيث بين ان التنمية الاقتصادية هي “هدف طريق لا هدف غاية”، وهي “وسيلة يؤدي بها الانسان الاسلامي دور الخلافة”. (اقتصادنا ص ٦٣٤-٦٣٥).

    #الدولة_الحضارية_الحديثة

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة