يشهد عالمنا المعاصر تَحول الانظمة السريع من الدكتاتورية الى الديمقراطية ، ويفهم الكثير منا خطاءاً ان بناء الديمقراطية ينحصر بمجرد إزالة نظام وإقامة نظام آخر مكانه ، او على وفق مقياس يوضع لتحديد ما هو ديمقراطي او ما هو يبتعد عنها ، ان الديمقراطية في احد صورها الواضحة تتضمن الحرية . والحرية في مجتمعنا العربي لا تنفصل عن تراث الامة الذي احد ركائزه الدين ، فتحول المجتمع الى الديمقراطية ينبغي ان لا ينسى هذه الركائزو يقابله مهام جديدة على التربية وتظهر تلك بوضوح في التربية الاسلامية ، بل ينبغي تبني سمة التحول في المجتمع الى تعزيز التربية الاسلامية بعيدا عن التعصب والاضطهاد ،وجعل نمو الوازع الديني لدى الابناء ينمو ويتطور مستفيدا من هذا التحول الذي منح الحرية في نمو كثيرمن الممارسات الممنوعة بعدما كان النظام الدكتاتوري يفسر أي اهتمام بالدين هو ضد حركة المجتمع ، فالفرصة قوية الان لاستثمار هذا التحول لصالح التربية الاسلامية الصحيحة والتي تعتمد العقلانية المستنبطة من الاحاديث النبوية الشريفة :مثل الدين المعاملة وحب لأخيك ما تحب لنفسك . والمدرسة خير مكان لاستثمار هذا التحول بدءاً من المرحلة الابتدائية ، اذ تستقبل الأطفال في السادسة من العمر، وفيها يحاول الطفل إشباع حاجته المتنوعة، وتظهر رغبته بشكل اكبر نحو اكتساب الخبرات والمهارات التي لم يألفها سابقا، وهذه الخبرات التي خارج التعليم الرسمي قد تكون إيجابية أو سلبية، وتحاول المدرسة جاهدة تصحيح الأخطاء التي سبق ان تعلمها الطفل وتعزيز ممارسة الصحيح من الأفعال و الأقوال.
إن هذه العملية لا تتم من فراغ بل من خلال أهداف مرسومة مسبقا ومناهج دراسية تخضع بين الحين والآخر للتقويم بأشكاله المتنوعة علاوة على ذلك فأن القائمين على التربية لا يألون جهدا في انتقاء المعلمين الأكفاء ، فضلا عن الاهتمام باستكمال تأهيلهم عن طريق تزويدهم بالخبرات الجديدة لما له من دور أساسي وبارز في عملية التعليم والتعلم بوصفه حلقة اتصال بين التلميذ والمنهج.
فينبغي بمن يعمل بالتعليم ان يكون خير قدوة للتلميذ لانهم يحاكوه في أفعاله ويمكنهم ان يتحملوا قدر من المسؤولية وان يفهموا التناقض في الأقوال والأفعال وعلى المعلم أن يتجنب التناقض بين الفعل والقول ويجب اتباع وسيلتي الثواب والعقاب لدفع التلاميذ إلى الفضائل وتحذيرهم من عواقب الرذائل.
وتحديد الأفعال الفاضلة والأفعال السيئة وتحديد ما هو جميل وقبيح والتفريق بين الحلال والحرام وان يكون ذلك مفهوما وواضحا في أذهان التلاميذ.
ويتفق التربويون على ان المعلم هو أحد العوامل الرئيسة المؤثرة في سلوك التلاميذ وشخصياتهم ان لم يكن أهمها وانه جزء لا يتجزأ من البيئة المدرسية وبدونه لا يمكن تحقيق مواقف تعليمية جديدة وتقع على عاتقه مسؤولية نجاح المدرسة وأهدافها.
ولكي يؤدي المعلم مهمته على النحو الأكمل لابد ان تتهيء له المناهج الدراسية ، إذ تعتمد التربية في تطبيق خططها وبرامجها على المنهج المدرسي لأنه يمثل العمود الفقري للتربية وتبعا لهذه الأهمية كان لابد لأي نظام تربوي ان يتبنى منهجا مدرسيا معينا يستطيع ان يعكس الفلسفة التي يؤمن بها من اجل تربية الناشئة على أسس سليمة مدروسة يستطيع في ضوئها ان يبلور شخصية التلميذ من النواحي العقلية والجسمية والانفعالية ليكون المعلم بموجبها قادرا على ان يؤثر إلى حد كبير في شخصية تلاميذه محققا نمو متكاملا لديه. ,وتحقيق اهداف التعليم على وفق ما يتضمنه النظام المدرسي .
فرسالة المدرسة هو تحقيق النمو السليم للتلاميذ و تحقيق أهداف المجتمع وهذا يتطلب عملية منظمة لان كل المجتمعات على وجه الأرض مهما كبرت أو صغرت ومهما كانت بسيطة أو معقدة لا تترك تربية أفرادها تتجه بحسب المصادفة والأهواء ففي ذلك ضرر كبير عليها وعلى كيانها وبقائها ولابد ان يكون هدف أو جملة أهداف ضمنية تسعى تلك المجتمعات لتحقيقها ويمكن التأكيد على رسالة المدرسة من خلال التربية الإسلامية التي تسعى إلى سعادة الفرد في الدنيا والآخرة مصداقا لقوله تعالى (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) (سورة القصص ،اية 77).
