الشيخ الوائلي ( رحمه الله ) المعلم والملهم . بقلم سامي التميمي

     

    في الزمن الذي كنت أعيشه كان كل شئ ممنوع ، والمسموح ، فيه قليل جداً وفيه الكثير من المضايقات ، حتى في السفر من بغداد الى أي مدينة تبعد نصف ساعة ، كان لازاماً علينا أن نمر بالعديد من السيطرات للشرطة والجيش والأجهزة الأمنية الأخرى ومنها ( الجيش الشعبي والحزب ) .
    كانت الكثير من الكتب التي نرغب بقرائتها ، غير موجودة في المكتبات ، فكنا نتحدث الى بعض الثقاة ومن الأصدقاء المقربين وبهمس شديد ( هل يوجد كتاب لفلان أو علان ) من الكتاب العراقيين والعرب ، أما بالنسبة لمحاضرات شيوخ الدين ، فالأمر صعب للغاية وفيه مخاطرة كبيرة ، لأن أي وشاية قد تنهي حياتك ( بالأعدام أو السجن ) .
    منذ صباي كنت معجباً ومستمعاً لخطب الشيخ الوائلي ومن خلال ( الكاسيت ) رغم منعها من النظام البعثي اللعين ، وكنت أحيانا أسمعه من خلال بعض القنوات الأذاعية أو التلفزيونية غير العراقية . وبصورة مشوشة تارة تأتي وتارة تذهب .

    في التسعينيات بعد أن أطبق الحصار اللعين فكيه على الشعب العراقي من قبل حكومة صدام وأمريكا ودول الغرب وحكام الدول العربية الذين كانوا دائما ماتكون خطبهم المزيفة حول ( اللحمة العربية والتكاتف العربي والأسلامي ) .

    كان الوضع يمثل قنبلة موقوتة ، في أية لحظة تنفجر ، مثلما حدث في 1991 في الأنتفاضة الشعبانية التي أجهضت من قبل أمريكا والدول العربية ، لكن يبدو أن بعضهم أشار لصدام ( بأن ضرورة التنفيس ) وفتح الحدود البرية من الأردن وسورية لخروج ممن يرغب بالخروج .

    وبالفعل خرج الكثير من العراقيين الى الأردن وسورية ، ولكن ليس الأمر سهلاً ، فقد يتطلب منك مبالغ طائلة من أجل أوراق السفر وتذاكر السفر . والكثير منا باع أغراضه وحاجياته ومنهم من باع بيته أو سيارته .

    ومثل غيري من العراقيين السفر الى بلاد الغربة يعني ( الأنكسار والهزيمة والضياع ) لأن أرتباطنا بالأرض والأهل وثيق كعشق الحبيب لمحبوبته ، ومن الصعب التخلي عنه بسهولة ، ولكن سنوات القهر والظلم والأستبداد والقسوة والجوع والحرمان ، كانت كفيلة بأن تهرب الى المجهول .

    سافرت الى الأردن سنتين وبعدها الى سوريا أحسست في الأمان في الشام وقرب السيدة زينب ع . وبالصدفة كان حديث الغربة والأوجاع والهم عن الوطن يدور بيني وبعض الأصدقاء وعن الشيخ الوائلي بالذات ، قالوا لي بأنه يأتي كل خميس لزيارة السيدة زينب ع ، ففرحت بهذا الأمر ، وقررت بأن ألتقي به وأتحدث ولو قليلاً معه ، وبالفعل حضر في يوم الخميس وبسيارته ( مرسيديس بنز 250 ) خضراء اللون وكان يقودها سائق خاص موظف من قبل الحكومة السورية ، وموصى من قبل الرئيس حافظ الأسد رحمه الله .

    توجهنا أنا ومعي بعض الأصدقاء بأمل أن نحضى برؤيته وللسلام علية وكان محاط بكثير من المعجبين والمحبين له ، وطلبنا معه صورة تذكارية ، فحدثنا بهمس وبروح أبوية صادقة قال ( يا أبنائي أخاف عليكم من الصور لكي لاتصبح دليلا عليكم وتساقون للأعدام ) .

    لم نبالي بذلك وقررنا بأخذ صورة مع المعلم والملهم الكبير الشيخ أحمد الوائلي . لأننا تربينا على أحاديثه وخطبه .
    ومنذ ذلك الحين ، لم نفرط في أي مجلس أو ندوة أو مهرجان يحضره الوائلي .
    لم أنسى ذلك الألق والبهاء والفخر ، عندما حضرت مهرجان في السيدة زينب ع ، وبالصدفة حضر الرئيس حافظ الأسد رحمه الله وكان الشيخ الوائلي حاضر وجالس ، فتقدم له سلم عليه وعانقه وأخذه من يده وأجلس بجنبه ، حينها خنقتني العبرة ونزلت دموعي ، وشعرت بأن العراق كله حاضر معي في تلك القاعة .

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة