د. علي عزيز أمين
ترى ما الذي دفع الولايات المتحدة الأمريكية للعب مجدداً بورقتي “داعش” الإرهابية و”الطائفية” البغيضة في العراق، بعد سنوات من التعايش السلمي بين مكوّنات الشعب العراقي، وإعلانها بلسانها عن انتهاء مشروعها التدميري الذي صنعته وأسمته “دولة الخلافة”.. وإلى متى ستجد مَن يصدّق ألاعيبها وأكاذيبها التي لا تخدم سوى “الكيان” المجرم محور اهتمامها وأولوية الأولويات الناظم لكافة أقوالها وأفعالها في العراق وعموم المنطقة.. والأنكى أن تجد مَن يستجيب لها وينفّذ تعليماتها دون نقاش وبما يتعارض مع مصالحه الشخصية والوطنية؟!
نكرر هذه المسلّمات التي باتت معروفة للقاصي والداني، بمناسبة توقيع رئيس الجمهورية العراقي عبد اللطيف رشيد يوم 13/10 الجاري مرسوم يقضي بإعدام 500 رجل من الطائفة السنيّة الكريمة، بحجة أنهم متعاونون مع تنظيم “داعش” الإرهابي، بعد نزع اعترافات منهم تحت التعذيب الوحشي. وهو ما تمّ تنفيذه ظلماً وعدواناً. كما ويواجه 11 ألفاً آخرين المصير ذاته على شكل دفعات متتابعة. ورغم معرفة عموم الشعب العراقي ومُحبّيه أن مثل هذا الفعل المشين يأتي استجابة لأوامر أمريكية لا لبس فيها، إلّا ان واشنطن وعملائها في العراق والمنطقة يصوّبون سهامهم المسمومة صوب إيران، وهم وسيّدهم الأمريكي اعتادوا على تكرار هذه المعزوفة “الشمّاعة” أمام أي فعل دنيء يتعارض مع مصالح العراقيين وعموم الأمة، فهم كالمعتاد “يقتلون القتيل ويمشون في جنازته”.
وبشيء من المنطق والعقلانية، كيف يتوافق ذلك مع ما يشاهده العالم بأم العين من إيواء المعسكرات الأمريكية في العراق وسوريا والأردن لفلول داعش، واستخدامهم كمرتزقة حيثما يخدم مصالحها ومخططاتها التآمرية في كافة بقاع العالم: بدءاً من أفغانستان وباكستان وسوريا والعراق وإيران، مروراً بدول شمال القارة الإفريقية، وليس انتهاءً بأوكرانيا… وما زالت ذكريات صورة تفقّد المجرم نتنياهو لجرحى داعش في مستشفيات “الكيان”، وفتح حدوده مع سوريا والأردن لهم وتسليحهم وتوجيه أعمالهم الإرهابية حاضرة في الأذهان… فلو كان هؤلاء المظلومين الذين حُكم عليهم بالإعدام وجرى نتفيذ هذا الحكم الجائر على دفعة منهم، ينتمون لعصابات “داعش” حقّاً، لما أمرت أمريكا بذلك، وهل تعدم أمريكا عملاءها ولم تنته صلاحيّتهم بعد، وما زالت تحتاجهم في نشر الفوضى والإرهاب بين الشعوب والدول على امتداد العالم أجمع وحتى حلفائها الغربيين وغيرهم، وكيف تستغني عن سيفها البتّار في معمعة حربها الوجودية التي تخوضها مع “الكيان” الإرهابي كتفاً بكتف، وهي التي أنفقت مليارات الدولارات وسنوات طويلة من جهد التعبئة والتدريب والتسليح في صناعة هذا المنتج المتوحش.
لعل السرّ يكمن فيما تعانيه واشنطن وربيبتها المجرمة، سواءً في فلسطين ولبنان من استعصاء لمخططاتها القذرة، أو في أوكرانيا وجنوب شرق آسيا. وكذلك تراجع النفوذ الأمريكي والغرب الاستعماري في إفريقيا وأمريكا الجنوبية، وفقدانهم للهيمنة، والهيبة، والردع. فضلاً عن السمعة والمصداقية في العالم أجمع، حتى بين صفوف حلفائهم ومواطنيهم المغسولة أدمغتهم والمسبولة أعينهم منذ أكثر من قرن عن الحقائق الدامغة التي تجسّدت بأبشع صورها في مجازر غزة، والضفة ولبنان وغيرهم.
لقد أغاظهم وضربهم في مقتل تلاحم الشعبين العراقي واللبناني بشتى مكوّناتهما الطائفية والمذهبية والقومية، وإدراكهما وأشقائهما العرب والمسلمين وأحرار وشرفاء العالم أجمع مَن هو العدوّ الحقيقي “عدو الإنسانية والحياة” الذي يفترض أن تتوجّه بوصلتهم جميعاً نحوه، حيث لم تترك لهم أمريكا وكيانها المجرم أدنى مجالاً للشك والاختيار، وهم يشاهدون يوميّاً أهوال وأفعال الأمريكي والصهيوني ضدّ جميع الطوائف والمذاهب والقوميات بلا استثناء او تمييز قتلاً وتدميراً وتنكيلاً. ولهذا يحاولون اللعب مجدداً بأوراقتهم السحرية الأخيرة من جديد: “الطائفية” و “داعش”. ويبدو أنهم قد يئسوا كما “يئس الكفّار من أصحاب القبور”، وللحديث بقية…