ونفى الزهيري في اتصال مع «الحياة» أمس، وجود أي تداول لمصطلح «ولاية حزب الدعوة الرابعة» الذي يعني بالضرورة البحث عن بديل للمالكي، على أن يكون من داخل الحزب نفسه، وأكد في المقابل أن «الجهود منصبة الآن على تأمين ولاية ثالثة للمالكي، فنتائج الانتخابات تدعم هذا الخيار».
وكان الزهيري قاد عام 2010 مفاوضات معقدة شملت دولاً إقليمية وقوى سياسية محلية ومرجعيات دينية، لضمان إعادة تشكيل «التحالف الوطني» الشيعي، واعتبار المالكي مرشحاً وحيداً لهذا التحالف.
لكن هذا المسار يبدو أكثر تعقيداً اليوم، فعلى المستوى الإقليمي تراجع الدور السوري في معادلات اختيار رئيس الحكومة العراقية، كما ضعف الدور التركي، في مقابل صعود، ولو بدرجة أقل، الدور الأردني. وعلى المستوى الداخلي، تبدو العلاقات بين القوى الشيعية في أكثر مراحلها تأزماً، إلى درجة أن هناك ما يشبه القطيعة بين القوى الرئيسية الثلاث، «الدعوة» و «المجلس الإسلامي الأعلى» و «تيار الصدر» ، بالإضافة إلى علاقات متوترة مع إقليم كردستان، وخلاف غير مسبوق في العلاقات مع الجانب السني.
يعتبر الزهيري أن «نتائج الانتخابات التي أفرزت فوز ائتلاف المالكي بفارق كبير، بناء على التقديرات، عن أقرب خصومه، هي المدخل الشرعي لأي مفاوضات لتشكيل الحكومة المقبلة. لكن مرحلة المفاوضات الجدية لم تبدأ بعد، وهناك اليوم نوع من التفاهم الأولي ومحاولة ترطيب الأجواء».
المصادر الدينية في النجف تحدثت إلى «الحياة» عن زيارة الزهيري المرجعية الدينية فور انتهاء الانتخابات، حاملاً رسالة شفهية من المالكي تتضمن تقديم الشكر المرجعية على موقفها المحايد من الانتخابات، لكن الزيارة اقتصرت على المرجعين إسحاق الفياض، ومحمد سعيد الحكيم، فيما امتنع الزهيري عن زيارة السيد بشير النجفي بعد فتواه الشهيرة بتحريم انتخاب المالكي، ولم يوافق المرجع الأعلى علي السيستاني على استقباله عملاً بقراره إغلاق الباب أمام السياسيين.
الواضح أن تجاوز «الولاية الثالثة» عقبة ممانعة المرجعية مازال أمراً غير محسوم، وأن هناك شبه إجماع على ضرورة التغيير، لكن الأطراف المقربة من المالكي ستركز على تحويل حياد المرجع السيستاني من الانتخابات، إلى حياد من «الولاية الثالثة»، وسيتطلب الأمر، على ما يقول مطلعون، اتصالات عبر مقربين من السيستاني لمنع اتخاذ مواقف ممانعة علنية.
التوصل إلى دعم إيراني للولاية الثالثة ليس أمراً صعباً، فالأنباء تؤكد أن قائد فيلق القدس المسؤول عن الملفين العراقي والسوري في القيادة الإيرانية قاسم سليماني، مازال يدعم المالكي، وأنه لا يواجه سوى تحفظات لا ترقى إلى مرحلة الممانعة من الرئيس حسن روحاني، والإصلاحيون الذين يعتقدون بأن بقاء المالكي سيقود إلى أزمات أكبر لطهران، يتحفظون بشكل عام عن السياسة الخارجية التي ما زالت في يد المحافظين، خصوصاً الحلقات المقربة من المرشد علي خامنئي.
على المستوى الإقليمي أيضاً انحسر الدور السوري الذي لعب على جمع سنة العراق وتأييد أياد علاوي لرئاسة الحكومة عام 2010 قبل أن يقتنع علاوي بالتنازل لصالح المالكي.
وتشير المعلومات إلى أن الأردن الذي زاره أول من امس رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، سيكون له تأثير في تعويض الفراغ السوري، باستثمار وجود أبرز الشخصيات السياسية والدينية السنية فيه، في مقابل تراجع للنفوذ التركي.
التوازنات الداخلية العراقية تبدو أكثر تعقيداً من سواها، فالقوى الشيعية الرئيسية التي يمثلها عمار الحكيم ومقتدى الصدر تدرك أن ولاية ثالثة للمالكي ستعني تمكينه وحزبه من ابتلاع قواعدها، فيما إيران ومرجعية النجف على حد سواء، مازالتا تدعمان إعادة تشكيل «التحالف الشيعي» لاختيار رئيس الحكومة، من دون الخوض حتى هذه اللحظة في كيفية حل الأزمات المركبة والعميقة بين تلك القوى، ويطرح حل وحيد للحفاظ على وحدة «التحالف» يتمثل بترشيح طارق نجم، وهو مدير مكتب المالكي وأحد قادة حزبه للمنصب.
بارزاني يواجه للمرة الأولى احتمال انفراط العقد الكردي أمام «الولاية الثالثة»، وهو يدرك أن حزب «الاتحاد الوطني» بزعامة الرئيس جلال طالباني، يهدد صراحة بتأييد المالكي، والحال ينطبق على القوى السنية التي لم تتمكن من توحيد مواقفها المتباينة بين الاندماج في حكومة مركزية قوية أو الذهاب إلى الأقاليم.