قَوْلُهُ تَعَالَى:
“وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا” [البقرة: 143].
منذ سنوات، يظهر على الساحة بين الحين والآخر عدد من الدعاة المعروفين في العالم العربي، مثل توفيق والطويل والقصير والخميس والجمعة وغيرهم، الذين يصدرون فتاوى ومواقف معارضة لخط المقاومة في فلسطين ولبنان، وخاصةً في غزة، هذه المقاومات التي أفشلت مشاريع الصهيو-أمريكية في المنطقة بفضل تضحية مجاهديها، وتضحيات الشعوب الحرة التي اختارت الوقوف في وجه الاحتلال بكل قوة.
ورغم أن هؤلاء الدعاة يقدمون تفسيرات شرعية حول هذه المقاومة، فإن تصريحاتهم غالباً ما تكون مشوبة بالتشكيك في شرعية مقاومة الشعوب للاحتلال، ما يثير الاستفهام هو أن بعض هذه الفتاوى تتخذ مواقف معارضة لحق الشعوب في الدفاع عن نفسها، ولعل من أبرز التصريحات المثيرة للجدل تلك التي ظهرت مؤخراً، حين قال أحد هؤلاء الدعاة إن قتال الصهاينة في فلسطين غير جائز شرعاً بسبب كثرة اليهود وقلة المسلمين، بل اعتبروا أن جهاد حركة حماس ضد العدو الصهيوني نوعاً من العناد، مدعين أن الجهاد يجب أن يكون في إطار الانتصار لا الموت، في مقاطع الفيديو المتداولة، طالبوا أصحاب القرار في غزة بأن يتقوا الله في قتل المسلمين، مطالبين بأن تكون المواجهة مشروعة فقط في حالة الانتصار الحتمي.
هذه التصريحات لم تثر الغضب فقط لدى جماهير المقاومة، بل أثارت استهجاناً واسعاً من العلماء والمشايخ الخلص والنشطاء والمجاهدين الذين يعون تماماً قيمة هذه المقاومة في هزيمة الاحتلال وتحرير الأوطان، وقد تفاعلت المواقع الإلكترونية والمجالس الشعبية مع هذه الفتاوى بحالة من الاستنكار، حيث علق أحدهم قائلاً: “أصغر مقاوم في فلسطين خير من ملء الأرض من هؤلاء الدعاة”. بينما قال آخر: “إن كانت هذه الفتاوى هي حكمتهم، فإنا نقول لهم إنكم من صنف الذين لا يدركون الحقيقة وهم لا يعلمون أنهم لا يعلمون”.
إلى هؤلاء الدعاة، نقول: إن لم تستطيعوا أن تتكلموا بالحق، فخير لكم أن تلتزموا الصمت، فالصمت أفضل من أن تروجوا لخطاب لا يعبر عن الحقيقة، بل يسهم في خدمة مصالح أعداء الأمة، إن المواقف المترددة أو المتخاذلة هي ما يخدم الإعلام المعادي الذي يسعى لتشويه صورة المجاهدين في سبيل الله، فالإعلام الذي يشيطن المقاومة والمجاهدين ويكفرهم ليس هو المعيار الذي يجب أن نأخذ به، بل يجب أن تكون معاييرنا مستمدة من نصرة الحق ورفع راية الإسلام.
إنه لا يمكن لأمة إسلامية أن تبقى قائمة إذا أهينت كرامة شعوبها وحرمت من حقها في المقاومة، خاصة عندما يأتي ذلك من أبناء الأمة نفسها، من دعاة وغيرهم، إن فشل إسرائيل في تنفيذ مشروعها، ولو لفترة، هو نتيجة مباشرة للمقاومة الشريفة التي تقف في وجهها ومن لا يعترف بهذا الواقع فهو غافل عن الحقيقة.
تذكروا دائماً أن الأمم التي تحارب من أجل البقاء لا يمكن أن تضعف أو تستسلم، لا يمكن لأي فتوى أو رأي باطل أن يحارب إرادة المجاهدين الذين يحملون راية الحق، كما لا يمكن للفتاوى المغرضة أن تقهر إرادة الشعوب المسلمة في مقاومة الاحتلال.
إلى هؤلاء الدعاة، نقول: اتقوا الله في أقوالكم وأفعالكم، وتراجعوا عن مواقفكم التي تضلل الآخرين، احترموا إرادة الشعوب الحرة التي لن تستسلم أمام ظلم الاحتلال وأباطيل الإعلام المسموم، لتكن كلمتكم مع الحق، وليكن قلبكم مع الأمة، وليكن عقلكم مع واقع الجهاد والمقاومة الذي يحقق النصر بإذن الله.
وفي الختام، إذا كانت الأمة الإسلامية في فلسطين ولبنان وغيرها ترفع راية المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني، فهي بذلك تكتب تاريخاً جديداً من التضحية والكرامة، لا يمكن لأي فتوى أو رأي أن يمحو هذا التاريخ النضالي، فكونوا كما يجب أن تكونوا: مع الحق، مع المقاومة، مع الأمة، ومع النصر بإذن الله.
الشيخ حسام العلي أبوعبيدة