سمير باكير- لا يخفى على متابع لشؤون القضية الفلسطينية “النهج الإسرائيلي” المتمثّل في اغتيال الأشخاص ذوي النفوذ في غزة كأحد الاستراتيجيات الرئيسية للقضاء على الطرف المقابل. نهج شرعه الإحتلال بإغتيال شخصيات مؤثرة على غرار “أحمد ياسين” و”فتحي شقاقي” و”عبد العزيز رنتيسي” و”محمود المبحوح”، وتمسّك الإحتلال بهذا النهج حتى الآن عبر اغتياله إسماعيل هنية.
ومن الطبيعي في كل حركات التحرّر أن يؤدّي تصفية الأشخاص في المواقع العليا بالقيادة إلى التأثير العميق على خريطة الحركة ومسارها وإدارتها وأهدافها اللاحقة، وهو ما أثار ضجّة بعد اغتيال اسماعيل هنية.
لكن على مايبدو أنه في مرحلة ما بعد إغتيال إسماعيل هنية، أفضى اختيار شخص كخليفة لهنيّة إلى زيادة الصراع في أروقة حركة حماس. إذ تسبّب التنافس الداخلي وبعض الميول تجاه القوى الإقليمية الى إقتراح عدّة أشخاص لشغل هذا المنصب.
أحد هؤلاء الأشخاص، الذين كثرت التكهنات بشأنهم، هو خالد مشعل، أحد مؤسسي حركة حماس، والذي يتمتّع أيضا بخبرة كونه رئيس المكتب السياسي والقيادة لحركة حماس، وبحسب الخبراء، فإن خالد مشعل يتمتع بخبرة كبيرة، ويتمتّع بعلاقات جيّدة مع عدد كبير من الزعماء العرب، وهو ما جعل الكثير من الأنظار تتّجه إليه لتولّي هذا المنصب.
إلاّ أن عوامل أخرى أخذت في الاعتبار لاختيار خليفة هنيّة في حركة حماس، وهو ما جعل يحيى السنوار الذي ظل مسجونا في السجون الإسرائيلية لفترة طويلة، على رأس هذه الحركة، حيث إقترح يرى العديد من الخبراء أن الحركة توصّلت إلى ضرورة اختيار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس من بين أهل غزة، حيث ترعرع كل من إسماعيل هنية ويحيى السنوار داخل غزة، على عكس خالد مشعل الذي يعتبر من سكان الضفة الغربية.
ويرى آخرون أن الضغوط الخارجية، خاصة من قبل إيران وسوريا، كان لها دور مؤثّر في هذا الإختيار الذي توصّلت له الحركة، خصوصاً أن “مشعل” لم يتّخذ خلال ما يسمّى الربيع العربي، موقفاً جيداً من نظام الحكم السوري، حيث كان له دور هدّامٌ في هذا الصّدد، لا سيما بعد تشكيكه بحكم “الأسد”. كما يرى البعض أن خالد مشعل يعتبر تحالفه مع إيران هو سبب فقدان الحركة لاستقلالها، ويرفض إقامة علاقات وثيقة مع هذه الدولة.
على كل حال، لا يمكن إجراء قراءة دقيقة للآلية التي تم اتباعها لإختيار رئيس المكتب السياسي الجديد لحركة حماس، الذي تربّع على عرشه يحيى السنوار في نهاية المطاف، لكن يمكن تقييم تبعات هذا الإجراء. ويمكن القول بدقة إن الفائز في الصراع الداخلي لحركة حماس هو الآن التيار المناصر لإيران، وهذا التيار يحاول تعزيز علاقاته الاستراتيجية مع إيران وتوسيع نفوذه في المنطقة، ولا يوجد بذلك أمام الأعضاء الذين يتعاونون مع إيران ويرفضون سوريا، خيار سوى الإبتعاد حتماً عن الحركة، وسيكون اتجاه الحركة المستقبلي في أيدي المقربين من هذين البلدين.
وهذه المعادلة تنطبق على الميدان أيضاً، يمكننا أن نشهد أن نتنياهو إستطاع الى حدّ ما عبر انتخاب شخص يتمتّع بمواقف معادية للساميّة بقوّة، أن يتحرّر من الضغوط الدولية التي خلّفها اغتيال إسماعيل هنية، وبدأ على إثر ذلك بتوسيع دائرة الحرب في الأراضي المحتلة.