تجري لقاءات واتصالات بين مختلف الاطراف لصياغة المواقف المطلوبة في مواجهة الاحداث السياسية الجارية. وهناك على الطاولة مبادرة لاقت قبولاً طيباً، دعا اليها السيد رئيس الوزراء لاجتماع رؤساء الكتل السياسية، والتي نأمل ان تحلحل الاوضاع والعودة للسياقات القانونية والدستورية.. فالتلاعب بضوابط المؤسسات والسلطات لاتخاذ قراراتها، لا يقل خطورة عن تزوير الانتخابات، بل قد تفوقها.. لانها تدمر الاساسات، وليس فقط المخرجات.. التي يمكن تصحيحها، إن احترمت الاساسات. لذلك المؤمل العودة للسياقات القانونية بمساندة كافة الكتل لتدقيق المخالفات، سواء بقرار من مجلس القضاء و/او المحكمة الاتحادية.. او بقرار من مجلس النواب و/او مجلس الوزراء.. فالبلاد امام مفترق طرق.. اما ان تمزقها الاختلافات والخصومات والرؤى الضيقة التي مصيرها جميعاً الفوضى وفتح مجالات التدخل الخارجي والعودة الى التفرد والدكتاتورية، او ان يتم الاستفادة من الاخطاء والسلبيات للخروج من قوقعة الانوية التي ترى نفسها مصيبة دائماً، والاخرين مخطئين دائماً. فعندما نتكلم عن العملية السياسية فان جميع من يعلن الالتزام بها –موالياً او معارضاً- يجب ان يكون مساهماً في بناء الديمقراطية، متمتعاً بحقوقها.. فجبهة الشعب كجبهة الحرب، تختلف الاسلحة لكنها تتحد كلها لتحقيق النصر ودحر العدو. صحيح هناك افعال اجرامية في التفجيرات والحرق والقتل والتزوير وتعطيل العملية الديمقراطية، لكن المسؤولية تقع علينا جميعاً.. فالديمقراطية لا يبنيها طرف ليبني الدكتاتورية طرف اخر.. والاعمال الاجرامية لا يتحمل مسؤوليتها المجرمون فقط، بل ايضاً من يوفر لهم الظروف والدوافع.. في 10/9/2014، بعد يومين من اداء اليمين الدستورية كوزير للنفط، كتبت افتتاحية “فوضى الديمقراطية وبناءاتها.. بناء الدكتاتورية وفوضاها”، ارى فائدة في اعادة نشرها.
[“الديمقراطية تبدأ بفوضى وخلافات، ويعتمد نجاحها على تحولها الى نظام يصرف وجهات النظر المتعددة، كما تصرف القنوات والسدود، السيول القادمة لتصبح نافعة وغير ضارة، ليقام نظام متين له اسسه وتقاليده.. والدكتاتورية تبدأ بنظام مدروس متكامل، له ايديولوجياته المطلقة، ثم تتحول الى فوضى، وسيول مدمرة. الديمقراطية لا تظهر فجأة وتحتاج لاجيال وعقود لتبني نفسها، اما الدكتاتورية فهي امر واقع، او تأتي فجأة، ولا تحتاج سوى الى سنوات لترسخ اركان نظامها الظالم.. الديمقراطية تظهر تناقضات الواقع والمرض وتضعه تحت المجهر فيصبح العلاج ممكناً.. والدكتاتورية تخفي تناقضات الواقع وتنكر وجود المرض، فيزداد التناقض ويستفحل المرض. الديمقراطية طبيعتها الاختلاف والمعارضة فتتبعثر الاصوات ولا تظهر قوة الكل.. والدكتاتورية طبيعتها الرأي الواحد ومنع الرأي الاخر، فيبدو الصوت الواحد وكأنه كل الاصوات. الديمقراطية، كالطبيعة، تصحح نفسها بنفسها، وتتعلم من تجاربها، فتراكم ببطء المنجزات.. والدكتاتورية عجولة تنكر تجارب من سبقها او غيرها، وتفرض شروطاً غير طبيعية، فلا اصلاح ذاتي بل الاصلاح يقرره، او يعطله القائد فقط. الديمقراطية هي التداول السلمي للسلطة، وهي ليست الانتخابات التي تخيف الحكام، فقط، بل ايضاً التقاليد والمؤسسات واولوية الشعب وحكم الدستور.. والدكتاتورية هي التداول العنيف للسلطة، وقيمومة القائد على الشعب والدستور وتقاليد وضوابط العمل والمؤسسات، والانتخابات فيها، مضمونة النتائج 99.9% للحاكم، لكنها ترعب الجمهور، ان لم يشارك فيها. الديمقراطية تبدو ضعيفة، وكأنها ستنهار قريباً، لكنها اصلب واقوى مما تظهر عليه.. والدكتاتورية تبدو جبارة وقوية، باقية وابدية، لكنها اضعف بكثير مما هي عليه، وتنهار فجأة كأي بنيان منخور اسسه. الديمقراطية عند انهيارها، لسبب او اخر، فخيارات الجمهور السقوط مجدداً في الدكتاتورية او الفوضى، لهذا غالباً ما سيتشبث الشعب بخيار العودة للديمقراطية.. اما الدكتاتورية، فلا يتشبث بها سوى من لم يعش مآسيها، او لديه مرض الحنين الكاذب، كحملة الفكر النازي او النظام السابق او الفترات المظلمة من تاريخنا، فان انهارت فلا طريق سوى الفوضى او العودة الى الديمقراطية.
وفي العراق، ونحن وسط التناقضات والحريات التي تقترب من الفوضى، نقف بين بناء نظام ديمقراطي مؤسساتي دستوري حقيقي يحفظ لنا ثوابتنا الدينية والوطنية.. او الفوضى المدمرة التي تأكل الاخضر واليابس، والتي لا مآل حقيقي لها سوى العودة للانظمة الدكتاتورية والاستبدادية.”]