إن المدرسة حينما تهتم بالتربية الإسلامية تنطلق من المفهوم الإسلامي العظيم لتلك التربية والمتضمن التخلي عن الأوصاف المذمومة والتحلي بالأوصاف الحميدة فهي تتعلق بالعقل وتقوية للجسم وتزكية للنفس وتطهير القلب دون اهمال أي من القوى على حساب قوة أخرى فهي عملية توازن وتناسب وتناسق وانسجام بين قوى النفس وعلاقتها بالله سبحانه وتعالى والكون والحياة والناس جميعا.
ولو تأملنا حديث الرسول محمد صلى الله عليه وعلى اله في خضم هذا العالم المتغير نجد مدى أهمية السيرة النبوية لنا كدليل حياتي اذ ورد في الحديث النبوي الشريف (ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة ولا الآخرة للدنيا ولكن خيركم اخذ من هذه وهذه)
ونحن نعيش تحولات في مجتمعنا نتيجة للتطور التكنولوجي وعصر المعلوماتية وثقافة الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي وأجهزة الفيديو وأجهزة الستالايت التي أضحت في الغرف الخاصة في البيت وخاصة في غرف النوم وما يعرض في تلك الزوايا البعيدة عن الرقابة الأسرية من أفلام يندى لها الجبين وتمهد للانحراف والرذيلة يتطلب من المدرسة ان تهتم بالتربية الدينية التي تعد أسمى أنواع التربية أكثرها عطاءاً للإنسان فالتربية الدينية تهدف إلى تحقيق النمو الروحي والتهذيب النفسي وتنمية السلوك وتعويد النفس على العادات الصالحة والأخلاق الفاضلة والمثل الكريمة.
إن التربية الإسلامية تؤكد على ان كل ما في الإسلام من تشريع وتوجيه وارشاد إنما يقصد به أعداد الإنسان ليكون عبدا خالصا لله لا لأحد سواه ولهذا كان روح الإسلام وجوهره التوحيد الذي معناه ان يعلم الإنسان لا اله ألا الله وان يفرده تعالى بالعبادة والاستعانة فلا يشرك به أحد ولا يشرك معه شيئا وهذا يتم من خلال التمسك بالقرآن الكريم لأنه كتاب الله كتاب تربية وتوجيه مهمته إنشاء الأمة المؤمنة التي تنشد الأخلاق الفاضلة.
ووصفت الآية الكريمة (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) ( سورة ال عمران ،اية 110).
إن المدرسة لو تمسكت بالقرآن الكريم في مناهجها الدراسية ليس بطريقة تكرار الآيات دون الفهم المبني على المعرفة بل دراسة علمية فان ذلك يسهل على المدرسة بناء الإنسان الصالح لان ذلك هدف يسعى القرآن أليه لكونه يحدد مواصفات هذا الإنسان بدقة ووضوح ويرسم المنهج الذي يتضمن ان اكرم الناس هو التقي الورع ووصف ذلك ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) (سورة الحجرات ،ايه 13).
إن التركيز وزيادة اهتمام المدرسة بالتربية الإسلامية في هذا العصر يعد ضرورة ملحة لتواكب التغيرات السياسية والثقافية والاجتماعية وتواجه الحملات التبشيرية التي تحاول النيل من الإنسان المسلم و تعوق مسيرة بنائه وتدفعه من الانحراف والالحاد .
لذلك فالمدرسة الابتدائية مطالبة اليوم اكثر من قبل بالاهتمام بتدريس التربية الإسلامية ليكون درسا ذا اهمية لا يعتمد التدريس التقليدي الذي يركز على تلقين القيم الدينية على مستوى الإلقاء والانفعال والحفظ والاستظهار دون محاولة ترجمتها إلى سلوك وممارسة يومية ، أننا نسمع هنا وهناك أصوات تتداول في الكتب ووسائل الأعلام مفادها الدين لله والوطن للجميع نحن ليس ضد مضمون هذه الفكرة بل ضد أسلوب تسويق هذه الفكرة لأبناء المجتمع بطريقة تجعل الفرد يعمل ما يشاء فلا يختلف من يمتلك البصيرة على ان الوطن أغلى من الروح والدين اعزمنها.
إن ترك الإنسان يفعل ما يشاء تحت عناوين مختلفة مرة باسم الحضارة وتارة أخرى باسم التطور، وتارة تحت عنوان الحرية وحقوق الانسان وبدون ضوابط تتلاءم مع خصوصية المجتمع الاسلامي ، ونسمع ما يردده البعض بالقول ان الدين أفيون الشعوب يجعل مجتمعنا المسلم على حافة الهاوية لو جنح التفكير الانساني الى تبني هذه الفكرة ، دون التفحص ان الإسلام يمتلك التسامح والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية والانضباط والنظام لذا نوجه دعوتنا إلى مدارسنا ان تهتم بموضوع التربية الإسلامية وتعطيه أهمية لا تقل عن الدروس الأخرى وان تعيد النظر في عملية تدريسه وربطه في الحياة ، وتدريس التربية الاسلامية في هذا العالم المتحول يتطلب بذل الجهود الكبيرة والتركيز على المعاملات مثلما التركيز على العبادات ، وانتقاء الاحاديث النبوية والآيات الكريمة التي تحض على الاخوة والتعايش السلمي دون الاستسلام لرياح التحول التي يرى البعض اسكات كل ما هو اسلامي ، بل استثمار هذا التحول الذي اعطى مساحة واسعة من الحرية في بناء الشخصية السليمة التي تخدم المجتمع وتسهم في تطوره