تعد اختلاسات المصارف الحكومية، والتي كشف عنها موظفون ومواطنون، المشكلة الكبرى التي انعكست سلبا على أداء المصارف الحكومية وجهود تطويرها، خاصة في ظل وجود تستر مقصود أو غير مقصود.
ويعتبر ضياء الخيون الذي تقلد مناصب عديدة في وزارة المالية العراقية ومنها منصب مستشار وزير المالية لشؤون المصارف ومنصب مدير مصرف الرافدين، أحد أبرز الشخصيات التي تحوم حولها شبهات فساد، وقد أسهم، بحسب مصادر، في تدهور عمل المصارف في العراق وتدهور العملة قبل عام 2003.
بعد انهيار قيمة الدينار العراقي في ظل النظام السابق بسبب الحروب والحصار الاقتصادي، في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، خرج ضياء الخيون الذي كان يشغل حينذاك منصب مدير مصرف الرافدين ليقول إن العملة العراقية التي بدأ النظام بطباعتها لا تحتاج الى غطاء من العملة الصعبة.
وعندما جاء الأميركان، سارع الخيون الى الاتصال بهم منذُ الأيام الأولى عارضاً عليهم المساعدة في كشف حسابات صدام حسين وعائلته في الخارج، فكان له ما أراد وبقي يتنقل ما بين منصب مدير عام لمصرف الرافدين ومستشار في وزارة المالية.
ونظرا لعلاقاته مع شخصيات نافذة في أهم الوزارات الأمنية وفي مجلس النواب، استطاع الرجل أن يفلت من قرارات لجنة المساءلة والعدالة التي طالت أساتذة الجامعات والقضاء وصولاً الى موظفي الاستعلامات في النظام السابق، إذ بقي في منصبه حتى آخر أيامه في المصرف.
ويقول مصدر مطلع رفض ذكر اسمه، إن “الخيون يقوم بالتعاقد على مشاريع الاتصالات من العاصمة الأردنية عمان بأموال البنوك العراقية”.
فساد في صفقات أجهزة مراقبة ومولدات
لعب الخيون أيضا دور رجل أعمال وتاجر، واتهم بملفات فساد عديدة سواء من قبل هيئة النزاهة او من قبل اللجنة المالية البرلمانية، وخاصة فيما يتعلق بالكاميرات والمولدات.
ويقول عضو اللجنة المالية هيثم الجبوري في حديث صحفي إن “هناك تهماً بملفات فساد على ضياء الخيون، لكن لم نحصل على دليل قاطع بعد دفاع وزير المالية السابق رافع العيساوي عنه اثناء حضوره الى مجلس النواب للاستماع له”.
ويضيف الجبوري أن “هذه الملفات قدمت الى هيئة النزاهة للتحقيق بها”، مبينا أن “بعض هذه الملفات اتخذت إجراءات بشأنها منها استبعاد المفتش العام في وزارة المالية، فيما قامت الهيئة بإغلاق البعض الآخر منها”.
وسبق أن أثار الجبوري عددا من قضايا الفساد المالي والإداري قال إن وزارة المالية وبعض المصارف التابعة لها متورطة فيها.
وقد كشف في مؤتمر صحافي سابق عقده في محافظة بابل عن “تورط مسؤولين متنفذين ومستشارين كبار في وزارة المالية وبعض المصارف التابعة لها بملفات فساد، ومنهم ضياء حبيب الخيون”، وأشار الى أن “ملفات الفساد تتضمن شراء 153 منظومة كاميرات (كام سكان) لمراقبة المصارف بسعر 53 مليون دينار للمنظومة الواحدة، وثبت أنها مزيفة ومقلدة ومن مناشئ صينية لا يزيد سعرها على نحو المليونين ونصف المليون دينار للمنظومة”.
وأوضح الجبوري أن “من بين القضايا الأخرى ملف وديعة وزارة الدفاع لدى مصرف الرافدين والبالغة 14 مليار دينار والتي صرفت الى إحدى الشركات المحلية المتعاقدة مع وزارة الدفاع على الرغم من أن الوزارة كانت قد منعت المصرف من التصرف بالمبلغ لحساب الشركة إلا بعد علمها وموافقتها على الصرف”.
وبين أن “ملفات فساد أخرى مثل الملف المتعلق بشراء 48 مولدة كهربائية بسعر 112 مليون دينار للمولدة الواحدة، بما يتجاوز قيمتها الحقيقية بشكل كبير، وملف اختلاس مبلغ 53 مليون دولار من مصرف الرافدين في أبو ظبي”.
مصرف الرافدين الأكثر فساداً في عهد خيون
تصدر مصرف الرافدين في السنوات التي شغل فيها ضياء الخيون منصب المدير العام فيه قائمة المصارف الأكثر فسادا في العالم حسب تقرير منظمة النزاهة ومكافحة الفساد الدولية، وحمل مسؤولون وخبراء مصرفيون في حينها ضياء الخيون مسؤولية ذلك، واتهموه باستغلال السلطة في إرساء المناقصات والرشاوى والإتاوات، ولفتوا الى أن الخيون كان لديه علاقات تجارية بسياسيين كبار ورجال أعمال يملكون مصارف شخصية وشركات كبيرة واغلبهم متورطون في عمليات مصرفية مشبوهة.
وعرضت رابطة الشفافية في العراق تقريرا موسعا عن ملفات الفساد في مصرف الرافدين الذي شهد تبديلات إدارية رئيسة على مستوى العاملين فيه.
ويوثق التقرير وجود شبهات فساد وعمليات اختلاس كبرى بعمل المصرف، ويكشف عن واحدة من اكبر عمليات الاختلاس المصرفية في تاريخ العراق والتي تجاوزت قيمتها 600 مليار دينار عراقي، أي ما يقارب نحو 500 مليون دولار من قبل جهات على علاقة بإدارة أمور المصرف وتمشية أعماله.
ويضيف تقرير الرابطة أن 600 مليار دينار عراقي جرى التأكد من اختلاسها، منها 308 مليارات تمت بحوالة واحدة من مصرف الرافدين فرع التآخي وحده، ويشير الى أن هذه الصفقة كان يقف خلفها ضياء الخيون الذي تمت إحالته على التقاعد.
وكان مجلس الوزراء قد قرر في آذار 2013 تعيين باسم كمال الحسني مديراً عاماً لمصرف الرافدين خلفاً لرئيسه السابق ضياء الخيون الذي عمل مستشاراً لوزارة المالية فضلاً عن إدارته لمصرف الرافدين للفترة السابقة.
وثمة تساؤلات يطرحها مراقبون، متى يستدعى ضياء الخيون الى هيئة النزاهة ليتم التحقيق معه في الأموال التي جمعها في سنوات قليلة والتي جعلت منه تاجرا مصرفيا وشريكا في العديد من البنوك في بغداد وبيروت؟