يبدو أن الصمود الأسطوري لغزة الأبية، وتكريس جبهات الإسناد المُقاوِمة المؤلم باضطراد لمقولة وحدة الساحات، قد أفقد الكيان الإسرائيلي وداعميه الصواب، فبات يضرب خبط عشواء دون تمييز، وبزاوية 360 درجة هي ذات الزاوية الصفرية التي تدور في حلقة مفرغة ولن تحصد سوى خيبة الصفر المكعب. ويبدو أيضاً أن الفشل الذريع لكل محاولات فصل الساحات من شتى الأطراف وبمختلف صنوف الإغراءات المجزية والتهديدات العنتريّة، قد دفع هذا الكيان المتوحّش إلى مزيد من التوحّش، وفتح النيران بغزارة غير مسبوقة في كلّ الاتجاهات، وحتى على أقدامه الغائصة في أوحال غزة، ورُكَبِه المرتجفة خوفاً من المصير المجهول بعد إعلانه حربه الوجودية “المقدّسة” على العالم أجمع، بما فيهم الأمم المتحدة التي شرعنت وجوده بكافة هيئاتها ومنظماتها الإنسانية والقانونية التي اعتبرها “إرهابية“، بل ومزّق مندوبه الأخرق ميثاقها ورماه في سلّة المهملات أمام ممثّلي دول العالم دون وازع أو رادع. ناهيك عن تهجم قياداته الرسمية حتى على داعميه بلا حدود في الغرب الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة لمجرّد انتقاد تصرّفاته الهوجاء المُحرجة، أو عدم قمعهم بما يكفي لإسكات أية احتجاجات شعبية لمجازره اليومية التي تجاوزت كثيرا “الهولوكست” النازي. أضف إلى ذلك تهديداته الوقحة للحكومات والشعوب العربية والشرق أوسطية قاطبة وبضمنهم المطبِّعين والموقّعين على ما يُسمى “اتفاقيات سلام”، وفق منطق “مَن هو ليس معي فهو ضدّي”، والمَعيّة تعني المشاركة قولاً وفعلاً، أو المباركة والمصادقة، أو اللّواذ بصمت القبور، أو دفن الرأس كالنعامة حيث لا عين رأت ولا أُذن سمعت، وهو الحدّ الأدنى المسموح به.كيف لا، وهو الذي منح نفسه “القدسية” التي يمتلك بها مفاتيح “الجنة” و “النار”، واستصدار “صكوك الغفران والحرمان”؟!
إن ما يرتكبه الكيان وقطعان مستوطنيه المدججين بالسلاح في الضفة الغربية والقدس المحتلة، والذين جعل منهم بن غفير جيشاً رسميّاً موازياً رغم عدم تقصير جيش الاحتلال الرسمي في حمايتهم ومساندة جرائمهم المشينة، بل ومشاركتهم في ارتكاب تلك الجرائم المتصاعدة، والتي طالت المتضامنين الأجانب ومنهم الأمريكيين والكنديين والأوروبيين، وحتى ضباط وعناصر السلطة الفلسطينية، واستخدام الدبابات والطائرات في اقتحام المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، والتغوّل في جرائم الهدم والتدمير والقتل والتنكيل وسرقة جثامين الشهداء من المدنيين الأبرياء حتى من داخل المستشفيات.. كلّ ذلك وغيره الكثير، يدلّل على أن هذا الكيان يحاول استنساخ نموذج غزة المستعصية في الضفة والقدس وجبهات الإسناد وإيران وحتى جميع منتقديه بلا استثناء، وهو ما يؤكد على أن الكيان المجرم المصاب تاريخياً بمرض جنون العظمة العضال، قد دخل مرحلة متقدمِّة من الانفصام الذي سيودي به حتماً إلى الانتحار.
لكن مثل هذا الواقع الأليم يضع الجميع أمام مسؤوليات جِسام، وخصوصاً القيادات الفلسطينية والعربية والشرق أوسطية التي لم يترك لها الكيان سوى خيارات المواجهة أو الاستسلام التام أو الموت الزُّؤام.
ويبدو أن خطاب النازي “ميليكوفسكي” في الكونغرس الأمريكي المتصهين بغالبيته، قد أفصح عن ذلك وبمنتهى الوقاحة والبجاحة، وهو ما يحتاج إلى معالجة خاصة .