بلا حماسة مشجعين أوفياء لأعلام بلدانهم، ومن دون تحكيم عادل، وبغياب تغطية إعلامية شفافة، وبسقف زمني قد يمتد لشهور قادمة، تخوض القوى العراقية منذ أسابيع ما يمكن أن يطلق عليه «دوري المجموعات» في مسابقة تشكيل الحكومة العراقية، أملاً بترشح كل منها إلى المراحل المقبلة من المسابقة التي يصادف أنها تتكرر كل أربع سنوات أيضاً.
ناورت الفرق كثيراً قبيل بدء البطولة، ورفعت من سقف توقعات الجمهور، وتداولت شعارات «الأغلبية السياسية» و «الحكومة الأبوية» و «التكنوقراط»، و «الدولة الحديثة» و «المدنية» و «الأجيال الجديدة»، واتفق الجميع على «اللعب النظيف»، لكن جولة التصفيات كشفت خشونة المشهد، وانقلب الحديث إلى تزوير النتائج، وشراء الحكام، وفساد الاتحاد المشرف على اللعبة، حتى أن القضية أحيلت برمتها إلى محكمة الملعب للبت فيها.
دوري المجموعات بدأ مع ظهور نتائج المترشحين، وركز في مرحلته الأولى على جس النبض، فشهدت لقاءات بين الجميع، وآمال عريضة بقرب حسم المنافسة، حتى أن اللاعبين الكبار ظهروا للمرة الأولى بقمصان مختلفة عن السائد، فسجلوا نقاطاً على بعضهم داخل كل مجموعة، فمثلاً المجموعة الأولى التي ضمت العبادي والصدر والحكيم، شهدت منافسة صامتة لكنها شرسة حول تزوير الانتخابات، وصلت أحياناً إلى عدم تبادل المدربين التحية بعد نهاية كل مباراة، أما مجموعة المالكي والحشد فعلى رغم ما يشاع أن مدربها واحد، إلا أنها شهدت كسر عظم بشأن حرق الصناديق، أما مجموعة علاوي والخنجر والكربولي فقد حيرت الخبراء والمدربين، بعد أن شهدت ظاهرة تبادل اللاعبين، وصار بالإمكان للمرة الأولى مشاهدة انتقال لاعب بين فريقين خلال المباراة نفسها، واستمرت المجموعة الرابعة محسومة بسيطرة القطبين الكرديين، وسط شكوى صغار الفرق من استمرار التزوير والتحيز التحكيمي بحقها.
ولأن اتحاد اللعبة في العراق فريد من نوعه، فهو لا يشترط خروج الخاسرين من المسابقة، بل إن الفرق تنتقل إلى الدور الثاني بعد أن تدمج معها الفرق الخاسرة، فتشكل فريقاً جديداً يحمل اسماً مبتكراً، كأن تتحد المجموعتان الأولى والثانية لتشكيل فريق «التحالف الوطني» الذي يتوقع في هذه الدورة تغيير اسمه بعد فضائح تناول «منشطات» طاولت لاعبيه في الدورات السابقة، إلى «الاتحاد الوطني» أو «الفضاء الوطني»، والأمر ينطبق على المجموعة الثالثة، التي ليس من المتوقع أن ترتدي قميص «تحالف القوى» وربما تستبدله باسم «فضاء القوى»، لكن الرابعة متمسكة مع استمرار الدورات باسم «التحالف الكردستاني» حتى بعد أن اتهم لاعبوها بعضهم بعضاً بالخيانة وبيع المرمى للفريق الخصم.
السخرية المرة، أن البطولة العراقية تبدأ وتنتهي في كل مرة إلى النتائج نفسها، فالفرق تخوض في المباراة النهائية صراعاً حاداً ليس لغرض الفوز، بل لمنح كل فريق حصته من المنتخب النهائي الذي سيحمل كأس الحكومة بعد أن يتم اختيار كابتن الفريق الذي صممت البطولة نفسها من أجل اختياره، فنظام النقاط العراقي ليس فيه خاسر، بل الجميع يحصل على جائزته بما ناور وتآمر واشترى وباع، ليستعد لخوض البطولة المقبلة.
التساؤل الذي بدأ الخبراء بطرحه يتعلق بانحسار الجمهور والمشجعين، وقد كان الملعب شبه فارغ منهم خلال التصفيات، ويبدو أكثر وحشة في دوري المجموعات، والخشية أن تخاض المباراة النهائية بملاعب خالية تماماً إلا من «التراس» الأحزاب وأصوات أبواقهم المرتفعة، ما دفع إلى انطلاق مناشدات بتغيير قوانين اللعبة التي فقدت بريقها بعد أن فقدت صدقيتها.