لا يبدو منزل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في حي الحنانة بمدينة النجف، جنوبي العراق، هادئاً، إذ تشير ثلاثة مصادر تواصلت معها “العربي الجديد”، اثنان منها من قيادات التيار، إلى أن جدالات لا تنتهي تدور بين قادة التيار وزعيمهم، حول جماعة “أصحاب القضية” الذين يعتبرون أن مقتدى الصدر هو المهدي المنتظر، ويدعون إلى حمل السلاح لإسقاط الحكومة
ووفقاً للمصادر نفسها، يتردد على مقر الصدر في الحنانة عدد من مشايخ التيار الصدري وأساتذة الحوزة الدينية في الكوفة، الذين أجمعوا على ضرورة الدفع نحو استمرار تحييد الجماعة والتأكيد على ضلالة أعضائها والتبرؤ منهم، إلى جانب حثّ القوات الأمنية على اعتقالهم، بينما اقترح آخرون الدخول في ردود فقهية منظمة على الجماعة لمنع توسع دعوتهم، من خلال منابر الجمعة، والتجمعات الأسبوعية (الدروس) التي ينظمها التيار.
وبرغم حديث الصدر عن نبذ هذه الجماعة والتبرؤ منها، إلا أنها لم تتراجع في نشاطها، وتحديداً الإعلامي، عبر إنشاء صفحات وجيوش إلكترونية، فضلاً عن نشر مقاطع مصورة تُظهر عناصر من هذه الجماعة.
روايات قديمة لـ”أصحاب القضية”
و”أصحاب القضية”، ليست جماعة جديدة، بل ظهرت عام 2007، أي في ذروة العنف الطائفي الذي شهده العراق، وكان قوامها صدريون اجتمعوا على فكرة أن “مقتدى الصدر هو الإمام المهدي”، بالاستناد إلى روايات قديمة تفيد بـ”إمكان حلول روح شخص في جسد شخص آخر”، وهو ما يطلقون عليه “الحلول في القضية”. وعلى الرغم من أن الصدر قد استنكر أكثر من مرة هذه الفكرة، ورفض تعامل الصدريين معها، إلا أنه لم يهاجمها كما هو الوضع حالياً، عندما أعلن براءته منها.
وتشير معلومات حصلت عليها “العربي الجديد” من ضابط في شرطة مدينة الناصرية جنوبي العراق، إلى أن تواجد هذه “أصحاب القضية” يتركز في “ميسان وذي قار، وهم من أصحاب التعليم المنخفض، وأغلبهم من الجيل الذي ولد عقب الاحتلال الأميركي للعراق، أو قبله بسنوات قليلة”.
وعلى الرغم من اعتقال العشرات من هذه الجماعة، وفقاً لبيانات رسمية صدرت عن وزارة الداخلية العراقية، إلا أنها ما تزال تواصل نشاطها الإعلامي. وتربط قيادات في التيار الصدري ظهور هذه الجماعة الجديدة، بمخططات سابقة لخصوم الصدر من القوى الشيعية الأخرى، تهدف إلى “تعزيز ابتعاد التيار عن المشهد السياسي”.
وقال مسؤول في الهيئة السياسية للتيار الصدري،إن محاولات شق التيار الصدري متواصلة من قبل خصومه، وتحديداً القوى الشيعية الأخرى وأبرزها حزب “الدعوة” بزعامة نوري المالكي. وأضاف: “نعتبر عودة ظهور هذه الجماعة الضالة، في عداد هذه المساعي لإشغال التيار داخلياً”.
ولفت المسؤول إلى أنه “يتم تشخيص أفراد وقادة الجماعة هذه الآن، خاصة المسلحين منهم”. وأشار إلى أنه “حتى هذه اللحظة لا يوجد أي قرار من قبل زعيم التيار مقتدى الصدر بشأن العودة للعمل السياسي في القريب العاجل، كما لا يوجد أي توجه واضح بشأن خوض الصدريين انتخابات مجالس المحافظات، وهناك إمكانية كبيرة بعدم خوض هذه الانتخابات”.
ويلاحظ غياب شبه كامل عن أي استعداد للانتخابات المحلية (انتخابات مجالس المحافظات) المقررة في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، والتي باشرت القوى السياسية استعداداتها لها.
وشدّد المسؤول نفسه على أن إثارة موضوع “أصحاب القضية” في هذا التوقيت “تقف خلفه أجندة خارجية وداخلية، هدفها خلق فوضى داخل التيار الصدري، من خلال استغلال بعض البسطاء في التيار”. وأضاف أن “الصدر يراقب عن قرب الوضع السياسي، لكن لغاية الآن غير معلوم متى سيقرر الصدر العودة للحياة السياسية بصورة مباشرة أو غير مباشرة”.
