المكان مظلم وهادئ يبدو اصطفافنا مرتب جدا كقبور منتظمة
اخذنا نتهامس في ما بيننا كل واحدة منا تخبر جارتها عن رحلتها واين كانت قبل أن تأتي إلى هذه الخزانة (نحن اوراق النقود ).
قالت احداهن أنني كنت يوما ما في هميان عجوز فقير ورغم أنني الوحيدة في هميانه إلا أنه يعدني كنزا من الأموال وكان يحرص عليه أشد الحرص فكم جاع ولم يفرط بي ولكنه اضاعني مع الهميان في أحدى الطرق وأعتقد أنه جن جنونه بعد فقدي .
ثم تنهدت أخرى لتقول لقد كنت بيد سيدة موقرة أتت بي الى الصيدلية فلم أكن كافية لشراء علاج ابنها المريض ، اذكر حين اخرجتني من حقيبتها وهي تبحث عن غيري في تلك الحقيبة رغم أنها متأكدة أن لا نقود غيري في حقيبتها ، ترقرق الدمع في عينيها وهي تناولني للصيدلي قائلةً : لا بئس اعطني الضروري من العلاج فرد عليها كله ضروري فما كان منها إلا أن اشاحت بوجهها عنه كي لا يرى دموعها وبعد أن كفكفت دمعها قالت : اعطني جزءا منه على قدر نقودي ففعل .
ضحكت احدانا لتقول أنا والكثير مثلي كانت مهمتنا أن نمطر !
أثارت انتباه الجميع متعجبين من قولها وكيف تمطرن واي مطر هذا الذي تقصدين ؟
سكتت قليلا ثم قالت : نحن كنا بخزانة اكبر من هذه بكثير وكانت تلك الخزانة لاحد الأثرياء جلبني أنا والكثير من اقراني من الأوراق النقدية معه لملهى ليلي فجعل يرمينا رزماً إلى الاعلى فنسقط إلى الأرض كالمطر .هههه قهقهت بسخرية وقالت : أن اثر حذاء إحدى الرقصات لازال مطبوعا على وجهي .
وبصوت أجش سمعنا ورقة نقدية تقول : أما أنا فكنت في جيب رب العمل ولا انسى كيف استغل ذلك العامل الفقير وكيف كان يهينه ويحمله أكثر من طاقته ، أتعلمن ؟
لقد سمعت العامل البائس يقول لزميله في العمل أنه يأخذ اجره عند انتهاء النهار ليطعم أطفاله الجياع وان لديه طفلة مريضه ويتمنى لو أن أجرته اكثر حتى يجمع القليل من المال ويذهب بطفلة إلى الطبيب ، اخر النهار أخرجني ذلك الجشع الانتهازي من جيبه ليناولني للعامل المسكين وبيدين نحيفتين متسختين ترتعشان جوعا وتعبا تناولني ذلك العامل ووضعني في جيبه بحرص .
وبعد قليل من السكوت نطقت ورقة نقدية أخرى لتقول أما أنا فرحلتي عجيبه كنت بجيب أحد الفقراء وكان بأستطاعته أن يشتري بثمني طعاما لعياله ولكنه فكر في أنه لو اشترى طعاما ليوم واحد سيجوع عياله في اليوم التالي ففكر ملياً ثم نهض ليقصد المعبد فيعطيني لاحد الكهنة لعله يدعو له بالرزق الوفير ، استلمني كاهن شاب من يد ذلك الفقير وهو مبتسم ووعده أنه سيدعو له بالرزق والمال الكثير ثم صرت في جيب الكاهن ولم البث كثيرا لقد انفقني الكاهن على شرب الخمر إذ أنه يعاقر الخمر سراً .
كنت استمع لهن وهن يتكلمن عن رحلاتهن وتقلبهن في جيوب الناس وأيديهم فوقفت احكي حكايتي ولكنني سمعت خشخشة تبدو لمفاتيح الخزانة ، فتحت الخزانة ورأيت يدين مجعدتين تبرز عروقهما تستلمنا رزماً ولا نعلم اي رحلة سنذهب بها ، صفنا في حقيبة ثم حملنا وركب سيارته متوجه لحي فقير ثم سمعناه يقول: يجب عليها أن توافق وإلا سأعود ومعي أموالي ، وبصوت ضعيف سمعنا أحدهم يتوسل به أنها موافقة يا سيدي قاطعهم صوت نشيج من إحدى الغرف يبدو لصبية ثم اتضحت الرؤية ، نعم إن رحلتنا هذه هي إلى بيت فقير اضطر أن يبيع ابنته الصغيرة للتاجر العجوز .