الدكتورة أروى محمد الشاعر* أَيَا غَزَةَ

    فِيكِ تَبْدَأُ وَتَنْتَهِي الْحَكَايَاتُ
    عَجِزَ الْصَبْرُ عَنْ صَبْرِكِ
    اخْتَزَلْتِي قِصَصَ كُلِّ الْبَطُولَاتِ
    غَرَزُوا فِي قَلْبِكِ خِنْجَرًا
    فَأَشْعَلَ نَبْضُكِ ثَوْرَةً
    كَبَلُوا شَعْبَكِ فِي قُيُودِ السُّجُونِ
    فَصَنَعْتِ تَارِيخَ مَلْحَمَةِ النُّهُوضِ
    صَوْتُكِ يَصْدَحُ فِي كُلِّ مَكَانٍ
    صَبْرُكِ إِيقَاعٌ لِأَنَاشِيدِ الْأَحْرَارِ
    تَكْتُبِينَ مَجْدَكِ بِنُقُوشٍ مِنْ أَسَاطِيرِ الزَّمَانِ
    تَرْوِينَ حِكَايَتَكِ بِالدُّمُوعِ وَالْمَسَرَّاتِ
    تُعَانِقِينَ الْحُرِّيَّةَ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ
    تَدُبُّ فِي شَعْبِكِ رُوحُ النُّبُوَّةِ مِنَ الْأَعْمَاقِ
    كَالرُّسُلِ فِي صَبْرِهِمْ تَتَجَدَّدُ قِصَصُ الْأَنْبِيَاءِ
    عُذِّبوا وَقُتِلُوا فِي سَبِيلِ الْحَقِّ الْمُبِينِ الْوَضَّاءِ
    حَمَلُوا الرِّسَالَةَ وَأُمْنِياتِ كُلِّ الْأَحْرَارِ
    زَرَعُوا فِي أَرْضِكِ بُذُورَ الْعِزَّةِ وَالْجَنَّاتِ
    مَا قِيمَةُ الْعُذْرِ يَا عُصْفُورَتِي الْجَرِيحَة
    وَعُذْرَنَا مِنْكِ يَئِنُّ وَيَخْجَلُ
    مِنْ شَعْبٍ بَيْنَ الرُّكَامِ يُقْصَفُ وَيُقْتَلُ
    يَا مَدِينَتِي الْمَفْجُوعَة
    هَلْ حُزْنُنَا مِنَ الْبُعْدِ لَكِ مُنْقِذٌ
    وَنَحْنُ تَنْتَظِرُ قَرَارَاتٍ مِنْ هَيْئَةِ الْأُمَمِ
    كَالْأَغْنَامِ نُسَاقُ وَرَاءَ الْخُضُوعِ لِلْمَذِلَّةِ
    يَا غَزَّةَ يُونُسَ وَيُوسُفَ وَالْخَنْسَاءِ
    فِيكِ يَتَشَابَكُ الصَّبْرُ وَالْحُزْنُ
    بِأَلْوَانِ الْبَطُولَاتِ وَالتَّضْحِيَاتِ
    تَكْتُبِينَ أَسْطُورَةً بِدَمِ الشُّهَدَاءِ
    وَنَحْنُ نَكْتُبُ الْقَصَائِدَ بِنَزِيفِ الْمِدَادِ
    عَلَى سُطُورِ الْعَجْزِ وَالْأَلَمِ
    لَا نَعْرِفُ إِلَّا الْيَكَاءَ نَقُولُ لَا نَفْعَلُ
    نَزِفُّكِ بِالدُّمُوعِ إِلَى أَقَاصِي الْفَجْرِ
    وَنَحْنُ نَنَامُ تَحْتَ لِحَافِ الْخِزْيِ وَالْعَارِ
    يَا غَزَّةَ هَلْ سَتَغْفِرِينَ لَنَا صَمْتَنَا؟
    تَجْتَاحُنَا الْمَخَاوِفُ كَأَمْوَاجِ بَحْرٍ هَائِجٍ
    تَائِهِينَ بَيْنَ حَقِيقَةِ الْقَهْرِ وَالتَّخَاذُلِ
    نَبْدُو أَحْيَاءً لَكِنَّنَا أَمْوَاتٌ
    دَعِينَا نَمْلَأُ رُوحَنَا بِالْقُوَّةِ وَالنُّورِ
    هَلْ أَطْفَالُكِ رِجَالٌ وَنَحْنُ الْأَطْفَالُ؟
    طِفْلٌ يُسْأَلُ مَاذَا تَحْلُمُ أَنْ تَكُونَ عِنْدَمَا تَكْبُرُ
    فَيَجِيبُ نَحْنُ نَمُوتُ قَبْلَ أَنْ نَكْبُرَ
    نَكْتُبُ أَسْمَاءَنَا عَلَى أَيَادِينَا كَيْ يَعْرِفُونَنَا عِنْدَمَا نُقْتَلُ
    وَآخَرُ يُسَابِقُ عُقَارِبَ الزَّمَانِ… يَقُولُ كَبِرْنَا قَبْلَ أَنْ نَكْبُرَ
    فِي غَزَّةِ الْحَزِينَةِ
    صَوْتُ قَنَابِلٍ وَصَرْخَةٌ فِي الْمَهْدِ
    ثَكْلَى تَنْزِفُ الْأَوْجَاعَ