إرادة خارجية لـ”تفتيت” التيار الصدري
من جهته، لفت الباحث في الشأن السياسي، القريب من التيار الصدري، عصام حسين، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى وجود جهات داخلية وأخرى خارجية تحارب التيار الصدري وزعيمه “عبر خلق العقائد والأفكار المنحرفة”. واعتبر حسين أن ذلك “قد يؤدي إلى إنتاج عنوان عقائدي يؤذي العراقيين مستقبلاً”. وأكد أن “الغاية من خلق مشروع “أصحاب القضية” هي تفتيت التيار الصدري”.
واعتبر حسين، أن “هناك إرادة خارجية، تنفذها كيانات سياسية وأحزاب منافسة للتيار الصدري تسعى إلى إحداث شرخ في التيار”. ولفت إلى وجود “مساع واضحة ومكشوفة لتأسيس جماعة تحمل عنوان التيار الصدري لارتكاب أعمال إرهابية، وتكون المبرر لاعتقال الصدريين وتشويه سمعتهم أمام الشعب العراقي”. وحول ما يتعلق بالانتخابات والمشاركة السياسية، أشار حسين إلى أن “القرار عائد للصدر وحده”.
من جانبه، أشار القيادي في “الإطار التنسيقي”، علي الفتلاوي، في اتصال هاتفي مع “العربي الجديد”، إلى أن “قضية مشاركة التيار الصدري في الانتخابات المقبلة شأن يعود للتيار”. وأضاف “لكن نحن مع مشاركة الصدريين في العمل السياسي والحكومي لأهميته وثقله السياسي والشعبي”. ونفى الفتلاوي الاتهامات الموجهة لبعض الأطراف السياسية في “الإطار التنسيقي” بشأن “أصحاب القضية” لافتاً إلى أن “الإطار وجميع قواه السياسية ليس لهم أي علاقة بهذه الجماعة وتحريكها، خصوصاً أن هذه الجماعة متواجدة داخل التيار الصدري منذ سنين وهي ليست وليدة اليوم”.
وأكد الفتلاوي أن “حكومة السوداني عازمة على إجراء انتخابات مجالس المحافظات نهاية السنة الحالية”. وأشار إلى أنه “لا توجد أي نية لتأجيل الانتخابات لأي سبب سياسي أو غيره” معبراً عن أمله بمشاركة التيار الصدري فيها “من أجل تحقيق الاستقرار والتوازن السياسي”.
بدوره، رأى المحلل السياسي ماهر جودة، إن “الاعتزال المؤقت يهدف إلى ترتيب أوضاع الصدريين الداخلية وتوحيد الصفوف للنزول بقوة للمشهد السياسي خلال المرحلة المقبلة”. وأوضح جودة أن التيار الصدري يدرك خطورة بقائه خارج المشهد السياسي والحكومي. ولفت إلى أن ذلك يعني “خسارة نفوذه الذي عمل على تعزيره خلال السنوات الماضية، خصوصاً مع وجود نية لقوى “الإطار التنسيقي” للسيطرة الكاملة على المشهد السياسي والحكومي”.
واعتبر جودة أن عدم مشاركة الصدريين في انتخابات مجالس المحافظات، سيكلفهم خسارة كبيرة عبر “فقدان السيطرة على الحكومات المحلية والمناصب الإدارية المهمة في مدن الوسط والجنوب، والعاصمة بغداد”. وتوقّع عودة قريبة للتيار الصدري للمشهد السياسي والساحة العراقية، لا سيما “أن الصدريين يتابعون جيداً أداء حكومة السوداني، وهم بانتظار أولى الإخفاقات الضارة للعودة لساحات الاحتجاج، وقد يتوجه الصدريون عندها إلى إسقاط الحكومة”.
في المقابل، رأى الباحث بشؤون الجماعات الإسلامية، علي اللامي، أن الحركة المعروفة بـ”أصحاب القضية”، تذكر بحركة مماثلة ظهرت ثم ووجهت في إيران سابقاً تعرف باسم “روح الله”، والتي تعتبر المرشد الإيراني الراحل روح الله الموسوي الخميني بأنه الإمام المهدي. ولفت إلى أن “الحركة الموجودة في العراق اليوم تتبنى الدعوة نفسها مع الصدر، لكن بمنهج سياسي لا ديني فقط، عبر الدعوة للإصلاح والتغيير بتمكين مقتدى الصدر”.
وأشار اللامي إلى وجود تطرف وتدن بالمستويين التعليمي والثقافي يجمع أصحاب تلك الدعوات. وأرجع تواجدهم في التيار الصدري إلى أن التيار يحتوي “البسطاء من العراقيين أصحاب التعليم المحدود، والتعلق العاطفي بالصدر ووالده (محمد صادق الصدر)”. واعتبر اللامي أن الحركة ستبقى بالنهاية محدودة، وأنها مشكلة داخلية في التيار الصدري. وأضاف لن تذهب أبعد من إشغاله عن قضايا خارج التيار ترتبط بالعودة إلى العملية السياسية ومناكفة الخصوم.