لم يتأخر كثيرا، لجوء رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، إلى التلويح باستقالته، التي يكرر دوما أنه “يحملها في جيبه”، في محاولة لاحتواء ضغوط سياسية متزايدة عليه، قبيل تسمية مرشحين لشغل 8 حقائب متبقية في حكومته.
واكدت مصادر سياسية مطلعة في بغداد، أن “عادل عبدالمهدي أبلغ رئيس الجمهورية برهم صالح، أن استمرار الضغوط السياسية التي تمارسها مختلف الأطراف سيدفعه إلى تقديم استقالته”. ووفقا للمصادر، فإن “الصراع السياسي بشأن الحقائب المتبقية، ولا سيما وزارتي الدفاع والداخلية، بلغ مستوى غير مسبوق وتحوّل إلى مزاد”.
ولم تعد المفاوضات تركز على عبدالمهدي وحده، بل أصبحت “بينية أكثر”، على حدّ تعبير مصادر، أي أنها تدور بين القوى السياسية لتبادل حقائب واستبدال مرشحين بعيدا عن رئيس الحكومة.
وتقول المصادر إن “أطرافا سياسية سنية عرضت على شركاء مبلغ 50 مليون دولار أميركي، لقاء التنازل عن حقيبة الدفاع″. وتضيف المصادر أن “المواجهة السياسية المحتدمة بين زعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي، وزعيم حركة الحل جمال الكربولي، بشأن حقيبة الدفاع، تسربت تفاصيلها إلى العلن وباتت ملفا محرجا”.
وتقول حركة الحل إن “علاوي استأثر بحقيبة الدفاع وحولها إلى جزء من الممتلكات الشخصية”، بينما يرد مقربون من علاوي بالقول إن “زعيم ائتلاف الوطنية لن يسمح للكرابلة بشراء حقيبة الدفاع، كما فعلوا مع حقائب أخرى في حكومة عبدالمهدي”.
الأسابيع القليلة القادمة ستكون حاسمة في ما يتعلق بمصير عبدالمهدي وفرص استمراره في منصبه
ومن شأن مثل هذه الأنباء أن تتسبب في حرج بالغ لعبدالمهدي، الذي يصنف ضمن الساسة العراقيين البعيدين عن الصفقات السياسية المشبوهة. ويقول مراقبون إن “عبدالمهدي يوشك أن يظهر بصورة السياسي الانتهازي، الذي ترك أمر اختيار وزراء حكومته للكتل السياسية، تبيع فيهم وتشتري، لمجرد ضمانه البقاء في موقعه رئيسا للوزراء”.
وتزايدت حدة الانتقادات التي يتلقاها عبدالمهدي في الإعلام، بسبب الأنباء التي تشير إلى عمليات بيع وشراء في المناصب الوزارية. وتكشف المصادر أن “عبدالمهدي عبر لصالح عن تشاؤمه”، بشأن فرص النجاح المتاحة أمام حكومته، في ظل التعقيدات التي تكتنف استكمالها.
وخلال المؤتمر الأسبوعي، الذي جرت العادة على عقده مساء الثلاثاء، لم يقل عبدالمهدي الكثير عن ملف استكمال الكابينة الوزارية، لكنه أشار إلى أن “المشاورات مستمرة”. وتعج الساحة الإعلامية المحلية بمواقف سياسية منقولة عن عبدالمهدي بشأن الحقائب الوزارية، من دون أن يعلن رئيس الوزراء موقفه منها.
ويتنازع ائتلاف “سائرون” الذي يرعاه مقتدى الصدر، وتحالف “الفتح” المقرب من إيران بقيادة هادي العامري، بشأن موقف عبدالمهدي من فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي المرشح لحقيبة الداخلية. ويقول “سائرون” إن عبدالمهدي اعترض على ترشيح الفياض، بينما يقول الفتح إن رئيس الوزراء “مقتنع″ بتسمية رئيس هيئة الحشد الشعبي وزيرا للداخلية.
ويرى مراقبون أن الأسابيع القليلة القادمة ستكون حاسمة في ما يتعلق بمصير عبدالمهدي وفرص استمراره في منصبه، فيما تكشف مصادر سياسية أن “هناك من بدأ فعلا في التفكير بمرحلة ما بعد عبدالمهدي، التي ربما تبدأ أسرع من المتوقع″.
تصاعد حدة الانتقادات التي يتلقاها عبدالمهدي في الإعلام، بسبب الأنباء التي تشير إلى عمليات بيع وشراء في المناصب الوزارية
وسبق لأطراف سياسية أن توقعت استمرار حكومة عبدالمهدي عامين فقط من أصل أربعة، هي مدتها القانونية، بسبب عدم رغبة رئيسها في خوض مواجهات مفتوحة، وتفضيله الانسحاب في حال اندلعت نزاعات سياسية حادة.
ويعتقد مراقبون أن عبدالمهدي يعرف أن استقالته التي يلوّح بها غير مسموح له تقديمها حتى وإن كان مضطرا للقيام بذلك، مشددين على أن تنحيته لا تعني فشله الشخصي بل فشل الطبقة السياسية كلها وهي التي وجدت فيه رجل التسوية في الوقت الضائع.
واعتبر مراقب سياسي عراقي أنه إذا ما كان السياسيون السنة قد بالغوا في الإشهار عن المزاد من أجل الاستحواذ على وزارة الدفاع بمنافعها التي تدر المليارات من الدولارات، فإن ما يفعلونه هو المطلوب من قبل الأحزاب الشيعية الموالية لإيران، مشيرا إلى أن ذلك يدخل ضمن نسق الفساد السائد ويعزز مكانة المافيات في هذا الوقت المحرج الذي يتطلب أن تخرج الدولة الخفية عن صمتها وتبدأ حراكا علنيا منظما من أجل الوقوف مع إيران في محنتها.
ولا يستبعد المراقب في تصريح لـ”العرب” أن تستغرق أزمة وزارة الداخلية وقتا طويلا لكي يتم من خلالها إشغال الرأي العام عما يتم اتخاذه من إجراءات لتسهيل عمليات نقل العملة الصعبة من العراق إلى إيران في ظل التزام حكومة عبدالمهدي الشكلي بالعقوبات.