    تَلْبِسُ حُلَّةَ الشَّجَاعَةِ وَالْجِرَاحِ
    تَرْثِي أَبْنَاءَهَا بِصَبْرِ الْخَنْسَاءِ
    تَحْمِلُ صُوَرَهُمْ بِدُمُوعِ الْآلامِ
    تَهْتِفُ بِأَسْمَائِهِمْ وَبِضِيَاعِ الْأَحْلامِ
    وَلَا مُجِيبٌ مِنْ تَحْتِ الْأَنْقَاضِ
    تَبْحَثُ عَنْ ضَحِكَاتِهِمْ أَيَّامَ الْأَعْيَادِ
    بِأَنَّاتِ اللَّوْعَةِ تَرْوي فَاجِعَةَ الْمَأْسَاةِ
    عَنْ قِصَّةِ مَحْرَقَةٍ وَأَسَى الزَّمَانِ
    وَفِقْدَانِ فُلْذَاتٍ بَيْنَ نَارِ الرِّكَامِ
    تَرْتَجِفُ أَجْسَادُهُمْ فِي حَضْرَةِ الْوَدَاعِ الْأَخِيرِ
    يَسِيلُ دَمُهُمْ يُنَادِي الْوِجْدَانَ
    يَسْتَغِيثُ الرِّكَامُ فَوْقَهُمْ بِأَنِينٍ يُنَاجِي
    وَيَنُوحُ عَلَى آلَامِهِمْ وَغِيَابِ الضَّحِكَاتِ
    مَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَةٍ بَيْضَاءَ تُبْصِرُهُمْ
    كَرُؤَى حُلْمٍ طُفولِيٍّ إِلَى الْجَنَّاتِ تَحْتَضِنُهُمْ
    حَيْثُ يَتَبَدَّدُ الْأَلَمُ فِي مَدَارِجِ النَّقَاءِ
    وَمِنْ رَحِمِ الْأَرْضِ تُزْهِرُ بُذُورُهُمْ
    أَشْجَارُ زَيْتُونٍ وَبُرْتُقَالٍ وَشَقَائِقِ نُعْمَانٍ
    كُلُّ غُصْنٍ يَسْرُدُ قِصَّةَ أَلَمٍ تَلَامِسُ السَّمَاءَ
    فِي كُلِّ دَمْعَةٍ مَجْزَرَةُ هُولُوكُسْتٍ فِلَسْطِينِيَّةٍ
    وَمَعَ كُلِّ نَسْمَةٍ تَرْنِيمَةُ حُزْنٍ إِلَاهِيَّةٍ
    تُسْتَبَاحُ أَرْضَ الْأَنْبِيَاءِ وَتُنْهَبُ
    يَنْطِقُ الْحَجَرُ وَالشَّجَرُ مِنْ شِدَّةِ الْأَهْوَالِِ
    تَخْتَفِي الْأَفْرَاحُ فِي بُيُوتِ الْأَشْجَانِ
    يَا مَدِينَتِي المُفْجُوعَة
    أَيْنَ الْعَدَالَةُ فِي زَمَنِ الْأَوْجَاعِ وَالضَّيَاعِ؟
    يُقَدَّسُ الْعُدْوَانُ تُحَاكُ الْأَكَاذِيبُ
    مُحْتَلٌّ يَقْتُلُ دِفَاعًا عَنْ النَّفْسِ
    وَشَعْبٌ يَمْضِي لِلْحُرِّيَّةِ يُتَّهَمُ بِالإِرْهَابِ
    يَمْتَدُّ غَضَبُ الشُّعُوبِ فِي كُلِّ مَكَانٍ
    وَنَحْنُ نُصَفِّقُ لِحُكَّامِ الزَّمَانِ
    نَلْوِي رُؤُوسَنَا لَهُمْ وَنَنْحَنِي
    نَسِيرُ بِبُطْءٍ عَلَى إِيقَاعِ التَّخَاذُلِِ
    نَبْصُرُ ظَلَامًا فِي حَدَقَةِ اللَّيْلِ
    وَأَنْتِ يَا غَزَّةُ تَبْصُرِينَ فِي نُورِ الشَّمْسِ
    مَلَامِحُكِ نَسِيجٌ مِنْ أَلْوَانِ الْجَنَّاتِ
    تَغْزِلِينَ مَلْحَمَةً مِنَ الصُّمُودِ وَالْكِبْرِيَاءِ
    أَبْطَالُكِ مَضَوْا إِلَى دَرْبِ الْمَخَاطِرِ
    بَيْنَ شَغَفِ الْحَيَاةِ وَأَنْفَاسِ الْمَوْتِ
    فَإِمَّا حَيَاةُ عِزِّ وَفَخْرٍ
    وَإِمَّا مَمَاتٌ يُنِيرُ مَسَارَ الْغَدِ الْبَهِيِّ
    أَرْوَاحُهُمْ تَحُومُ في كل مكان
    تُعَانِقُ مَلَكُوتَ السَّمَاءِ
    تَنْهَضُ فِلَسْطِينُ كَالْعَنْقَاءِ مِنْ جَدِيدٍ
    تُرَاقِصُ بُزُوغَ الْفَجْرِ
    وَتَزِفُّ بُشْرَى النَّصْرِ

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة