تغييرات واضحة في السياسات الخارجية للرياض كانت واضحة خلال الستة أشهر الماضية جسدتها العلاقة المضطربة مع قطر والولايات المتحدة الأمريكية.
محاولات الرياض المتعددة لحل الأزمة الجيوسياسية مع القوة العظمى الحليفة لها، وأحد منافسيها الإقليمين أسفرت عن العديد من التطورات المثيرة للاهتمام في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط.
التغير الأول جاء بعد أن ضربت أمريكا بالمأساة السورية عرض الحائط متوجهة إلى صفقة مع إيران بشأن برنامجها النووي؛ الأمر الذي أعطى إشارة للسعوديين – كما لو أنها إشارة من أمريكا للسعوديين – بأنها سياسة هادئة غير معلنة لانفراج العلاقات مع إيران، الأمر الذي أكده “عبد الله عسكر” رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى السعوي حين قال: “أخشى أن يكون هنالك شيء غير معلن، إذا ما وصلت أمريكا وإيران لاتفاق فسيكون هذا على حساب العالم العربي ودول الخليج، وبشكل خاص السعودية”.
وضّح ذلك تصريح سابق للرئيس أوباما حين قال لمجلة “نيويوركر”: “إذا ما استطعنا جعل إيران تتصرف بشكل طبيعي كدولة – لا تدعم منظمات إرهابية، ولا تحاول إثارة النعرات الطائفية في بلدان أخرى، ولا تحاول تطوير سلاح نووي – فإننا قد نجد اتزانًا في مناطق السنة (الأغلبية السنية)، أو ما بين الخليج وإيران حيث هناك منافسة واضحة”.
المخاوف السعودية من السذاجة الأمريكية التي من شأنها أن تسمح للمنتج الإيراني السياسي بالرواج في ظل الهيمنة المتواصلة على المشرق، خصوصًا في ظل حرب النخبة والحرس الثوري وحزب الله الذين يقاتلون إلى جانب النظام السوري في سوريا.
لذا، بدأت السعودية مؤخرًا في إبعاد الخطر عنها بتغيير رئيس الاستخبارات السعودية “بندر بن سلطان” العدو اللدود للنظام السوري، والذي بدا غاضبًا من تحولات السياسة الأمريكية بما فيها الانفتاح على إيران، ليحل مكانه رجل ذو مكانة واحترام لدى الإدارة الأمريكية، الأمير “محمد بن نايف” وزير الداخلية والمعروف بمكافحته لـ “الإرهاب” في السعودية.
وكان وزير الخارجية “سعود الفيصل” قد قال – البارحة – في مؤتمر صحفي إن الرياض وجهت دعوة لوزير الخارجية الإيراني “محمد جواد ظريف” لزيارتها، موضحًا أن الرياض على استعداد “للتفاوض” مع طهران.
الفيصل أضاف أن السعودية ستتحدث مع إيران بقوله: “إذا كانت هناك خلافات نأمل أن تتم تسويتها بما يرضي البلدين، كما نأمل أن تكون إيران ضمن الجهود المبذولة لجعل المنطقة أمنة ومزدهرة وألا تكون جزءًا من مشكلة انعدام الأمن في المنطقة”.
ولم يكن أبدًا من قبيل المصادفة تزامن إسناد مهمة الاستخبارات لمحمد بن نايف، مع إعلان كل من جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش – المقاتلتان في سوريا على قائمة الإرهاب السعودية، إضافةً إلى القبض على مجموعات تابعة للقاعدة قيل إنها كان تخطط لهجمات ضد مسؤولين.
كذلك تحول خطاب بعض الإعلاميين السعوديين المحسوبين على الدولة إلى التحذير من خطر القتال في سوريا وتنفير الناس منه، والحديث عن نماذج عادت إلى رشدها وحضن الوطن، وذلك بعد قرابة 3 سنوات من سكوت الدولة على من يذهب للقتال هناك وعلى من يجمع المال والدعم لهم، بل وتسييرها بنفسها حملات تبرع للسوريين وإغاثتهم.
ولم تكن النصرة وداعش، هي من تم تصنيفهما على قائمة الإرهاب وحسب، بل جماعة الإخوان المسلمين، حيث تحولت السعودية إلى داعم حقيقي للانقلاب العسكري الذي حدث ضدها في مصر سياسيًا وماديًا وإعلاميًا، ودعمت بشكل علني المجلس العسكري بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي المرشح الحالي للرئاسة الذي أعلن أن السعودية ستكون أول محطة له في حال فاز بالانتخابات الرئاسية.
هذه الأخيرة، كان الشعرة التي قصمت ظهر البعير في علاقة السعودية مع المنافس التقليدي والجارة قطر – التي تعتبرها السعودية الراعية الرسمية للجماعات الإسلامية بما فيها الإخوان المسلمين في المنطقة والتي تفتح لهم الأبواب وتيّسر أمورهم – إضافة إلى قناة الجزيرة المناصرة للشعوب والثورات، حيث ترى السعودية أن قطر تهدد الأمن الإقليمي للخليج؛ الأمر الذي استدعى سحبها للسفراء – رافقتها في ذلك البحرين والإمارات – قبل أن تُحل المشكلة مؤخرًا برعاية كويتية.
هذا الصراع مع قطر لم يبق خليجيًا فقط، بل انتقل إلى سوريا سياسيًا وعسكريًا حيث تمول كل من البلدين القتال هناك، كذلك يدعم كل طرف أفرادًا أو جماعات سياسية بعينها والذي دفع قطر للتراجع قليلاً سياسيًا، كما دفعت السعودية لحلفائها هناك لأول مرة أسلحة مضادة للدروع بإشراف أمريكي، في اختبار لمدى قدرة هذه الفصائل على الحفاظ على هذه الأسلحة من الوقوع في “الجهة الخاطئة” – يعني التنظيمات الجهادية كجبهة النصرة وداعش – في مقدمة لإرسال أسلحة مضادة للطائرات.
إلا أن الخطة السعودية حتى الآن في تسليح حلفائها لا تهدف تمامًا إلى إسقاط النظام على المدى القريب، وإنما لاحتواء التطرف المتمثل في داعش، حيث استطاعت طردها من ريف أدلب واللاذقية وأجزاء كبيرة من حلب وريفها، لتتمركز الآن في ريف حلب الشرقي امتدادًا إلى الرقة، مع بعض الأرتال المتجهة للقتال في دير الزور، الأمر الذي قال عنه الثوار إنهم يستعدون لحملة لاستعادة الرقة منهم.
الإسلاميون – بما فيهم الإخوان المسلمين – يخشون من تضييق الرياض للخناق عليهم أكثر في خطتهم القادمة، خاصة مع استلام السعودية – نظريًا – الائتلاف الوطني بزعيمه “أحمد الجربا” صاحب الخلفيات القبلية المرتبطة بالسعودية، والذين – الإخوان المسلمين- عبروا مؤخرًا عن “ارتياحهم” من تصريح خاص لأحد المسؤولين السعوديين بأنهم “غير مستهدفين” من تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية في السعودية، وأن المقصود هو الفرع المصري فقط