الكاتب والمحلل السياسي/ رامي الشاعر
أعلنت حركة حماس استشهاد رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، وأكدت المصادر أن غارة إسرائيلية استهدفت مقر إقامة هنية بطهران، ما أدى إلى استشهاده وأحد مرافقيه.
ونحن ها هنا لا ننعي هنية بل نزف خبر ارتقائه لينضم إلى أبنائه الثلاثة ومعهم شعبنا الفلسطيني الأبي الشجاع، الذي وضع نصب عينه قضيته وقضية الأمة العربية وقضية أحرار العالم جميعاً.
وكانت كلمات هنية الأخيرة في طهران تتعلق بالقدس، وتحريره، وتحرير كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد انتظر هنية الاستشهاد، وناله في نهاية المطاف.
لقد حفرت كلمات الشهيد إسماعيل هنية، لدى تلقي نبأ مقتل 3 من أبنائه (حازم وأمير ومحمد) وثلاثة من أحفاده بقصف إسرائيلي استهدف سيارة بمخيم الشاطئ غرب غزة، بماء الذهب على سطور كتب التاريخ، تاريخ البشرية والنضال البشري العام لا نضال شعبنا الفلسطيني وحده. قال هنية آنذاك: “أشكر الله على هذا الشرف الذي أكرمنا به باستشهاد أبنائي الثلاثة وبعض الأحفاد.. بهذه الآلام والدماء نصنع الآمال والمستقبل والحرية لشعبنا ولقضيتنا ولأمتنا”.
وأكد حينها هنية على أن هذه الدماء “لن تزيدنا إلا ثباتاً على مبادئنا وتمسكاً بأرضنا، ولن ينجح العدو في أهدافه ولن تسقط القلاع، وما فشل العدو في انتزاعه بالقتل والتدمير والإبادة لن يأخذه في المفاوضات”.
وبالفعل فإن وصف شعبنا الفلسطيني العظيم بأنه أعزل من السلاح وأوهام إسرائيل بإمكانية “الإبادة الجماعية” لشعبنا هي أوصاف تحيد عن الدقة حينما تنظر إلى والدة الشهداء من أبناء وأحفاد هنية، بينما تصفهم بأنهم “ليسوا ضحايا عزل”، بل “طلبوا الشهادة فنالوها، وكانوا مسلحين بإرادة الصمود والتحدي بأجسادهم”.
ولن تتمكن إسرائيل ومن وراءها أعتى القوى العظمى على وجه الأرض أن تقف أمام الإرادة الفلسطينية وتصميم الشعب الفلسطيني الأبيّ بأجساده العارية وبجميع فئاته، حتى بنسائه وأطفاله وشيوخه، على بلوغ هدفه العادل والمشروع بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وهذا هو السر الرئيسي الذي تكمن وراؤه هزيمة الجيش الصهيوني الأمريكي المدجج بأحدث المعدات العسكرية.
ولن تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها إسرائيل، ومن خلال كافة الوساطات (مع كل الاحترام والتقدير لهذه الوساطات)، أن تخرج بأي نتيجة دون الاستجابة الكاملة لشروط الإرادة الفلسطينية سواء في قطاع غزة أو على كامل أراضي الدولة الفلسطينية.
يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية، ربما نظراً لحداثة الدولة وافتقارها لتاريخ وجذور تمكنها من استيعاب بعض حقائق التاريخ والجغرافية وثقافة الحضارات العريقة، لم تدرك بعد أنها هزمت في الشرق الأوسط، وأن إرادة الشعب الفلسطيني وتضحياته وتضامن مليارات البشر مع عدالة نضاله، أقوى من كل الأساطيل والقواعد الأمريكية المنتشرة في جميع أنحاء العالم.
يستجيب الأخوة في حماس لمطالب الأصدقاء الوسطاء، ويرسلون ممثلين عنهم لحضور اللقاءات التي تجري من أجل التوصل لاتفاق لوقف القتال، لكن هؤلاء الممثلين عن “حماس” يحضرون لا للتفاوض وإنما لإبلاغ الطرف الآخر مجدداً بشروط الإرادة الفلسطينية، لوقف المعركة التي يخوضها شعبنا الفلسطيني بأجساده. ولا يمكن أن يتنازل الشعب الفلسطيني عن هذه الشروط، التي تجسد إرادته وإرادة كافة القيادات الفلسطينية وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. وتأتي هذه الشروط في سياق تلبية تحقيق أهداف النضال الفلسطيني لعقود، والتي يأتي في صدارتها قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وليفهم الأمريكيون أنهم لن يستطيعوا أبدا تحقيق أي من أهدافهم من خلال الانفراد بحماس فيما يخص قطاع غزة، وخلق واقع يفصل القطاع عن بقية الأراضي الفلسطينية. لن يحدث ذلك أبدا، وأنصح الأمريكيين بالتخلي عن ذلك المسار الصهيوني الخبيث بزرع الفتنة والرهان على الانشقاق الفلسطيني. فالشعب الفلسطيني جسد واحد، وعائلة الأخ إسماعيل هنية تجسد نضاله المستمر، بارتقاء أبنائه وأحفاده، الذي قال عنهم هنية: “دماء أبنائي ليست أغلى من دماء أبناء شعبنا الشهداء في غزة. فكلهم أبنائي، ودماء أبنائي هي تضحيات على طريق تحرير القدس والأقصى”.
لقد أصبحت مراسم العزاء وغرس بذور الحرية في الأرض الفلسطينية الخصبة المعطاءة واجباً مقدساً نقوم به جميعاً، والتضحيات التي يقدمها شعبنا، وتقدمه قيادات المقاومة بكل أطيافها تعبّد طريقنا نحو تحقيق طوح شعبنا الفلسطيني من أجل التمتع بالدولة الفلسطينية المستقلة.
كانت أنباء المصالحة الفلسطينية في بكين منذ أيام بمثابة نقطة ضوء في نهاية النفق، وآمل أن نمضي على الدرب نفسه بلقاءات أخرى وخطوات عملية تفضي إلى قيام الدولة الفلسطينية على كامل حدود 1967، وهو أقل ما يمكن أن نقدمه إجلالاً واحتراماً وتقديراً لدماء شهدائنا. وأقترح كذلك تفعيل الدور العربي النشط في حل القضية الفلسطينية، ووقف إطلاق النار الفوري في غزة، وإيصال المساعدات الإنسانية بأقصى سرعة ممكنة وضمان استدامتها، بالتوازي مع أنشطة عمل الوفود العربية والإسلامية على كافة المنصات الإقليمية والدولية لحل الأوضاع في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس فوراً.
كلنا اليوم إسماعيل هنية، وكلنا اليوم فلسطين.
المجد لشهدائنا والحرية لأسرانا والدولة الفلسطينية قائمة لا محالة شاء من شاء وأبى من أبى.