أن تلجأ بعض الجيوش إلى الاستعانة بالمرتزقة والشركات الأمنيّية والقتالية الخاصّة في عملياتها الهجومية خارج حدود أوطانها فهذا امر مُستوعَب، وأن تستغل هذه الجيوش هؤلاء المرتزقة ومنتسبي تلك الشركات ليُشكّلوا دروعاً لهم و”بوز مدفع” في الخطوط الأمامية والمهام الصعبة فهذه قضية فيها وجهة نظر.. أما أن يعتمد ما يسمّى زوراً وبهتاناً “جيش الدفاع الإسرائيلي” في عملياته الإجرامية على المرتزقة وشركات التجنيد والقتال الخاصّة من كافة أصقاع الأرض للقتال بَدلاً عنه للدفاع عن “أرض الميعاد” المزعومة فهذه إحدى المسائِل الكبرى التي تستوجب التوقّف عندها مليّاً كظاهرة منهجيّة تاريخية ليست وليدة ومستجدّة بفعل “طوفان الأقصى” المتواصل.
لقد نسجت الحركة الصهيونية اللادينيّة أحابيلها على جملة من الافتراءات التاريخية المزوَّرة، أهمها: فِرية تحويل الجماعات اليهودية المتناثرة والمتباينة وحتى المتناحرة إلى “شعب” بل “شعب الله المختار” المسكين الضحية الذي لا وطن له، ثمّ رست أخيراً بالتوافق مع الاستعمار الغربي وبعد جدال طويل على أن تكون فلسطين لاعتبارات استعماريّة غربية صرفة هي “أرض الميعاد” المزعومة في الأساطير التوراتيّة التي اكتتبها “الكتبة والفرّيسيّون” ـ العدو اللدود للمسيح والمنكرون لرسالته والمتآمرون على شخصه أيضاً ـ وذلك باعتبار فلسطين “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.. ثمّ كان ما كان وحلّت النكبة المتواصلة بالشعب الفلسطيني الأصيل في وطنه المتجذّر فيه منذ آلاف السنين، والذي احتضن وآوى سيدنا إبراهيم وبَنيه الأطهار. وغُرس الكيان الصهيوني بالحديد والنار فوق التراب الفلسطيني وعلى حساب أصحابه الحقيقيين وتواصلت الافتراءات لدرجة حلول الإله “إله إسرائيل” في “شعب إسرائيل” و”أرض إسرائيل”، مسبغة عليهما عباءة “القدسي ” المزعومة، ومتوّجة ذلك بأقدس الأقداس “جيش الدفاع الإسرائيلي المقدّس”، والذي يقاتل “إله إسرائيل” عنه ويفرض على “الأغيار” العبيد من شتى بقاع المعمورة واجب القتال طوعاً أو كرهاً دفاعاً ونصرة لشعبه كي يرضى عنهم ولا يحلّ عليهم غضبه، وهو الذي خلقهم على هيئة بشر رأفة بشعبه “المختار” وسخّرهم لخدمته وليكونوا طوع أمره؟!
ولعل ما سبق يفسّر نظرة الصهاينة في “الكيان الإسرائيلي” لكلّ مَن يخالفهم ويقاومهم من الشعب الفلسطيني واللبناني واليمني والعراقي والقائمة تطول، باعتبارهم فئران وصراصير وأفاعي وحشرات ضارّة، وفي أحسن الأحوال “وحوش بشرية” تستحق الإبادة كعِبادة، وعلى “الأغيار” المرتزقة فعل ذلك وقتال المقاومين المسلّحين، في حين يكتفي “الجيش المقدّس” بقتل المدنيين العُزّل بالقصف جوّاً وبرّاً وبحراً أو تنكيلاً وتجويعاً وتعطيشاً. وهو ما نراه بوضوح في صناعة الإعلام الإسرائيلي لبطولات وانتصارات لهذا “الجيش” المغوار على المدنيين الأبرياء من النساء والشيوخ والأطفال حتى الرُّضَّع منهم، وفي ما يبثّه جنوده وضباطه من فيديوهات مصوّرة وهم يتسلّون بقنص ما تقع عليه أعينهم من مدنيين، وما يحرقونه ويفجّرونه من منازل مدنيّة ومساجد وكنائس ومدارس مقهقهين منتشين يحاولون إشباع نَهَم شهوتهم في القتل والحرق والتدمير والتي لا تعرف معنى الشبع. مقابل الفرار من ساحات المواجهة وترك آلياتهم المدمّرة وعُدّتهم وعتادهم الباهظة الثمن.
وهناك معلومات مؤكدة على استجلاب مرتزقة من إقليم كردستان العراق ومن تركيا وهو ما ناقشه البرلمان التركي مؤخراً، وكذلك استخدام عملائها السابقين في لبنان الذين لحقوا بأذيال قوات الاحتلال المنسحبة جبراً عام 2000 ليقاتلوا في غزّة. فضلاً عن وحدات من القوات النظامية والمرتزقة الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين وغيرهم من دول الغرب الاستعماري. ومحاولات الكيان المحمومة لاستدراج هذا الغرب لقتال لبنان واليمن والعراق وإيران. وقد بلغت ببعض قيادات الكيان الوقاحة لدرجة مطالبة العرب المطبّعين منهم والراغبين في ما يُسمّى “التطبيع”، بضرورة المشاركة في حروب الكيان، وتهديدهم بفضحهم ونشر غسيلهم الوسخ، وكشف المستور، إن هم أحجموا عن فعل ذلك. فهل هناك مَن يجرؤ على الردّ على هكذا وقاحة واستعلاء وعنجهية لا مثيل لها، ولو بالأقوال؟!