نجاح محمد علي
لم تتأخر طهران كثيراً في الرد على رسالة مؤتمر وارسو لها التي فسرتها بالتفجير الإرهابي الذي وقع في مدينة زاهدان السنية البلوشية، مركز محافظة سيستان بلوشستان، وأوقع عشرات الضحايا ونددت به مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني. فقد سارع الرئيس الإيراني حسن روحاني بعد يوم واحد من الاجتماع الذي يؤكد نافذون في المعارضة الإيرانية المستقلة في الخارج يمثلها أميد دانا، في برنامجه اليومي التلفزيوني الذي يبث من السويد أنه “ولد ميتاً” إلى تدشين أول سيارة كهربائية إيرانية الصنع بدلاً من الذهاب إلى زاهدان لتقديم التعازي وإعلان التضامن مع عوائل الضحايا، وليعلن بصوت عال أن دخول إيران ضمن الدول المنتجة للسيارات الصديقة للبيئة، هو أبلغ رد على ما سماه الإيرانيون وأصدقاؤهم “فقاعة وارسو”.
وحتى قبل أن تقلل طهران من أهمية اجتماع وارسو فان المعارضة الإيرانية في الخارج أقرت بفشل المؤتمر في تحشيد مؤيدين له من الإيرانيين في الخارج، ويقولون إن أنصار رضا بهلوي نجل الشاه المخلوع على سبيل المثال، عجزوا عن تنظيم مظاهرة أمام قاعة المؤتمر. وقد أظهرت الصور التي بثتها قنوات تلفزيونية بالفارسية أن عدد المعارضين من أنصار عودة البهلوية الذين تجمعوا في وارسو لم يتجاوز المئة.
ويعتقد متابعون أن ما يسمونه بتطرف نجل الشاه المخلوع في طريقة التعامل مع الإيرانيين في الخارج على وجه التحديد ودعوته مؤخراً إلى تطهير القنوات الفضائية التي تبث بالفارسي من الإصلاحيين وأنصارهم، وكان يشير تحديداً إلى قناة “Bbc” فارسي وقناة “إيران انترناشيونال” ودعوة أنصاره المستمرة إلى تطهير إيران من طبقة رجال الدين، يرى فيه كثيرون دعوة إلى الديكتاتورية والتفرد والإقصاء والحرب الأهلية.
وبينما عجزت المعارضة المدعومة من واشنطن وحليفاتها عن تنظيم مظاهرة موحدة في الخارج تدعم مؤتمر وارسو وترسل إشارات عن انطلاق ثورة إيران العكسية في ذكرى انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 خرج إيرانيون لإحياء هذه الذكرى في كافة المحافظات بكل القوميات والمذهبيات، إذ برزت مشاركة أهل السنّة في سيستان بلوشستان والعرب في خوزستان رغم الحرمان الذي تعيشه مدن الإقليمين وخصوصاً البلوش الذين استهدفهم الاعتداء الإرهابي الأخير ووجهت طهران أصابع الاتهام فيه إلى السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل.
ولد ميتا
وقبل عقده هاجم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مؤتمر وارسو وقال في تغريده له على “تويتر”: “تستعد إيران وروسيا وتركيا لعقد مؤتمر سوشي بشأن سوريا، وتؤكد محكمة العدل أحقيتها في نظر دعوى طهران ضد سرقة الولايات المتحدة لأموال الشعب الإيراني، تسعى واشنطن للتحايل على عدم احترامها للقوانين وعزلتها عبر عقد تمثيلية وارسو”.
وربط ظريف بين تنظيم مؤتمر وراسو واستهداف حافلة للحرس الثوري في محافظة سيستان بلوشستان جنوب شرقي البلاد، واعتبر أن التزامن بين الحدثين ليس صدفة.
وهاجم الوزير الإيراني الولايات المتحدة المنظمة للمؤتمر قائلاً في تغريدة أخرى عبر “تويتر” يبدو أنها تكرر الخطأ نفسه، وتتوقع الحصول على نتائج مختلفة.
توعد بالانتقام
وتوعد المسؤولون الإيرانيون ومنهم الرئيس حسن روحاني ونائبه إسحاق جهانغيري بالانتقام من منفذي الاعتداء، مؤكدين أن هذا العمل سيدفع إيران لشن “معركة لا هوادة فيها ضد الإرهاب”. فيما وجّه الإعلام الإيراني أصابع الاتهام عن الهجوم لجماعة تتبع للقاعدة معروفة باسم “جيش العدل” والتي تبنته رسمياً، وندد به بشكل لافت كل أئمة الجمعة وعلماء الدين السنّة وأيضاً ناشطون ومعارضون بلوش رأوا أن هذا العمل الإرهابي يضر بوحدة وسيادة إيران وبمطالب القوميات غير الفارسية بحقوقها المشروعة التي أقرها الدستور.
ترامب
وسربت طهران أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أرسل مؤخراً عرضاً عبر وسطاء لزيارتها ولقاء الرئيس حسن روحاني والمرشد الأعلى خامنئي الذي قال الأربعاء، إنه “لا يمكن تصور حل أي مشكلة مع أمريكا” وإن “التفاوض معها سيعود علينا بالضرر المادي والمعنوي”.
وفي بيان صدر عنه بمناسبة الذكرى الأربعين لانتصار الثورة الإسلامية، قال خامنئي إن بلاده تواجه اليوم تحدياً سببه “تواجد إيران المقتدرة على حدود الكيان الصهيوني وإنهاء النفوذ غير الشرعي لأمريكا في منطقة غرب آسيا، ودعم الجمهورية الإسلامية لكفاح المجاهدين الفلسطينيين في قلب الأراضي المحتلة، والدفاع عن الراية الخفاقة لحزب الله والمقاومة في كل هذه المنطقة”.
وسبق هذا الموقف تصريح أطلقه الرئيس روحاني لمح فيه إلى عرض ترامب قائلاً: طهران مستعدة لقبول “توبة” واشنطن بغرض إقامة “علاقات ودية” إذا اعتذرت عن تدخلاتها السابقة في إيران.
العراق
لم يحضر العراق مؤتمر وارسو الذي فشلت واشنطن في ضم الدول الأوروبية إليه، وكانت إشارات المرجع الديني سيد علي السيستاني لدى لقائه جينين هينيس بلاسخارت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ورئيسة بعثتها في العراق، حول حفظ سيادة العراق ورفض استخدام أراضيه منصة لإيذاء دول الجوار في إشارة إلى إيران، كافية لتضع الحكومة العراقية مسافة بين بغداد وواشنطن في وارسو خصوصاً بعد التشجيع الذي حصل عليه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي من الدول الثلاث بريطانيا وفرنسا وألمانيا ومن موغريني كي يرفض الالتزام العقوبات الأمريكية على إيران.
وعزز غياب عدد من الدول الأوروبية عن المؤتمر وتخفيض دول أخرى مستوى حضورها، موقف العراق الحائر هذه الأيام في خضم الجدل حول بقاء القوات الأمريكية التي يعول عليها مؤتمر وارسو في معركة احتواء نفوذ إيران.