رامي الشاعر
كاتب ومحلل سياسي
لا شك أن الوضع يتغير في منطقة الشرق الأوسط بإيقاع متسارع على وقع الزلزال السياسي السعودي الإيراني الذي ينسجم مع المبادرات الروسية المختلفة بشأن ضمان أمن الخليج، والتحول من المواجهة إلى علاقات حسن الجوار والتعاون والمصالح المتبادلة.
لهذا تكتسب زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو، ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أهمية كبيرة في هذا التوقيت بالتحديد، حيث يعاد ترتيب الأوراق، وتتغير موازين القوى، ليس فقط في المنطقة، وإنما في العالم أجمع. ولعل أهم ما يشغل بالنا نحن العرب الآن، في ظل الظروف المواتية، والأجواء المريحة نسبيا من منطقة الخليج، هو عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، لا سيما وأن مشاعرا إيجابية تدعمها روسيا، ونرجو أن تسفر عن نتائج مرضية في الاجتماع الوزاري المرتقب بين جامعة الدول العربية وروسيا، والذي تنوي روسيا استقباله في الأشهر المقبلة.
إلا أن العقبة الرئيسية تظل نقطة الحوار السوري السوري، بين دمشق والمعارضة، والذي يجب أن يتجاوز الأحرف الحادة، ويمضي في طريق تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي يضمن حقوق الجميع، ويشمل كافة الأطياف تحت مظلة الدولة السورية الموحدة ذات السيادة على كافة أراضيها، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال كلمته الافتتاحية في استقبال نظيره السوري، فيصل المقداد. تظل العقبة في اللجنة الدستورية التي يجب وأن تصل إلى صيغة توافقية تضم جميع أبناء الشعب السوري، الذي ظهر معدنه النقي والنبيل خلال مأساة الزلزال التي أصابته وغيّرت بعضاً من مكونات المعادلة السورية.
وإذا كان الغرب والولايات المتحدة الأمريكية قد كشفوا بدورهم عن غطرستهم ولا إنسانيتهم في خضم هذه الأزمة، ورفضوا التعامل مع الإنسان السوري استنادا فقط لكونه إنسان، وقرروا أن يصنفوه على أساس “إنسان مع دمشق” وآخر “مع المعارضة”، في تصرف بربري يعود بهؤلاء إلى عصور الظلام، فإن الإنسان السوري أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه، وعلى الرغم من كل ما عاناه ويعانيه ومر ويمر به، وعلى الرغم من افتقاره للمأوى والغذاء، إلا أنه كان يعطي كل ما يملك، ويمد يد المساعدة لمن لا يستطيع، وتلك هي اللحظات تحديداً التي ينبغي التركيز عليها، حيث تتحدد الأولويات، وتتشكل الأمم، وتنشأ صيغ التعايش، ليس فقط مع أزمة الزلزال، وفقدان المأوى، وإنما صيغ التعايش وقبول الآخر، الذي تجمعه بك أرض ولغة وثقافة ووطن.
أرى أن الظروف الراهنة، خاصة وقد ساوى الزلزال بين المنكوبين في تركيا وسوريا، وساوى قانون العقوبات الأمريكية “قيصر” بين المعارضة والموالاة، هي الأكثر ملاءمة للحركة نحو تسوية سياسية في الداخل ومع الخارج على حد سواء، وأنا على يقين بارتباط كليهما، فتأثير الخارج لا شك سيتباطأ بعدما اتضحت ولا زالت تتضح الأمور بشأن الإقليم والعالم، وبعدما برزت إلى العلن خرائط وهياكل التنظيمات العابرة للقارات والجنسيات والأعراق، والتي عاثت في بلادنا فساداً وتطرفاً وإرهاباً. كذلك اتضحت النوايا الخبيثة، ومسارات الأسلحة، وأهداف ومآرب أمراء الحرب وسماسرة الموت. واعتقد أن وجود روسيا وتركيا وإيران والآن ربما قد تنضم إليهم السعودية سوف يساعد على إيجاد مخرج من الأزمة التي أثرت على كامل خريطة المنطقة.
كذلك أعتقد أن ذلك سوف يؤثر بشدة على تسوية القضية الفلسطينية، وعودتها إلى المسار الصحيح، بعد أن راهنت إسرائيل لعقود على زرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، وأبناء الدين الواحد، وتفننت في خلق الطوائف والشيع، وصك المصطلحات والنظريات بشأن “الهلال الشيعي” و”المحور السني” و”الناتو العربي”، وشيطنة إيران، ودس فكرة أن “إسرائيل أقرب للعرب من إيران”، وشق الصف الفلسطيني، وغيرها من المحاولات الخبيثة التي لا تهدف سوى إلى المماطلة والتسويف وانتهاك القانون الدولي، وعدم تنفيذ قرارات الشرعية الدولية لعقود، أملاً في تصفية القضية الفلسطينية برمتها، وهي المهمة التي وضعوا لها عنواناً براقاً هو “صفقة القرن” المشبوهة. سوف يؤثر ذلك كذلك على أزمات محيطة في المنطقة وعلى رأسها أزمة لبنان، وربما العراق واليمن، بل وليبيا، بالنظر إلى التوازنات الجديدة للقوى في المنطقة.
إن كل ذلك لا شك سيصب في مصلحة العالم الجديد الذي تتطلع إليه البشرية، حيث تأفل أحادية القطب ويستقبل العالم التعددية القطبية استناداً إلى القانون الدولي والمساواة بين جميع الدول ذات السيادة، وتفعيل دور هيئة الأمم المتحدة كضامن للأمن والسلم العالميين، وليس كوكيل للدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
في لقائه نظيره السوري فيصل المقداد، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن جهود روسيا وسوريا، وكذلك الأغلبية الساحقة من أعضاء الأمم المتحدة الآخرين، من أجل تنفيذ القرارات ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، والصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة، هي جزء من عملنا المشترك والأوسع للدفاع عن المبادئ التي تأسست عليها الأمم المتحدة. وهذا بالضبط ما يهدف إليه عمل “مجموعة أصدقاء الدفاع عن ميثاق الأمم المتحدة”، التي أنشئت منذ وقت ليس ببعيد بمشاركة روسيا وسوريا، حيث تجمع هذه المجموعة بين مؤيدي القانون الدولي كقوة موازنة لمجموعة الدول الغربية التي تنكر القانون الدولي، وتروّج لما تسميه “قواعدها” المبتكرة الخاصة بها.
لقد أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالنتائج المهمة التي تم التوصل إليه في مكافحة الإرهاب بفضل الجهود المشتركة، وشدد على التطور الكبير في العلاقات بين البلدين، وما يبدو بين السطور أن المحادثات، التي استمرت 3 ساعات، كانت صريحة وشاملة، ولم تكن من السهولة بمكان، لتعقيد وتشابك القضايا في المنطقة، لا سيما قضية تسوية العلاقات السورية التركية، لهذا نأمل من الرئيس السوري بشار الأسد والقيادة في دمشق أن يمضوا قدماً على طريق التسوية السياسية في الداخل والخارج، وأتمنى أن تثمر زيارته إلى روسيا عن النتائج المرجوة، وأن تسهم في رفع المعاناة عن الشعب السوري.