العقل الجمعي والنزعة الفضائحية… ناجي الغزي/ كاتب سياسي

     

    العقل الجمعي: هو طريقة أو أسلوب في التفكير والسلوك الجمعي الغير منتظم في سياقاته الطبيعية لمجموعة من الناس، وهو اقرب الى سلوك القطيع, الذي يعمل بفعل الإحساس المباشر بالعواطف والانفعالات الوجدانية والتأثير والتأثر في الظواهر الاجتماعية بوعي أو بغير وعي.

    والفكرة الأساسية التي يقوم عليها العقل الجمعي هي ان قوى التفكير والقرارات يتم اتخاذها من قبل المجتمع نيابة عن الفرد داخل المجموعة. ويحدث ذلك خلال تأثير الثقافة المجتمعية ووسائل الاعلام على عقل المجتمع الغير منظم. وبهذه الفكرة تحدث عدوى الوباء العقلي فيعتقد الفرد المنتمي الى المجموعة بانه مشابه للأخرين من حوله فتغلب عليه سلوكيات التقليد حتى يبدأ بالإيمان بها نتيجة ايمان الاخرين بذات السلوك.

     

    أما بالنسبة للنزعة الفضائحية: فهي الرغبة في البحث والتحدث عن المعلومات والأحداث التي تنطوي على كل ما يتعلق بالفضائح والإحراج والخجل أو الشعور بالذنب أو التقصير في السلوك الأخلاقي. وقد تزايدت هذه النزعة في السنوات الأخيرة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الرقمية الحديثة التي تجعل من السهل تصيد المشاهد المثيرة وتسريبها أو نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) على أنها فضائح للتشهير بالآخرين، وهو سلوك غير أخلاقي ويمثل انتهاكاً لخصوصية الآخرين ويتسبب في الإضرار بسمعتهم وحياتهم الشخصية. وهذه السلوكيات تعكس ضحالة ورثاثة عقول هؤلاء المتصيدين ثقافيا وذهنياً.

     

    ويعزى أصحاب النزعة الفضائحية إلى دوافع نفسية وعقد اجتماعية، منها الرغبة في الانتقام أو من اجل الابتزاز او استقطاب الاهتمام, لغرض الشهرة والانتشار على وسائل التواصل الاجتماعي، والرغبة في إثبات النقص في الآخرين بدون تحفظ، ويقودهم الفضول والتشويق والرغبة في الحصول على المعلومات الجديدة والمثيرة. وتعتبر النزعة الفضائحية تحديًا للأخلاق والقيم الاجتماعية التي تدعو إلى الاحتفاظ بخصوصية الأفراد واحترام حقوقهم.

     

    ويمكن أن تسفر النزعة الفضائحية عن آثار سلبية على المجتمع، حيث يمكن أن تؤدي إلى التشويش على الحقائق والتضليل والإفساد الأخلاقي. كما يمكن أن تؤدي إلى الإضرار بسمعة الأفراد والمؤسسات، وزيادة القلق والتوتر والضغط النفسي لديهم.

    ومن الممكن أن يتعرض العقل الجمعي للتأثير السلبي للنزعة الفضائحية، حيث يمكن أن يؤدي الاهتمام المفرط بتصيد المشاهد المثيرة والأخبار المفبركة والمعلومات المفتعلة والمحرجة إلى إنشاء مجتمع يركز على السلوكيات السلبية ويغفل عن الجوانب الإيجابية للحياة الاجتماعية. وبالتالي قد يؤدي هذا التأثير إلى زيادة القلق والتوتر وتدهور الصحة النفسية للأفراد والمجتمع بأكمله.

     

    ويعتبر مفهوم العقل الجمعي عند المفكر والفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي “دوركايم”, يعتبر العقل الجمعي خارج عقول الأفراد، ويمارس نوعاً من الهيمنة أو السلطة عليهم من خلال العادات والتقاليد والأعراف و أنماط العيش و التفاعل و التواصل بين أفراد المجتمع”

     

    كما يعتمد العقل الجمعي على مجموعة من العلاقات الاجتماعية التي تشكل شبكة مترابطة من التفاعلات بين الأفراد والمجموعات المختلفة. وهذه العلاقات تسهم في بناء الهوية الجماعية والقيم والأفكار الروحية والمعتقدات والتوجهات والمصالح الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والدينية المشبعة بالنفاق والكذب والتزلف والوعي الديني النفعي.

     

    ويمكن أن يكون للعلاقات الاجتماعية أثر كبير على تصورات الأفراد وسلوكياتهم واختياراتهم وتفكيرهم السلبي على صحتهم النفسية والجسدية. عندما يتم توظيف هذه العلاقات المجتمعية الى نزعات فضائحية تصبح النزعة نوع من التنمر العدائي, تبحث عن فضح الاخرين ونشر غسيلهم بوصفها عيوب ومثالب، وهذه تدعو الى تراجع الحس الإنساني وتشويه جودة الحياة, وعدم التفكير في ضحايا التنمر والنفاق الاجتماعي الذي يؤدي إلى عدم الاعتراف بخصوصية الفرد وبحقوقه وحرياته الأساسية. وتدمير سمعة الاخرين بادعاء الطهارة والاستقامة. وهذه النزعة تعكس صورة المجتمع المعاق الذي يعاني من تصدعات في قشرته الثقافية والتخلف الاجتماعي والتأخر الإنساني والتاريخي.

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة