جلست طويلاً وأنا مطرقة الرأس ، مشوشة بكل ما أسمع وأرى من التناقضات المحيطة بالملف الانساني لنساء غزة ، أردت أولاً أن أصف واقع حال تلك النساء ، فقلت لنفسي – لنستشعر معاً كوامن هذه المرأة ولنصفها – ثم نتفق على ما يجب أن يقدم لها – وممن – وكيف – ولكني أنا الحاصلة على شهادة الدكتوراه في القانون الدولي الانساني – حائرة من أين أبدأ – وأشعر أنني لن أكون منصفة إن جعلت من مقالتي مهنية حرفياً – وأن أول من سأظلمه هو نفسي ، إن تحدثت بصوت الحقوقية قبل ان أصرخ بصرخة المرأةالمنكوبة ..نعم فالواجب الشرعي يأمر والضمير الانساني يملي والشعور يوعز لي بأن اتوقف عن كبت ثورتي بداخلي وأنا أرى أخواتي يتهاوين قتلا وتشرداً وحرماناً وفقداناً للأحبة ..
تعد المرأة من ثوابت الزمان والمكان في هذا الكون ، إن أنهارت ستنهار المنظومة الأنسانية والاجتماعية والوجودية للمكان سواء كان بيتاً او قرية او مدينة او دولة او قارة او الكرة الارضية برمتها .. أو حتى قلبا صغيراً بحجمه كبيراً بحبه – فقد خلقنا الله سبحانه – النصف المسبب للوجودية والمغذي للنصف المقابل لكي يصلح سبباً للوجودية – الرسالة التي فهمها نبينا الكريم فتسابقت مع انفاسه الاخيرة لفظات الوصية بهن خيرا ، كأكبر حدث أنساني منصف وحامٍ للمرأة ..
كلنا متفقون وهم يعلمون أن الدين عند الله هو الإسلام وإن ما جاء به النبي الأممي يجمع كل ما جاء به الانبياء والرسل من قبله .. وبذلك لن أوجه رسالتي لمن يقود الآلة الحربية .. فالعدو ليس بمسلم رغم ان أصل اليهودية هو الاسلام – بل أوجهها لأخواتي في كل بقاع العالم أولاً ، ولمن يعدون وفق شريعتنا أولياء أمورنا .. وأقول.. إن كان القلم قد رفع وجفت الصحف في أمر السلم والسلام في شرقنا الأوسط – لا سامح الله – فهل يعني أن تسحق معه جميع الاعتبارات والعقود الاجتماعية والإنسانية على المستوى الدولي الانساني _ وهل على كل امرأة في هذا الكون أن تقلق من أن تصبح يوماً ما بموقف كموقف نساء غزة ؟ لقد افقدتمونا لآمننا وأماننا بمواقفكم السلبية من حماية تلك النساء .. وهل سنكون بنفس القدرة والأيمان والصبر الذي هن عليه اليوم ؟ هل علينا أن نسألهن كيف جمعن كل ما هن عليه لمواجهة هذا اليوم ؟ وهل سيمنن علينا بالآجابه التي ستريح ضمائرنا ؟
أمام هذه الاسئلة لا زلت أفكر فينا وليس فيهن ، ولا زلت أهرب من مواجهة نفسي بهول وفاجعة ما يحصل لهن ..
أمهات فقدن مثنى وثلاث ورباع وخماس من فلذات أكبادهن .. يا الهي ! متى يتوقف أنين تلك المرأة الذي يقض مضجعي من أسابيع وهي تقول للعالم كله – نمنا ونحن بخير وفجأة كل شئ ذهب – ذلك الصوت المرتجف ، الوهن ، المتوسل للحصول على إجابة او أو ربما معجزة الهية بالعودة لما قبل الفاجعة – وهي – حاملة فقيديها على ذراعيها.. هل تودون وصفًا أدق؟ كانت البنت على الذراع الايمن والولد على الذراع الايسر، وكان الأب قد سبقهم في الارتقاء ، بعد أن عملا المستحيل لإنجابهما.. أما هي فأضحت وحيدة من ثلاثة سلبوا منها دون سبب ، من ثلاثة بشق الانفس حصلت على أحضانهم وأنسهم في تلك الحياة الباردة المخيفة ، متاكدة من آنكن تتعذبن مثلي وانتن تراقبن ظهورها بين الحين والحين وتشعرن بنارها تتأجج أكثر وأكثر وهي فريسة الشوق والوحدة والشعور بالقسوة والوحشية من اناس لا تعرفهم ولا يعرفونها سوى رقماً آدمياً لشعب يجب آن يباد – وفقًاً لقوانينهم في البقاء ..
، فهل تقدرون حجم الأستهداف لأسباب وجودية هذا الكون – بتشييدهم لسحابة الحزن العملاقة وهي تتكاثف وتتسع لتغيم بسوادها على سمائنا وتغطي بريق سبب وجوده ..
ان استهداف نساء غزة واطفالها – أمر جلل – فيه عصيان لأمر الله سبحانه في قتل النفس النقية دون وجه حق – وأن عدم الدفاع عنهن فيه جحود لوصية نبينا الكريم بالخير لهن والرفق بهن ، وفيه خرقاً للقوانين الدولية ابتداءاً من اتفاقيات جنيف في حماية المدنيين اثناء الحروب ومروراً بمعاهدات حقوق النساء والاطفال وانتهاءاً بمنظومة قرار مجلس الامن الدولي رقم 1325/2000 والذي بمناسبته اتساءل هل لا زال مجلس ألأمن الدولي والامين العام للامم المتحدة يطالبوننا بمؤشرات ومقاييس العمل بمرتكزات هذا القرار ؟ وأعجب ان كان ذلك حاصلاً ..
من منبري البسيط كحقوقية وباحثة تدافع عن حقوق الفئات الهشة ، أدعو الى توحيد الصوت النسائي العربي والمسلم والمطالبة بتدويل الجرائم التي تنتهك بحق نساء وأطفال وشيوخ غزة .. ونطالب بفصل قضية وأسباب الحرب بين الجانبين عن قضايا أنتهاك الحقوق الانسانية واختراق القانون الدولي الانساني بألةٍ حربية عمياء غير مسيطر عليها
،
الدكتورة فاتن الحلفي